مؤسسات حقوق الانسان ليست مؤسسات سياسية ولا اعلامية ولاتعمل بادوات السياسة ولا بادوات العمل الصحفي، فهي لا تسعى إلى الوصول إلى سلطة او لتنظيم الجماهير وتأطيرها. كما انها لم تسع ولن تسع إلى أي سبق صحفي، فهذا ليس دورها ولن يكون. مهما بدا الحدث او الانتهاك صغيرا او كبيرا في نظرنا، فإن العمل الحقوقي، كفعل باحث عن الحقيقة ومنتصرا للضحية، يقتضي الاستقصاء والتحري وفق التقنيات الصارمة المتبعة والتي تجعل منها ذات مصداقية يلجأ اليها الخصوم والمواطنين في نفس الوقت. إن الصرامة في ذذلك وجب الحفاظ عليه في كل الأحوال لأنها قضية حياة أو موت من الناحية المهنية لتلك المؤسسات، خصوصا في زمن الانقسام السياسي حيث يجري التوظيف السياسي لكل فعل او قول، وهو ما يجعل من تلك المؤسسات تسير على خيط رفيع يزداد حدة يوما بعد يوم. إن مؤسسات حقوق الانسان لن تغير من طريقة عملها مهما كان رأي من يخالفها ومهما كانت الضغوطات التي يعتقد البعض أنه يمارسها عليها بفعل ما يستحوذ من قوة أو نفوذ، ومهما كانت نوعية الخطاب التحريضي لمرتكبه، ممثلا لسلطة أو لجهاز امني اولحزب سياسي أو لنخبة من مثقفين او لقبيلة، نازعا للشرعية عنها او مانحا اياها، وحيثما ارادوا أن يموضعوا تلك المؤسسات، في صف طابور خامس او في طابور أول وما بينهما، أو توصيفا لها بأنها منحازة للحكومة في غزة او لتلك في رام الله، كل ذلك لن يغير من الأمر شيئا، إن مؤسسات حقوق الانسان ليست محايدة ابدا بل هي منحازة، وبشكل كامل، للضحايا مهما كان رأيهم السياسي أو دينهم او لونهم او جنسهم. فهي تعمل وفق ادواتها وليس ادوات احد آخر وهي ليست هراوة في يد احد الخصوم يضرب بها خصمه ولن تكون كذلك. إن ادوات عملها كثيرة من بينها على سبيل المثال لا الحصر، التوجه إلى المحكمة او الالتقاء بممثلين عن الحكومات او بنواب الشعب او من خلال النشر، ومن بين الادوات تلك المتعلقة بمخاطبة الرأي العام من خلال البيان الصحفي على سبيل المثال، وهي اداة من بين عشرات الادوات التي تعمل بها حيث أن النشر ليس مقصودا بذاته، بل قد يكون احد أشكال الضغط المشروعة لوقف انتهااك ما، او نتيجة لإنسداد أفق في تغيير أو نصفة لضحية وبالتالي لابد من مخاطبة الرأي العام به، كما أنه قد يكون احد الادوات لجعل معلومة في متناول المواطنين كحق اصيل لهم في الوصول اليها. إن ما ما تقوم به تلك المؤسسات، ليس وجبة من وجبات الطعام السريعة، بل هو تتويج لجهد وعمل استقصائي ينطوي على مسئولية كبيرة، تستوجب معها مرة أخرى التحقق من المعلومات والادعاءات من مصادرها سواء كانت رسمية او غير ذلك، وهي تنحاز للحقيقة ولقواعد القانون واحكامه، ضاق صدر الحكومة ام اتسع، رضي المواطن أم أصابه الغضب. وللمقاربة، قليلا ما تخاطب تلك المؤسسات الرأي العام في قضية المعتقلين في السجون الاسرائيلية، ولكن هذه القضية تحتل مايزيد نصف جهد وتمويل تلك المؤسسات (التمويل المشبوه)، حيث أن هناك عملا يوميا، قد لايعلمه كثيرون، في الدفاع عن المعتقلين في المحاكم الاسرائيلية وفي مراقبة ظروف اعتقالهم من خلال زيارات السجون الدورية. ومثال آخر هو ما يتعلق بجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي، حيث ان هناك عملا دؤوبا وشاقا تقوم به تلك المؤسسات لاعداد ملفات الضحايا، وفي جزء كبير منه لايمكن الافصاح عنه لما قد ينطوي عليه من ضرر للضحايا أو أخذ الحيطة من قبل المهتمين بارتكاب الجرائم، وهي من تحدد متى وكيف يكون لك وهي من يختار شكل الأدوات المستخدمة ونوعها بما يحقق المصلحة الفضلى للضحية والمجتمع كما تراها وكما هي مؤتمنة عليها بنتسيق مع كثير من مكونات المجتمع. إن ازمات المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية لاتتحملها مؤسسات حقوق الانسان، بل هي مركب من الأسباب والمسئوليات، تستوجب أن يتحمل الجميع مسئولياته، ومن يود ان يكون بطلا فلا يتردد وهو ليس بحاجة إلى إذن من أحد، ومن يود أن يكون بوعزيزي جديد له ذلك أيضا فلا يتردد. ولكن من يسعى إلى ان يكون بطلا وهو مختبيء خلف الآخرين فلا هو ببطل ولا هو حتى ضحية.