خبر : الماليزيون... ورفض خرافة «الربيع» ...د. عبد الله المدني

الإثنين 13 مايو 2013 02:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
الماليزيون... ورفض خرافة «الربيع» ...د. عبد الله المدني



مع ظهور ما أطلق عليه "ثورات الربيع العربي"، ووصول صداه إلى الشارع الماليزي، توهم زعيم المعارضة الماليزية "أنور إبراهيم" ورفاقه الموزعون ما بين تيارات إسلامية متشددة وأخرى معتدلة، وجماعات عرقية صينية وهندية تحت مظلة الميثاق الشعبي (باكاتان راقيات) أن بإمكانهم استنساخ ما جرى في الشرق الأوسط من أجل تحقيق فوز كاسح في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً، وبالتالي الإطاحة للمرة الأولى بحكومة ائتلاف "باريسان ناسيونال"، بقيادة المنظمة الوطنية المتحدة لشعب الملايو المعروفة اختصاراً باسم "أومنو"، والتي ظلت تحكم البلاد دون انقطاع منذ استقلالها عن بريطانيا في 1957 . ومن أجل هذا الهدف، لجأ إبراهيم ورفاقه إلى مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بادئين بالاحتجاجات والمظاهرات والاصطدام مع قوات الأمن، فالدعايات التحريضية ضد الحكومة ورئيسها، ثم الانتقال إلى إثارة موضوع محاباة الائتلاف الحاكم لإثنية الملايو فقط دون سائر الإثنيات، فإلى التركيز بكثافة على ادعاءات تقول بتورط رئيس الحكومة "نجيب رزاق"(59 عاماً) في صفقات مشبوهة بقيمة مليار يورو مع مجموعة "تاليس" الفرنسية حول شراء غواصات "سكوربين". وحينما لم تنفع هذه المحاولات، راحوا يتهمون الحكومة بأنها أضاعت هيبة الدولة الماليزية بعدم تحركها في الوقت المناسب ضد الجماعات المتسللة من الفلبين إلى ولايتي صباح وسرواك الماليزيتين بهدف استعادة مملكة غابرة كانت لهم في تلك الأراضي. إلى ذلك، لجأت المعارضة إلى شحذ أصوات النخب المتعلمة من الطبقة الوسطى والتعويل عليها في الانتخابات عبر القول بأن الزمن تغير، وبالتالي لابد من التغيير كما هو حادث في الشرق الأوسط، وأن التغيير القادم سيصب في مصلحتها، مشيرة إلى عدم اكتراث الحكومة بالطبقة الوسطى، مقابل تركيز جهودها على الطبقات الريفية الفقيرة من تلك التي يسهل إقناعها وشراء أصواتها كما قيل. وبالتزامن مع هذه الأساليب، التي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن إبراهيم لا تهمه مصلحة ماليزيا وبقائها كواحة آمنة مستقرة ومزدهرة، بقدر ما يهمه الوصول إلى كرسي الحكم بأي ثمن لتنفيذ أجنداته الخاصة، والانتقام لكرامته التي أهدرت على يد زعيم "أومنو" ورئيس الوزراء الأسبق "مهاتير محمد"، قامت المعارضة بحملة مكثفة في أوساط السكان الأصليين لولايتي صباح وسرواك (خصوصاً وأن هاتين الولايتين معا ممثلتان في البرلمان بـ 56 مقعداً)، وذلك بهدف توغير صدور هؤلاء المعروفين باسم "كادازان دوسون" على الحكومة، عبر الادعاء بأن الأخيرة شجعت على تغيير التركيبة العرقية والدينية لسكان الولايتين عن طريق أسلمتها بالسماح لمئات الآلاف من الفلبينيين والإندونيسيين المسلمين باستيطانها، الأمر الذي انخفضت معه نسبة الـ"كادازان دوسون" في عام 2010 إلى 18 بالمئة من بعد أن كانت 32 بالمئة في 1960، وارتفعت نسبة المسلمين إلى 65 بالمئة من بعد أن كانت نسبتهم في 1960 لا تتجاوز الـ 38 بالمئة. هذا ناهيك عن قيام المعارضة باستخدام وسيلة تحريض أخرى ضد