خبر : إعلام الكراهية أم إعلام التحريض..بقلم: سمير زقوت

الثلاثاء 14 مايو 2013 12:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
إعلام الكراهية أم إعلام التحريض..بقلم: سمير زقوت



بقلم: سمير زقوتطالعت مقالاً على صحيفة "فلسطين"، يتناول تغطية صحيفة "الحياة" اللندنية للتطورات القانونية والتشريعية في قطاع غزة. دفعتني قراءة المقال وهو تحت عنوان "إعلام الكراهية"، إلى مراجعة السبب والاطلاع على التقرير، الذي أطلق عليه الكاتب اسم (تحقيق منحرف)، وللحقيقة لم أجد ما يشير إلى الانحراف بأي معنى، بل وجدت مهنية طاغية، لأن التحقيق يقتبس فقرات كما هي من مشروع قانون العقوبات بالقراءة الثانية، ويورد آراء نواب في كتلة التغيير والإصلاح من قطاع غزة، فيما منتقد التحقيق نقل نصوص بشكل مغلوط لا أدري سبباً له، وإن كان مقصده إثارة المزيد من التحريض أو أنه مجرد سهو في النقل.والغريب في الأمر أن كاتب المقال يتحدث عن سلوك افتراضي للصحيفة، ويقع هو نفسه في نفس ما انتقده ادعاءً وأقول ادعاء، لأنني من متابعي صحيفة "الحياة" وأعرف مراسلها شخصياً، وقد كان وعائلته من ضحايا الرصاص المصبوب، حيث أصيبت شقته بالفسفور الأبيض الذي استخدمته قوات الاحتلال على نطاق واسع في عدوان الرصاص المصبوب وكانت تغطيته تتجاوز المهني إلى الوطني المدافع عن قضية شعبه.كما أن صحيفة "الحياة" لم تكن تغطيتها كما يصف صاحب المقال، إلا إذا كان الحديث عن صحيفة افتراضية، أما تلك التي يتحدث عنها فكانت تغطيتها مميزة في إظهار جرائم الحرب الإسرائيلية.ولا تقف الغرابة عند قلب الحقائق أو النقل المغلوط، بل تتجاوزه إلى التفتيش في النوايا والحب والكره، خاصة وأن الحديث يدور عن تغطية وعمل صحافي يُفترض أن يُحاكم بناء على المعايير المهنية التي تفرض محاكمة أي عمل صحافي بناء عليه، لا النبش في قلب وروح الصحافي إذا ما كان يحب أو يكره، فهذا لا يعلمه إلا الخالق.فمثلاً أنا أنتقد بشدة حكومة غزة على الأخطاء التي ترتكب في حق المواطنين وعلى تجاوزات القانون، فيما ينبري غيري ممن لا ينتمون لحركة حماس ولا يعملون في حكومتها للدفاع عن كل السلوكيات الخاطئة دفاعاً متنطعاً في كثير من الحالات، وأنا أدعي أن انتقادي ليس حرصاً على المجتمع وحسب، بل وعلى حركة "حماس" التي أرى فيها مكوناً رئيساً من مكونات شعبنا وقوة أساس في مقاومته.وبناء على ما تقدم فلا يمكن لموضوعي يحترم نفسه أن يصنفني في باب الكراهية لحماس وحكومة غزة، من دون معيار نحتكم إليه، وإذا كان معيار صلاح الحكم من عدمه هو القانون ومدى احترامه من قبل الحكومة، فكيف لأحد أن يدعي غير ذلك، وفي المعيار نفسه يجب أن نحاكم سلوك وموقف كل منتقد أو مدافع إن كنا موضوعيين.وعود على بدء، فهذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها قانون العقوبات، فقد سبق طرحه في أواخر عام 2008 قبيل العدوان الإسرائيلي بأيام، وكان لمنظمات حقوق الإنسان لقاء مع عدد من نواب المجلس التشريعي، ولم نجتهد كثيراَ في تبرير مطالبنا في وقف إجراءات سن القانون، لأننا وجدنا من هم يقاسموننا الموقف وإن من منطلقات أخرى نواب أفاضل في المجلس التشريعي، من بينهم من شدد على موقف من منطلقات شرعية يقول بعدم جواز تطبيق الشريعة في فلسطين ليس فقط خلال مرحلة التحرر الوطني بل وحتى بعد التحرير، وأجمع آخرون أن القوانين الفلسطينية السارية لا تتعارض مع الشريعة وهي صالحة لتنظيم العلاقات داخل المجتمع الفلسطيني، وقطعوا وعداً أن مشروع القانون سيسحب ولن يعاد طرحه مرة أخرى. واليوم يُعاد طرح القانون مرة أخرى في دلالة واضحة على أن هناك من يريد لحكومة غزة وحركة "حماس" أن تكون محل انتقاد دائم، وحرف أنظار وسائل الإعلام عن حقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة وجرائم الاحتلال المتواصلة، لاسيما ما يجري من تطهير عرقي في مدينة القدس.والغريب أن الأمور تزداد سوءاً لجهة كم القوانين والقرارات التي تصدر وتُطبق وتشكل مساساً حقيقياً بالحريات العامة والخاصة على نحو يخالف القانون ويشكل مساساً بحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه من شأنه أن يخلق بلابل وقلاقل نحن في غنى عنها ونحن في أمسّ الحاجة الى وحدة الحال التي تجسدت في معركة الكرامة، التي خاضتها المقاومة في العدوان الأخير، حيث شعر كل الشعب بالعزة والكرامة، وبدلاً من البناء على الأجواء التي خلقت وأعادت على نحو غير مسبوق احتضان الشعب بفئاته كافة لنهج المقاومة تعود هذه الممارسات تشتت الشعب وتُشعر فئات واسعة من الشعب بأن قوة المقاومة يمكن أن تُوجه قمعاً للداخل.وعليه، فإنني أرى في كل من يسعى لقمع وتقييد الحريات في المجتمع الفلسطيني، لاسيما في قطاع غزة، بأنه لا يريد خيراً لا بالمجتمع ولا حتى بالمقاومة وعلى رأسها حركة "حماس"، لأن الصحافي عندما ينقل نقلاً أميناً من نص القانون الذي وزع المجلس التشريعي، وغالبية المهتمين يملكون نسخاً منه، لا يجوز لأحد أن يتهمه بالمنحرف، ولو أن هناك إعمالاً لمبدأ سيادة القانون يشعر به الصحافي لرفع دعوى على من يحرض عليه ويشوه تغطيته الإعلامية المهنية، حيث يرد نصاً في التحقيق "المنحرف" (وفقاً لوصف مقال التحريض) "ويحظر تزويج الفتاة في حال قل عمرها عن (15) عاماً، ويعتبر طفلاً من يقل عمره عن عشرة، وليس 18 عاماً كما تعتبره المواثيق والأعراف الدولية" هذا نص يعبر تعبيراً دقيقاً وأميناً عما ورد في قانون العقوبات، وعندما يتحور الحديث ليصبح "وزعمت (أي الحياة) أن المجلس التشريعي يناقش مشروع قانون معدل من ٢٠٠١ لتطبيق الحدود وقطع يد السارق وجلد الزانية وتزويج الفتاة في سن العاشرة؟ وأغفلت العقل والتحري والبحث."وللأسف الشديد أجد هناك نقلاً غير أميناً من قبل كاتب المقال لما ورد في التحقيق الصحافي، كما أنني لم أفهم من كاتب مقال التحريض استخدامه كلمة "زعمت" هل المقصود التشكيك في أصل المعلومة؟ وهذا أمر خطير لأنه ينم عن عدم التحقق قبل الخوض في الرد، لكنه ليس مستغرباً لأنه عندما جرى نقاش مسوّدة القانون في عام 2008 اكتشفنا أن عدداً كبيراً من نواب المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح لم يسمعوا بالقانون قبل أن تثور الضجة حوله.وعليه مرة أخرى، ولن نمل من دعوة الحريصين على حركة "حماس"، الذين هم حريصون بالضرورة على وحدة الشعب بأطيافه كافة في مواجهة الاحتلال والبحث عن كل ما يُوحد والبعد عن ما يفرق، لاسيما وأننا في مجتمع محافظ، فحتى المسيحي الفلسطيني هو يفاخر بهويته العربية الإسلامية فحافظوا على هذه الوحدة التي صمدت على مدى 65 عاماً في وجه احتلال عنصري مجرم، فلماذا نضعف أنفسنا بأنفسنا؟ ولماذا لا ننظر للمنتقد - حتى من نشك في دوافعه - على أنه يضيئ على المثالب والأخطاء التي يجب أن تُصحح؟ وبدلاً من التحريض على مناضلين لهم تاريخ ومهنيين في عملهم، فلنحقق في موضوع النقد ونسعى إلى الارتقاء في الأداء وتوجيه طاقتنا للتخفيف من معاناة أبناء شعبنا والاهتمام بسياسات تكافح البطالة والفقر وتعزز الأمن الإنساني، بدلاً من ملاحقة شبان يافعين على قصة شعر أو شكل البنطلون، والاهتمام بسن قوانين لا حاجة لها وليس أوانها ولا يمكن تطبيقها حتى بالفهم الشرعي، وأنا هنا أنقل عن مشايخ في حركة حماس.لماذا لا تندفعوا لتعزيز الحرية، بعدما أصبحت القيود تحرم أي فلسطيني من السفر عبر معبر بيت حانون من دون الحصول على موافقة وزارة الداخلية خلافاً للقانون، وكأن الأصل هو الحرمان من الحق والاستثناء هو السماح، هل هذه سياسات تعزز من كرامة الفلسطينيين، هل تشعرهم بأنهم أحرار، وهل يمكن لأحد أن يستنكر على الناس الاحتجاج أو على الصحافة - التي هي ناقل الحقيقة - أن تنقل هذه الحقائق التي تسيئ للحكومة وللحركة؟ ومن الذي يجب أن يُسئل ويحاسب أهو المنتقد أم المدافع عن أخطاء تشير الوقائع كل يوم أنها تهدد مستقبل أي حزب مهما بلغت قوته.كفوا عن التحريض والتعامي عن الحقائق ولي عنقها، كفوا عن التعامل مع الشعب الذي نفاخر بصموده صباح مساء على أنه قطيع من الماشية، ولتتوقف الأقلام التي تشوه وتحرض على نحو يجافي الحقيقة، ومن ينتقد إعلاماً يصفه "بالكراهية" عسفاً لا يجوز أن يكون محرضاً من دون سند.