خبر : الربيع" والعزل السياسي ...أمجد عرار

الإثنين 13 مايو 2013 02:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
الربيع" والعزل السياسي ...أمجد عرار



يبدو أن الظاهرة المسماة قصراً واستيراداً ب “الربيع العربي” نسخت من تجربة “الربيع الأمريكي” في العراق وقانون العزل السياسي الذي أخذ في بلاد الرافدين مسمى “اجتثاث البعث” . في ليبيا مثلاً، المؤتمر العام أقر قانون العزل السياسي بتأثير ابتزازي من مجموعات مسلّحة حاصرت وزارات إلى أن تحقّق طلبها، وها هي تحاصر وزارات أخرى لتحقيق مطالب أخرى، وهذا أسلوب جديد فرضته “ديمقراطية غابة البنادق” . القانون الجديد، كما وصفه أحد السياسيين الليبيين يعزل نصف مليون ليبي عن العمل السياسي، فيما أوضح سياسي آخر أن كل من عمل تحت ظلال النظام السابق لن يحق له تبوؤ أي وظيفة في العهد “الجديد”، سواء أحسن أم أساء . من أين جيء بهذه الوصفة “الديمقراطية جداً”؟ ربما يبقى هذا لغزاً ممتداً من “ربيع” العراق إلى ما شاء الله .   في تونس ظهر منذ اليوم الأول بعد رحيل ابن علي منهج “العزل السياسي” في إطار “الديمقراطية” الجديدة في بلد أخضر من يومه قبل “الربيع”، وقد بدأت هذه “الديمقراطية” تزهر قواعد لإرهابيين يسيطرون على جبال في جنوب البلاد، وبؤر وسط الناس، والمجتمع الذي كان يضاهي المجتمعات الاسكندنافية في مدنيته، يتّجه نحو العسكرة . أما مصر، فقد منع العزل السياسي رموزاً من الترشّح للانتخابات الرئاسية، وسمح لآخرين من أصحاب نفس المعايير بخوض المنافسة، وفي الوقت نفسه أزيح بعض حيتان المال الذين تضخّموا في ظل النظام السابق، وظهر حيتان مال جدد بهوية أيديولوجية هذه المرّة تحمل لون “الربيع” .   لا يقول لنا قادة هذا “الربيع” بمن استعانوا ليفتي لهم قانونياً بالعزل السياسي، فالغرب الذي رعاهم وكبروا في أحضانه وانتصروا بتواطؤه أو قذائفه، ليست هناك أي من دوله تعتمد قانوناً للعزل السياسي الذي يعاقب عباد الله بالجملة . وإذا كانوا اتبعوا منهج “الاجتثاث” في العراق، فإنهم لم يقيّموا التجربة تلك ومدى انسجامها مع الديمقراطية التي يدّعون . لم تفض تجربة “الاجتثاث” في العراق سوى إلى تعزيز منهج المحاصصة الطائفية بشكله الأسوأ، ولم يجد ترجماته إلا عبر الكيدية وإقصاء الخصوم السياسيين .   قوانين العزل السياسي على النحو الذي اتبع حتى الآن تنم عن عدم ثقة السياسيين الجدد بأنفسهم وبطريقة “المظلة” التي أنزلتهم للسلطة، بمعزل عن كم التضليل المغلّف بهالات الإعلام الوظيفي . من يثق بالشعب يمنحه حق التمييز بين الغث والسمين، فالناس هم الذين عايشوا كل مسؤول وموظّف في موقعه، وليس القادمون من وراء البحار على دبابة أمريكية أو عبر صفقة سياسية . ولا يعقل أن يمنع إنسان من تبوؤ منصب أو وظيفة لمجرد أنه عمل موظف بريد في الدولة إبان حكم القذافي أو ابن علي أو أي كان . هذا ظلم وتعسّف ولا علاقة له بالديمقراطية .   نتذكّر أنه بعد فشل المحاولة الانقلابية على ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي عام ،1991 لم يصمد قانون حظر الحزب الشيوعي سوى بضعة أسابيع، وفي أول انتخابات برلمانية حصل الحزب على أكبر كتلة في “الدوما”، وكاد مرشح الحزب، زيوغانوف، يفوز بالرئاسة لولا تفاصيل لا مجال للتطرق إليها هنا . حتى قادة الانقلاب لم يستمروا قيد الاعتقال بل صدر عفو عنهم بعد ثلاث سنوات، ربما بالنظر إلى دوافعهم الوطنية التي دفعتهم لإنقاذ البلاد من مسار التفكك الذي كانت تسير فيه . ولو أقر الروس قانوناً للعزل السياسي، لكان فلاديمير بوتين الآن أحد أبطال الألعاب الأولمبية في الجودو، وليس رئيساً .