بيروت / سما / تنتشر مئات اللقطات المصورة في سوريا عن تقطيع الرؤوس والأعضاء وخلع القلوب والأكباد، يتبادلها طرفا النزاع وكأنها بطاقات للاستعراض والتهويل، وليس الخاسر إلا الضمير الإنساني الذي يتبلّد يومًا بعد يوم. انتشر في الآونة الأخيرة شريط فيديو مصور من ضمن عشرات الافلام التي توثق مجريات الحرب في سوريا، يظهر فيه مقاتل يقف فوق جثة جندي سوري. وهذا الفيديو، الذي هربه مقاتل سوري من حمص إلى لبنان وحصلت عليه صحيفة تايم، يثير الصدمة لأكثر من سبب، إذ يظهر قائد إحدى الكتائب المقاتلة ضد الرئيس السوري بشار الأسد ويدعى خالد حمد، الملقب بأبو صخر، منحنيًا فوق جثة الجندي وبيده سكين. مزق أبو صخر ملابس الجندي وبدأ يقطع في جسده وصولًا إلى قلبه فأخرجه، ثم قطع كبده قبل أن يتوجه إلى الكاميرا قائلًا: "أقسم اننا سنأكل من قلوبكم وأكبادكم، يا كلاب بشار"، وسط هتافات التكبير، ثم يحمل الأعضاء المضرجة بالدماء يقتطع منها جزءًا بأسنانه. وحشية الحرب السورية يوثق هذا الفيديو جنون الحرب المستعرة في سوريا، ويحمل تأويلات عدة من أطراف المعركة، كل منها وفق خلفيات ومآرب خاصة. المعارضة تقول إن هذه الأشرطة ملفقة ومعدة من قبل النظام لتشويه صورة الثوار، ودعم نظرية النظام التي تقول إن المعارضة هي مجموعات إرهابية تنفذ مؤامرة تعدها دول أجنبية. أما الحكومة فتقول إن الأشرطة صحيحة، وتوثق إجرام المقاتلين الذين يقتلون أبناء سوريا بذريعة الحرية والديمقراطية. عندما شاهد مراسلو تايم الفيديو للمرة الاولى في نيسان (أبريل) الماضي بحضور عدد من مقاتلي أبو صخر، بمن فيهم شقيقه، قال الجميع إن الفيديو حقيقي وغير ملفق. ومنذ ذلك الحين تحاول الصحيفة التأكد من أن الفيديو لم يتم التلاعب به رقميًا، لكنها لم تتمكن من التحقق من نزاهته حتى الآن. لم يؤكد أبو صخر أو ينفي ما إذا كان هو الرجل الذي يظهر في الفيديو، لأنه في الوقت الحاضر يقاتل على الخطوط الامامية في سوريا. وخرج الفيديو إلى العلن في 12 أيار (مايو) بعد أن حملته إحدى المجموعات المؤيدة للنظام على موقع يوتيوب، ويستخدم حاليًا كدعاية من جانب أنصار النظام، لا سيما وقد نشره 1115 شخصًا على فايسبوك وشوهد اكثر من 46 الف مرة. وفي ثلاثين ثانية، يقدم الفيديو لمحة عن الوحشية التي وصلت اليها الحرب في سوريا، كما يقدم مثالًا على الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في تغذية ونشر هذه الوحشية. سلوك مرفوض العنف هو الوصف الأكثر بداهة لجميع الحروب، لكن في سوريا التي قتل فيها أكثر من 70 ألف مدني في الصراع، منذ أن بدأت الاحتجاجات المستوحاة من الربيع العربي قبل أكثر من سنتين، فقد بلغت الوحشية أبعادًا لا يحتملها عقل ولا ضمير. يبدو أن المقاتلين على ضفتي الصراع يرتكبون جرائم حرب - بصورة جزئية على الاقل - وفقًا للأشرطة التي تنشر على الانترنت باستخدام الهواتف المجهزة بكاميرات فيديو وانتشار وسائل الاعلام الاجتماعي، لتنتج مزيجًا من الدعاية والتخويف والاستعراض في الوقت ذاته. يثير مثل هذه الأشرطة أسئلة محيرة: كيف يمكن للدول التي ترغب في دعم المعارضين السوريين أن تتأكد من أنها لا تدعم المقاتلين الذين يرتكبون جرائم حرب؟ تركيا والسعودية وقطر توفر بالفعل المعونة العسكرية لقوات الثوار، فيما تقدم الولايات المتحدة مساعدات غير عسكرية. ويستمر النقاش في واشنطن حول ما إذا كان على الحكومة الأميركية أن توفر للثوار مزيدًا من المساعدة بما فيها الاسلحة. قال بيتر بوكارت، مدير الحالات الطارئة في هيومان رايتس ووتش: "قد يكون مضغ كبد العدو مثالًا صارخًا على العمل الوحشي الذي تغذيه مشاعر الغضب وجنون الحرب، لكن هناك أدلة كافية توثق عمليات القتل العشوائي والتعذيب والانتهاك من جانب الثوار، بحيث يكاد يستحيل على وجه التحديد معرفة المقاتل الجيد من المقاتل السيىء". أضاف: "في الوقت الذي تشارك فيه جماعات مختلفة في القتال ضد الأسد، يصعب التحقق من مصير الاسلحة التي ترسلها الدول، وهناك احتمال واسع أن تقع بعضها في أيدي أمثال أبو صقر". ويقول العميد سليم ادريس، رئيس المجلس العسكري السوري الذي يشرف على نحو 90 في المئة من مجموعات الثوار، إن هذا العنف مرفوض، "وأي جندي تحت قيادة المجلس سيتحمل مسؤولية هذه الاعمال". وأضاف: "هذا النوع من السلوك وأعمال قطع الجثث غير مسموح به، وإذا ثبت أن هناك مقاتلين من الجيش السوري الحر يقومون بأي عمل ينتهك حقوق الانسان أو القانون الدولي، سيحاكمون أمام القضاء". التكنولوجيا والوحش وبالرغم من أنه لم يشاهد الفيديو، يشكك ادريس في قيمته كدليل، مشيرًا إلى إمكان التلاعب بمحتوياته رقميًا. وانتقد الصحافيين الغربيين الذين يركزون على انتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها الثوار، "في الوقت الذي يقوم فيه النظام بذبح النساء والاطفال بالسكاكين، فأين القانون الدولي عندما يتعلق الامر بـ 200 ألف شهيد وملايين اللاجئين؟". الفيديو الذي يظهر فيه أبو صقر دليل على التداعيات السلبية لتوأمة الوحشية مع التكنولوجيا على جبهات القتال السورية، فالمقاتلون في الجهتين يقومون بتصوير أعمالهم وتبادلها، ويتنافسون في المزايدة الرهيبة. ويقول رامي عبد الرحمن، من المرصد السوري لحقوق الانسان في المملكة المتحدة: "هذا التبادل في المغانم الوحشية للحرب، والتي يتم تصويرها ونقلها من هاتف إلى آخر، تؤدي إلى بلادة في الاحساس الانساني". وأضاف: "لديّ المئات من شرائط الفيديو التي وصلتني من الجانبين، يعمدون فيها إلى قطع الأطراف والرؤوس والقلوب والاكباد والآذان وغيرها، وهذا عمل غير طبيعي، فما يجري غير انساني". يعتبر التأييد البارز لهذه الحالات، أو على الأقل لتوثيقها، مؤشرًا على أن الصراع السوري يسير في نفق مظلم ويزداد سوءًا. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فليس أمامه خيارات. التدخل الغربي بالنيابة عن الثوار يمكن أن يزيد التوتر الطائفي سوءًا، كما أن وجود جنود أجانب على أرض المعركة قد يثير ردًا من الدول المؤيدة للنظام ويشعل حربًا اقليمية أوسع. الثابت وسط كل هذه التكهنات هو استمرار أعمال العنف المسعورة التي يغذيها جنون الحرب وتنشرها وسائل التكنولوجيا.