الحكومة في أوساط سكان صباح (أكثر الولايات الماليزية فقراً) وسرواك (أكثر الولايات التي سلبت أراضيها لإقامة المشروعات المشتركة مع الشركات الأجنبية)، وهي تذكيرهم بأنهم لا يستفيدون سوى النذر اليسير مما تختزنه باطن أرضهم من خيرات نفطية، فيما المستفيد الأكبر هو الطبقة الحاكمة وشركاؤها في "البزنس". على أن كل هذه المحاولات والأساليب التي استخدمتها المعارضة وعولت عليها لم تجد نفعاً. صحيح أن الائتلاف الحاكم ضمن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة القادمة بفوزه بـ 133 مقعداً في البرلمان المؤلف من 222 مقعداً، من بعد أن كان يسيطر في البرلمان السابق على 135 مقعداً، (أي أنه خسر مقعدين فقط). لكن هذه الخسارة لا توازي الصدمة التي تلقتها المعارضة، التي كانت تُمني نفسها بالفوز بـ 98 مقعداً مقابل 85 مقعداً للحزب الحاكم، أي بزيادة 23 مقعداً عما كان لها في البرلمان المنتهية ولايته وهو 75 مقعداً، فلم تستطع زيادة حصتها البرلمانية إلا بسبعة مقاعد فقط. ولم تتوقف خسارة إبراهيم وأعوانه عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى خسارتهم لحكم إحدى الولايات الأربع، من أصل الولايات الـ 13 التي يتشكل منها الاتحاد الماليزي، والتي فازوا بحكمها في الانتخابات التشريعية التي جرت في 2008 . لقد توهم إبراهيم وأنصاره في "باكاتان راقيات" أن ما حققوه من انتصارات في انتخابات 2008 قابلة للتضاعف هذه المرة، وقد اجتاحت العالم العربي وأماكن أخرى موجات الاحتجاجات الشارعية المطالبة بالتغيير. لكنه نسي أن ما حدث في دول ما يـسمى بـ "الربيع العربي" كمصر وتونس وليبيا واليمن غير قابل للتكرار في الحالة الماليزية لأسباب وعوامل كثيرة لعل أبرزها، أن النظام الماليزي- رغم كل ما عليه من ملاحظات- لم يكن يوماً ما نظاماً قمعياً مستبداً مهدراً لكرامة مواطنيه، بل كان على العكس. فهو من قاد البلاد من دولة متخلفة بائسة لا تنتج سوى المطاط والفحم، ولا ذكر لها على الخريطة الدولية والإقليمية إلى نمر آسيوي مهاب وأكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا. وهو من حقق للماليزيين ما ينعمون به اليوم من رخاء وازدهار واستقرار ومستويات معيشية يحسدها عليهم الجيران. ثم إن إبراهيم وأتباعه نسوا (أو تناسوا) أن السواد الأعظم من مواطنيهم ليسوا مثل شعوب "الربيع العربي" التي استسلمت لعاطفة اللحظة، وكابرت دون تفكير، وانطلت عليها الشعارات البراقة، فألقت بنفسها في أحضان المجهول، لتندم لاحقاً وتترحم على عهد كان فيه- على الأقل- يعيش في أمن وطمأنينة وستر، ولا يرى فيه هياكل ومؤسسات الدولة تتداعى على أيدي الميليشيات والرعاع، والانفلات الأمني يتفاقم، ورأس النظام خاضع لمرجعية دينية أعلى ويكرر ارتكاب الأخطاء السياسية الفادحة، وحرياته وحقوقه الأصيلة تتراجع يوما بعد يوم. لقد كان الماليزيون أكثر ذكاء فانحازوا إلى خيار الاستقرار والرخاء والاستمرارية، وألقوا بـ "الربيع" وما قد يأتي به من مجهول في سلة النفايات، بعد أن سمعوا بنتائجه الكارثية في العالم العربي. وليقل إبراهيم بعد ذلك ما يشاء حول تزوير الإرادة الشعبية كحال كل من يفشل في تحقيق الفوز الذي وعد به أنصاره، فلا يجد سوى إطلاق الاتهامات يميناً ويساراً. باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين