في ظل القلق الذي يخيم على نفوسنا كمثقفين ومواطنين عرب من واقع الإشغال والتهشيم للجيوش العربية، واحداً بعد الآخر، بسبب الثوران والفوضى والحروب الأهلية... جاءتني بلسماً شافياً دعوة من القائد العام للجيش المصري وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، لحضور إجراءات «تفتيش الحرب» للفرقة التاسعة المدرعة يوم السبت الماضي 11 مايو، كان مكان التجمع نادي الرماية للقوات المسلحة بالهرم. هناك وجدت خمسمائة من الفنانين السينمائيين ونجوم القنوات الفضائية والكتاب والصحفيين والنشطاء السياسيين، والجميع ينتمون لقوى المجتمع المدني. لم يكن بيننا أي مدعو من التيارات السياسية الإسلامية، بعد قليل أقلَّتنا السيارات إلى صحراء دهشور حيث معسكر المنطقة المركزية وجلسنا في منصة مرتفعة تطل على الدبابات الأميركية الحديثة وعربات الصواريخ المصطفة في انتظار التفتيش. فهمنا أننا لسنا في حفلة ولكننا ضيوف نمثل الشعب والمدنيين في حضور واحد من أهم الإجراءات التي تسبق الخروج للحرب، وهو التفتيش على جاهزية القوات للخروج إلى ميدان القتال. بالنسبة لنا كانت هذه هي الرسالة الأهم، وكانت تعني أن الجيش المصري بعد أن أنهى مهمته في الساحة الداخلية وعاد إلى ثكناته قد استعاد لياقته القتالية، وما عاد هناك أمر يشغله عن مهمة حماية الحدود وسلامة البلاد. أما الرسالة الثانية فجاءت على لسان الفريق أول السيسي بعد عودتنا من التفتيش إلى المنصة عندما خرج عن نص خطابه المكتوب ليقول: «هناك من يقول إنني أتذلل للشعب وأنا أقول نعم أنا بتذلل للشعب، فهل يمكن أن نتجبر على أهلنا، نحن نتجبر على المجرمين والأعادي فقط». لقد فهمنا أن الرجل يرد على قول أحد زعماء التيار الإسلامي. أما الرسالة الثالثة فكانت للقوى السياسية المدنية والإسلامية على حد سواء، حيث قال: «إنني أطالب جميع المصريين بإيجاد صيغة للتفاهم فيما بينهم، فالجيش نار لا تلعبوا به ولا تلعبوا معه»، ولقد فهمنا أن هذه الرسالة موجهة للقوى السياسية التي تطالب الجيش بالعودة إلى ساحة السياسة الداخلية، ولقد أكد الرجل ما فهمناه وذلك عندما استطرد قائلاً: «مع كل التقدير لكل من يقول للجيش انزل إلى الشارع، لو حصل ده لن نتكلم عن مصر لمدة 30 أو 40 سنة للأمام». وفهمنا أنه يطالب الجميع بعدم زج الجيش في الصراع السياسي الداخلي بين الحكم الإسلامي والمعارضة المدنية. لقد وجه السيسي الجميع إلى ضرورة البحث عن حالة وفاق سياسي عندما قال إنه لا بديل عن التفاهم السياسي والعملية الديمقراطية، وأن الوقوف 10 أو 15 ساعة أمام صناديق الانتخابات أفضل من تدمير البلد، وأكد أن الجيش سيتولى تأمين الانتخابات. أما الرسالة الرابعة فكانت مطالبة القوى السياسية بمعرفة ثقافة الجيش، فالكلمة تخدشه والنار لا تخدشه، وقد قدّم اعتذاراً للضباط والجنود عن الإساءات التي توجهها القوى السياسية أو سبق أن وجهتها للجيش وقيادته. عندما عدنا من معسكر دهشور وجدنا تعليقات متضاربة على رسائل السيسي من القوى السياسية المختلفة. أما أنا فقد فهمت أن الجيش قد عاد إلى لياقته ومهمته الجوهرية وأنه يطالب الجميع بإدارة صراعهم السياسي بالوسائل الديمقراطية وأن يبعدوا أيديهم وألسنتهم عن الجيش. وهو الفهم الذي أراه صحيحاً لرسائل الجيش إلينا.