الصورة، أو مجموعة الصور، التي رغب جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، في أن تنشر في وسائل الإعلام لم تظهر بعد، لم تنجح محاولاته المثابرة في عقد قمة تجمعه مع الرئيس الفلسطيني ورئيس الحكومة الإسرائيلية، والعاهل الأردني، وحتى باستبدال نتنياهو بشمعون بيريس الذي التقاه أكثر من مرة خلال الأسبوع الماضي، جميع اللقاءات والاجتماعات المركّزة والمكثّفة، ظلت دون الهدف الذي ابتغاه كيري وعمل من أجله، قمة تحدث اختراقاً، حتى لو كان شكلياً، تهيئ لانطلاق عملية تفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الاسرائيلي، كما تحقق ضغطاً على الرئاسة المصرية، التي يعتقد كيري أن بإمكانها بل يجب أن تنضم إلى هذه القافلة، لدعم الجهود الرامية لاستئناف العملية التفاوضية، خاصة وأن نتنياهو، كما سربت مصادر مقربة منه، أشار إلى ضرورة أن يكون هناك دور مصري في هذا المجال، إذ إن استجابة "رئاسة الإخوان" في مصر للضغوط الأميركية والإسرائيلية، بتبني القاهرة لاتفاقيات "كامب ديفيد"، غير كافية، وإدخال مصر في العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سيشكل تأكيداً ولا أوضح على قناعة رئاسة الإخوان في مصر، بأهمية تبني اتفاقية السلام مع إسرائيل، عن قناعة، وليس لمجرد التكتيك السياسي المتوقف على تطورات الوضع غير المستقر في جمهورية مصر العربية، قمة رباعية، ستعتبر شكلاً من أشكال الضغط على مصر، كي تنضم إلى هذا الجهد، حتى لا تفقد مكانتها ودورها انطلاقاً من العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.كان من الواضح، في ظل الفشل في اختراق سياسي، أن يقدم كيري على جهد على المسار الاقتصادي، وقد ظهر جلياً، أن هذا المسار كان بديلاً، حتى لو كان مؤقتاً، للمسار السياسي، إن رصد حركة نشطة للغاية من قبل مجموعة رجال الأعمال الفلسطينيين، في "مؤتمر دافوس" على حدود الأردن مع البحر الميت، يعكس بروز هذا المسار بشكل واضح، وتصريح كيري بدعم الاقتصاد الفلسطيني بأربعة مليارات دولار، لإطلاق نشاط اقتصادي يتوازى مع الجهد السياسي يشير إلى أن البديل الاقتصادي الذي بات أكثر وضوحاً أثناء جولة كيري، هو شكل من أشكال التعويض عن الفشل السياسي، وهو الأمر الذي دفع بالرئيس الفلسطيني إلى التأكيد من جديد على أن البديل الاقتصادي لن يكون بديلاً، في حال استمر التعنُّت الإسرائيلي عن الحل السياسي الذي ظلّ رهناً باستمرار العملية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية!إلاّ أن المسار الاقتصادي هذا، ليس منفصلاً بالتأكيد عن المسار السياسي، إذ يجري الحديث، عن مؤتمر اقتصادي يعقد في حزيران القادم، وأيضاً في البحر الميت، يضم أردنيين وفلسطينيين وإسرائيليين وأميركيين، وربما غيرهم، لتتويج جملة اتفاقات، حدثت بالفعل بين هذه المجموعات، خاصة من قبل القطاع الخاص، على ضوء الجهد السياسي المرتقب أن يحقق أول أهدافه، بوضع لبنة اقتصادية للكونفدرالية المحتملة بين الأردن ودولة فلسطين، ولكي يمكن القول إن البنية الاقتصادية لهذا الاتحاد الجديد، قد اكتمل، أو على وشك ذلك، في حال تم التوصل إلى تسوية سياسية تتوّج بالإعلان عن دولة الاتحاد الجديد، واللقاءات بين مستويات اقتصادية مختلفة، من القطاع الخاص على وجه التحديد، خلال العام الماضي في العاصمة الأردنية وفي الضفة الغربية، تشير إلى أن المستوى الاقتصادي بات أقرب إلى النضوج الذي ربما يحد منه فشل أي اختراق سياسي حقيقي حتى الآن.ولم يمثل قطاع غزة، في تلك الاجتماعات ذات المسارات الاقتصادية، إلاّ أن ملاحظات نشرتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، يمكن الاستناد إليها، للإشارة إلى أن قطاع غزة كان مشمولاً ـ نوعاً ما ـ في هذه المسارات، فقد أعلنت إسرائيل عن التزامها باتفاق الهدنة مع "حماس" في إطار السماح للصيّادين الغزيّين الإبحار إلى مسافة ستة أميال بحرية بدلاً من ثلاثة، إلاّ أن الأهم في هذا السياق هو إعلان إسرائيل عن سماحها بتطوير حقول الغاز أمام شواطئ بحر غزة، في إطار استقلال البنية الاقتصادية الفلسطينية عن تلك الإسرائيلية، بالتوازي مع سماح إسرائيلي لاستغلال البوتاس من شمال البحر الميت.وربما من اللافت، أن التصريحات الإسرائيلية، من قبل القادة والوزراء والمسؤولين، كلها في الغالب، كانت تشير إلى انفراجة على المسار السياسي، لكن هذا الأمر ظل معهوداً في إطار التجارب السابقة المتعلقة بالعملية التفاوضية، فإسرائيل تريد أن تظهر كماً من التفاؤل، إلى حين ظهور عقبات حقيقية أمام استئناف هذه العملية، فيبدو الأمر، وكأن الطرف الآخر، الجانب الفلسطيني هو الذي يعرقل اختراقاً سياسياً على هذا الملف، وبالتالي، لا يمكن الركون إلى مثل هذه التصريحات لتقييم حقيقي واقعي لمدى الاستجابة الإسرائيلية لاستحقاقات العملية التفاوضية، وعندما تصل الأمور إلى الجانب الجدي، نرى أن شمعون بيريس، الرئيس الإسرائيلي، كان قد تلقى "توضيحات" من قبل نتنياهو، بأنه ليس مخوّلاً بالحديث عن أي موضوعات مرتبطة بالعملية السياسية أثناء مشاركته في "مؤتمر دافوس" واجتماعه مع كيري، وأن يظل في إطار العموميات، وأن لا يحرج المفاوض الإسرائيلي الذي بيديه، من خلال رئيس الحكومة، التعاطي مع هذه الأمور الحساسة والمصيرية، حتى أن بعض وسائل الإعلام أشارت إلى أن كيري وبّخ نتنياهو على هذه الأمور، مع أن ذلك مستبعد تماماً!!Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net