وصف الوزير الياهو ساسون، وهو من جيل مؤسسي الدولة والذي أرسلته الى عواصم عربية في مهمات مختلفة، وصف ذات مرة مشكلات الدبلوماسي العادي بقوله: "اذا فعلتَ ولم تُبلغ المسؤولين فقد فعلت برغم أنك لم تفعل". كانت وسائل الاعلام مهمة في الحياة السياسية حتى قبل التلفاز والتويتر والفيس بوك. يسهُل ان نتذكر ساسون وبين أيدينا اعلان سوريا الرسمي بأن جيشها أطلق النار على جيب للجيش الاسرائيلي. هل أطلق النار حقا؟ وماذا أطلق؟ ومتى أطلق؟ وماذا كانت نتائج الاطلاق؟. قد لا يكون شيء حدث لكن بشار الاسد تبنى القاعدة المسلية للوزير الدبلوماسي الاسرائيلي وهي "اذا فعلت لكن لم تُبلغ فقد فعلت". هناك احتمال عال لكون الأمر كذلك. لأنه اذا كانت دمشق قد أمرت حقا جيشها باطلاق النار عمدا على جيب للجيش الاسرائيلي فان ذلك يُفسر بأنه تحدٍ خطير ورهان على أن ترد اسرائيل على الهجوم. وهي الضربة التي قد تسقط ادارة الاسد وإن كان قد رأى في الآونة الاخيرة ايضا عددا من الانجازات في ميدان القتال لكنه ما يزال يقف على دعامة هشة. قد لا يكون الاسد أطلق النار لكنه نال نقاطا في العالم العربي وكأنه فعل، بيد أنه يلعب بالنار. وهو يمتحن القدرة الاسرائيلية على التحمل. لأن كلام بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وبني غانتس يمكن ان يعتبر إنذارا ومجرد إحداث الانطباع (المخطيء؟) أن السوريين أطلقوا النار على الجيش الاسرائيلي يوجب عليهم الرد. إن الطرفين معنيان بالتمتع بجميع العوالم. فقد أطلقوا النار ولم يُهاجوا لأنهم لم يطلقوا؛ فحافظوا بذلك على مستوى الثقة المطلوبة لكل قيادة عند شعبها، وأخلوا بها ايضا بقدر ما كي لا يورطوا أنفسهم بتبادل اطلاق نار حقيقي. هذا وضع لطيف في الدبلوماسية بين حكومتين عدوتين وهو سيّال وهش ويعرف من يوجهه بنجاح ايضا أن المقود قد يُفلت من يده في طرفة عين. إن التدهور الى اشتعال حقيقي على طول جبهة طويلة فيه من عدم الحذر وسوء الحظ وإن لم يكن الطرفان معنيين بذلك بل جُرا الى ذلك. وعلى كل حال يعرف الاسد في قصره أنه يوجد عند القيادة الاسرائيلية العليا اختلاف في الرأي هل من الجيد لدولة اليهود أن تطول ايامه قرب مقود الحكم أم لا. ولا يعلم أحد أي وجهة نظر ستكون المنتصرة في هذا الجدل. لم تغب عن نظره حقيقة واحدة فقط وهي ان اسرائيل لا تلتزم بموقف في الحقيقة ولا تتدخل في الحرب الأهلية الجارية شمالها.