ولادة متعثرة مر بها التعديل الوزاري الأخير في حكومة الدكتور هشام قنديل بسبب ما وصفته تقارير إعلامية بكثرة الاعتذارات عن عدم تولي الحقائب الوزارية من قبل من عرضت عليهم من الشخصيات العامة والسياسيين، لينتهي التعديل إلى خروج 9 وزراء فقط بعد أن كان رئيس الوزراء قد أعلن أن التغيير سيطول 11 حقيبة وزارية . التشكيل طال حقائب: العدل والبترول والآثار والزراعة والمالية والثقافة والتخطيط والاستثمار ووزارة الدولة للشؤون المجالس النيابية، فيما انتقدت قوى المعارضة التعديل واعتبرته شكلياً، وهاجمت الإبقاء على كل من وزيري الداخلية والإعلام وتجاهل كل ما أثير من جدل حول أدائهما، وكان لافتاً أن الانتقادات لم تتوقف عند فصائل المعارضة، لكنها امتدت ليصفها متحدث إعلامي باسم “حزب الحرية والعدالة” بأنها “لم تستوعب الطموحات المأمولة”، منتقداً في الوقت نفسه الاتهامات التي تطلقها القوى السياسية المعارضة، متهماً إياها برفض المشاركة في التعديل الوزاري وتحمل المسؤولية، فيما قال الدكتور أحمد عارف، المتحدث الرسمي باسم “جماعة الإخوان المسلمين”، إن المحاسبة الحقيقية من الشعب المصري للحكومة الحالية، ستكون على مستوى الأداء وحجم الإنجاز فقط، وذلك لحين انتخاب المجلس النيابي المقبل، وتشكيل حكومة تحظى بالدعم البرلماني، وتخضع للرقابة البرلمانية . متحدثون باسم “جبهة الإنقاذ” التي تضم كتلة المعارضة الرئيسة في مصر وصفوا التعديل الوزاري بأنه “لا يسمن ولا يغني من جوع”، وأنه “استمرار في الغيبوبة التي تعيشها البلاد”، واعتبر عدد منهم أن جماعة الإخوان بهذا التعديل “تقتحم الحكومة تدريجياً”، كما اعتبره البعض الآخر بمنزلة “الفرصة الضائعة” وأن الجماعة والرئاسة “أخفقا في بناء لحظة توافق وطني نسبي وتجاوز حالة الاستقطاب بين الحكم والمعارضة” في إشارة إلى تجاهل كل منهما الرئاسة والجماعة لمطالب القوى الوطنية بإقالة رئيس الوزراء الحالي الدكتور هشام قنديل وتشكيل حكومة “ائتلاف وطني” . الغضب من التعديلات الوزارية امتد من القوى المدنية إلى عدد من حلفاء جماعة الإخوان وبينهم قوى إسلامية وأحزاب مدنية، ووصفت قيادات بحزب الوطن السلفي “التعديلات الوزارية الأخيرة بأنها “مصيبة”، وأنها “لم ترض أحداً ولم تستوعب أحداً ربما أرضت فصيلاً واحداً، وهذا ليس كافياً”، كما علّق عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط “الحليف الأقرب للإخوان” قائلاً إن حزبه اعترض من البداية على تشكيل حكومة قنديل وطالب بتغييرها بالكامل”، وتابع : “إن هناك أسماء تم إبقاؤها من دون تغيير في وقت كان يجب فيه تغييرها، والمشكلة أنه لا يوجد برنامج للحكومة سواء بتشكيلها القديم أو الجديد”، كما وصف الدكتور أيمن نور زعيم “حزب غد الثورة” الذي بدا أقرب لدعم المواقف الرئاسية في الفترة الأخيرة التعديل الوزاري بأنه “مخيب للآمال”، معتبراً أن بقاء هشام قنديل رئيساً للوزراء جعل التعديل “تحصيل حاصل”، ورأى الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، أنه كان يجب تشكيل حكومة ائتلافيه لإشراك جميع القوى السياسية في إدارة البلاد حتى يتحقق الاستقرار . التعديل الوزاري وإعلان حكومة هشام قنديل إجراء تغييرات بين محافظي الأقاليم المصرية يراه مراقبون استمراراً لمحاولات جماعة الإخوان المسلمين ل”التمكين” وإتمام إحكام قبضتها على مفاصل الدولة المصرية، ويدلل هؤلاء على ذلك بأن الجماعة استحوذت في التعديل الأخير على مفاصل “المجموعة الجماهيرية” بالحكومة بعدما أسندت في التعديل الأول حقائب بعينها إلى كوادر وأعضاء بها، وبينها وزارات “التموين” و”التنمية المحلية” و”الإعلام” و”النقل والموصلات” و”الشباب والرياضة”، فيما ركزت في التعديل الثاني لحكومة قنديل على السيطرة على وزارات المجموعة الاقتصادية، وبينها وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي أسندتها إلى الدكتور أحمد دراج عضو المكتب التنفيذي بحزب “الحرية والعدالة” ومسؤول العلاقات الخارجية بالحزب، ووزارة “الاستثمار” التي تولاها يحيى حامد أحد أبرز نشطاء حملة الانتخابات الرئاسية للرئيس الحالي محمد مرسي وأحد مساعدي مرسي في القصر الرئاسي في ما بعد، فضلاً عن إسناد وزارتي “البترول” و”الزراعة” لوزيرين تتحدث تقارير إعلامية عن “ميول إخوانية” لهما، ويعتبر مراقبون أن إسناد 4 حقائب في المجموعة الاقتصادية لوزراء “إخوان” أو “ذوي ميول إخوانية” يكرس التكهنات ببدء مرحلة “التمكين