خبر : تنميط غزة ..! ...كرم عطا الله

الأحد 26 مايو 2013 08:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تنميط غزة ..! ...كرم عطا الله



لست من المعجبين بالفضائيات العربية التي تحترف مد أيديها في جيوب المواطنين واستغفالهم ببرامج سطحية استثمارية على نمط "أرب أيدول"، لكن نجاح فلسطيني بالوصول للتصفيات النهائية يجعل من تفاعل الفلسطينيين مع ابنهم مسألة لها علاقة بالانتماء الوطني ببراءته وطهرانيته فهم يحلمون برفع اسم فلسطين دوماً ويشعرون بالفخر حين يتردد اسم وطنهم في أشهر برنامج يتابعه الملايين في الوطن العربي.لهذا تبدو فكرة مهاجمة المتسابق محمد عساف خارجة عن السياق العام فيما تبدو عليه شوارع غزة من خلو أثناء بث البرنامج، والغريب أن ينشغل بعض خطباء المساجد بالتحريض على ضرورة إسقاط عساف "كضرورة دينية" وكأن نجاح ذلك الشاب الصاعد سيؤخر تحرير فلسطين، ولو كان هناك عقلاء وقرؤوا حركة الشوارع لسارعوا إلى إنقاذ الدين بإبعاده عن تلك المسألة لأن الناس ببساطة اختارت متابعة ودعم ابنهم "المحبوب"، فهي تضع الدين في موقف التضاد مع حركة وعواطف الشارع.لكن المسألة ليست بهذا التسطيح، فمشروع النجم الصاعد هو مشروع ثقافي مضاد لمشروع حركة حماس والتي تسعى بكل السبل لتنميط غزة "أي جعلها على نمطها"، وبالتالي فهي تكافح ضد كل ما هو مختلف عنها وهو ما درجت عليه منذ سيطرتها على القطاع واشتدت الحملة في الفترة الأخيرة سواء من يريد أن يحدد للناس كيف يسرحون شعرهم وآخر يحدد لهم شكل السروال الذي يلبسونه بمعنى أن يكون الفرد في قطاع غزة حتى بالشكل الخارجي مشابهاً للنموذج الذي تتخيله حركة حماس.ليس بعيداً عن ذلك قيام جهاز الأمن الداخلي بقطاع غزة باستدعاء الدكتور إبراهيم أبراش ومراجعته حول بعض آرائه التي تشكل مصدر إزعاج للحكومة منها ما كتبه عن قطر وزيارة القرضاوي لغزة، ويصل الأمر أن يطلب من كاتب كبير أن يكتب مقالاً يتحول فيه إلى ببغاء يردد فيه موقف حركة حماس وحكومتها وتلك تمثل ذروة إسقاط الكاتب، ولكن هذه تشبه القضية الأولى عملية تنميط سياسية طالما أن الحكومة ذهبت باتجاه قطر علينا جميعاً أن نسبح بمحمد حمد وإذا كانت الحكومة وقيادتها تبجل القرضاوي علينا جميعاً أن نصطف طوابير في استقباله ونردد ما يأتي في بيانات الحكومة بالرغم من أن الرجل مختلف عليه في كل الوطن العربي وليس مصدر إجماع، لكن في غزة ليس مسموحاً أن يقول الناس رأياً مختلفاً.إنها أسوأ عملية تنميط بل وأفشلها لمن يراقب مزاج الرأي العام في قطاع غزة، ولكن الحكومة لا تريد أن تتوقف أمام أكثر من مؤشر كان يدعوها لمراجعة هذه العملية ومنها المهرجان الذي أقيم بذكرى انطلاقة "فتح" الخصم اللدود لحركة حماس وتدافع مئات الآلاف ليس حباً في حضور الانطلاقة بقدر ما حمل رسالة احتجاج كبيرة لـ"حماس" على حكمها وسياساتها وإدارتها لقطاع غزة، وتكفي جولة لأي من مسؤولي الحزب الحاكم بقطاع غزة مساء الجمعة ليدرك أيضاً أن حملة التحريض التي شنتها حركة حماس ضد محمد عساف في واد والناس في واد آخر بعيد عن الحركة وموقفها.