الاقتصادي” لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة أن التغييرات بالحقائب الوزارية تأتي بالتزامن مع التخطيط وبدء التنفيذ لمشروعات اقتصادية مهمة، منها إقرار قانون الصكوك، والبحث عن خريطة مشروعات للتمويل بالأداة المالية الجديدة، بالتوازي مع مشروع محور قناة السويس الذي فجر العديد من علامات الاستفهام خلال الفترة الماضية . ويرى مراقبون أن التعديل في حكومة قنديل أو ما اصطلحت تقارير إعلامية على وصفه ب”الترقيع” لن يؤدي لحل الأزمة السياسية التي تعيشها الدولة المصرية حالياً، لسبب أنه لم يستجب لدعوات جميع القوى السياسية، سواء المحسوبة على جبهة الإنقاذ أو حتى بعض الأطراف المحسوبة على التيارات الإسلامية التي تجمع على مطالب بإقالة حكومة هشام قنديل بكاملها، واختيار رئيس وزراء محايد يمتلك خبرة سياسية واقتصادية وتشكيل حكومة محايدة لإدارة الملفات الداخلية تمهيداً لإجراء انتخابات مجلس النواب، مؤكدين أن التعديل “يستكمل عملية “أخونة” جهاز الدولة المصرية ويضع مزيداً من أعضاء جماعة الإخوان على رأس الوزارات المختلفة، خاصة المؤثرة منها استكمالاً لعملية التمكين خاصة مع قرب إجراء الانتخابات النيابية”، مدللين على ذلك أنه جرى استبعاد وزراء من دون بيان لأسباب هذا الاستبعاد، حتى أنه جرى تغيير وزير الزراعة على الرغم مما روجت له جماعة الإخوان المسلمين من قرب وزارته من تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح . “أخونة” التشريعات جهود ومحاولات “أخونة” الدولة المصرية يراها مراقبون لا تتوقف أو لن تتوقف عند التعديل الوزاري الأخير أو حركة التغييرات في المحافظات وسعي الجماعة إلى السيطرة على محافظات بعينها ترى أن معارضيها فيها أكثر من مؤيديها، وإنما تمتد لعملية متواصلة من محاولات “أخونة التشريعات”، بعد تمكنها من فرض دستور رفضته كل قوى المعارضة في البلاد، ومنذ أسندت سلطة التشريع إلى مجلس “الشورى”، الذي يفترض فيه أنه الغرفة الثانية للبرلمان، إلى حين انتخاب مجلس جديد للنواب، حرصت الجماعة على استصدار أكبر قدر ممكن من التشريعات التي تخدم مشروع تمكين سيطرتها على حكم البلاد، وذلك اعتماداً على أغلبيتها داخل هذا المجلس، الذي يسند الدستور إلى رئيس الدولة مهمة تعيين نحو ثلث نوابه، وظهرت المحاولات الإخوانية واضحة عبر استصدار تشريعات لتنظيم شؤون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية وتشريعات الضرائب والصكوك، وسعيها حالياً إلى استصدار قانون السلطة القضائية، وسط معارضة من القضاة الذين يرون فيه خطراً على استقلال السلطة القضائية وتمهيداً من الجماعة لإبعاد أكثر من ثلاثة آلاف قاض بدعوى تخطيهم سناً للتقاعد حددتها في نصوص القانون بستين عاماً، فيما تجاهل المجلس طرح قوانين تتعلق بمطالب تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين المصريين، في الوقت الذي يستعد فيه نوابه لمناقشة تشريع يتعلق بتنظيم التظاهر وآخر بتنظيم شؤون الجمعيات الأهلية، ويثار العديد من المخاوف بشأن ما يمكن أن تتضمنه نصوص التشريعين الأخيرين من قيود على حق التظاهر وممارسة المؤسسات الأهلية لنشاطها، خاصة تلك المؤسسات المعنية برصد التجاوزات في ملف حقوق الإنسان . اللافت في المشهد المصري حالياً أن جبهة الإنقاذ المعارضة تجاوزت مرحلة توجيه الانتقادات إلى ممارسات السلطة الحاكمة في موقفها من التعديل الحكومي الأخير ومن المحاولات الإخوانية المستمرة لاستصدار تشريعات تعارضها الجبهة، فهي وإن كانت قيادات بأحزابها ألمحت إلى أن تمسك الرئيس مرسي برئيس الحكومة ووزير الداخلية من شأنه أن يلقي بظلال من الشك على حيادية الانتخابات البرلمانية المرتقبة، إلا أنها سارعت إلى الرد على التعديل الوزاري بإعلان اعتزامها مواجهة “الإخوان” في جميع المسارات بالتوازي، سواء كانت سياسية بتفعيل الأجهزة الموازية مثل الإعلان عن تشكيل “حكومة ظل” و”برلمان شعبي”، أو المسار الشعبي بمشاركة جموع الشعب لتأكيد رفضهم لسياسات الجماعة، وآخرها التعديل الوزاري، أو الملاحقات القانونية والدستورية، لكل خطوات وممارسات مؤسسات الدولة التي تحمل مخالفات قانونية أو التي تأتي بضرر عام على جموع الشعب المصري، وهو تطور يراه مراقبون إيجابياً ويصب في اتجاه زيادة شعبية الجبهة وأحزابها في الشارع، خاصة أنه يقدمها لرجل الشارع على أنها تمتلك بدائل حقيقية تتجاوز بيانات الشجب وتصريحات الرفض والاستنكار أو حتى تنظيم التظاهرات الرافضة لممارسات السلطة الحاكمة من دون بديل عملي على الأرض .