من حق الحزب الحاكم أن ينظر لمشروعه الثقافي، ولكن ليس من حقه استعمال القوة في ذلك وإذا ما قام باستعمال القوة فهذا يعني قصوراً في فهمه لطبيعة السلطة ويحتاج إلى عملية تثقيف بالدور الذي يلعبه، فالسلطة بمفهومها هي خادمة الشعب وليست حاكمته ورجال السلطة هم خدم وموظفون وليسوا سادة، هم ينفذون رغبات الناس وليس رغباتهم، يحافظون على إرث وهوية وثقافة المجتمع لا أن يستبدلوها بثقافتهم الخاصة، وهي محاولة بالتأكيد فاشلة لمن يقرأ التاريخ، ألم يحاول هتلر وصدام حسين وحركة طالبان والقذافي آخرهم تنميط مجتمعاتهم على أنماط اختاروها هم؟ فما النتيجة ؟ ذهبوا جميعهم وبقيت المجتمعات محافظة على هويتها الأصلية بتعدديتها التي فرضتها ظروف التاريخ والجغرافيا والمناخ والتجارب الشخصية الخاصة التي طبعت هوية كل شخصية أو كل جماعة وميزتها على الجماعات الأخرى.غزة بالذات كانت عصية على التطويع، تلك المنطقة الفقيرة الصغيرة المتمردة والمشاكسة تميزت بالتعدد منذ فجر التاريخ لم تتحول إلى مصرية حين حكمتها مصر ولم تتأسرل حين احتلتها إسرائيل بل قاتلت وقاومت ورفضت أن تكون طيعة للاحتلال، وعاقبت السلطة في الانتخابات حين شعرت أن السلطة لم تحكم كما تريد الناس، لم تكن خادمة بالمفهوم الحقيقي بل سلطة سيدة فأقالتها، والآن يبدو أن حركة حماس فهمت التفويض خطأ، انتخبت لتكون خادمة لا سيدة لتحمي وتصون ثقافة التعدد لا أن تقمع التعدد، تحمي أجهزتها الناس لا أن تصبح مصدر إزعاج وقلق وأداة خوف بالنسبة لهم وللتشكيك برجولتهم وكأن حارس الرجولة هنا وزارة داخلية تشكلت منذ سنوات قليلة ولم تنضج تجربتها بعد، فالناس تحرس رجولتها ولا تنتظر سلطة تقوم بهذا الدور، ففي سنوات الاحتلال سجل الفلسطينيون أساطير في المواقف والرجولة ولم تكن داخلية حركة حماس موجودة.لكن الرجولة لها مفهوم مختلف هنا هو الشكل الظاهر للشخصية النمطية الحمساوية أو كما تتصورها حركة حماس المهتمة كثيراً بالشكل الخارجي وقشور الشخصية. وللسياسة وكتابها مفهوم مختلف لدى حركة حماس هو أن يكتبوا كما تريد وللوطنية أيضاً مفهوم مختلف وهو الاقتراب أكثر من الحزب الحاكم .. هذه حالة غزة وسادتها وهي حالة تشبه الحالة العربية في مفهومها لممارسة الحكم وحتى لا نقسو كثيراً فالاستدعاءات في غزة لا تختلف كثيراً عن الاعتقالات السياسية في الضفة والتي تدق خلالها أجهزة الأمن مع نظيرتها بغزة أجراس الإنذار لتقول إن الأمور تذهب باتجاه مزيد من الدكتاتورية إذا لم يتوقف الأمر هنا وهناك، لكن الفرق بين سلطتي الضفة وغزة هو الفارق بين أنظمة الحكم الوطنية وأنظمة الحكم الإسلامية في المنطقة الأولى تصادر الحريات العامة والثانية تصادر العامة والخاصة. Atallah.akram@hotmail.com