خبر : خريف الانقسامات ...أمين محمد أمين

الإثنين 13 مايو 2013 02:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
خريف الانقسامات  ...أمين محمد أمين



دعاوي الانقسام القادمة ماثلة أمام الجميع وتهدد مستقبل المنطقة علي الرغم من فشل ثورات دول ما سمي ب"الربيع العربي" في تحقيق أهداف الغالبية من أبناء شعوبها لحياة أفضل مما كانت تعيشه علي مدي سنوات حكامها الديكتاتوريين الذين نجحت الثورات في إسقاطهم ولكن بكل أسف سرقت قيادات التيارات الدينية المتشددة ثورات الشباب وغالبية المواطنين اعتمادا علي مؤامرات داخلية وخارجية لتحقيق الهدف الأكبر من أجل إشعال الحرب الطائفية في المنطقة ، أعداء وإرهابيي الأمس والذين تحولوا مع انتفاضات الربيع العربي إلي أصدقاء وحلفاء لحين تحقيق الهدف، بل الأهداف المتتالية لتحقيق مصالح الدول الكبرى وتصب جميعها لصالح إسرائيل الحليف الأكبر من خلال التركيز علي إثارة الخلافات التاريخية العرقية والمذهبية والدينية والعرقية بين أبناء الوطن الواحد من أجل تمزيقه وتقسيمه إلي دويلات متنازعة لا تساعد علي الاستقرار بل تدعم الفرقة وتمهد للشرق الأوسط الكبير الذي تنصهر فيه الأمة العربية من المحيط للخليج. في الوقت نفسه تشهد المنطقة صراعات وانقسامات قادمة بدأت مع بث الغرب لشعارات حقوق الأقليات والتي تحولت إلي صراعات من نوع جديد تشهدها المنطقة منذ التسعينيات ومستمرة وتتصاعد فاعليتها من أجل انقسام مساحات من الأراضي العربية ومن دول الجوار لإحياء القومية الكردية في المشرق والقومية الامازيغية في المغرب ليتنازع أراضي الوطن العربي ثلاث قوميات وأوطان تزيده انقساما وفرقة وتمزق ورغم توالي وتتابع فصول المأساة يوميا إلا إننا جميعا نعيش مرحلة الصمت والمبالاة إلي أن تحدث الواقعة تلو الأخري للبكاء علي اللبن المسكوب ولعل الإطماع الصهيونية في الأراضي الفلسطينية والعربية خير شاهد منذ هرتزل إلي الآن. المتابع لتطورات المجازر اليومية التي يشنها النظام السوري علي شعبه وتهديده باستخدام أسلحة كيماوية أعطت الفرصة لإسرائيل للهجمات الخاطفة علي مواقعه العسكرية المشتبه فيها ليتواصل السيناريو من أجل عرقنة الأزمة السورية وتكرار مأساة الغزو الأمريكي للعراق " الذي لم يستقر بعد "علي ما تبقي من سوريا بشار الأسد . وسط الأحداث المأساوية في بلاد الرافدين تبرز من جديد فرصة الأكراد التاريخية في إقامة وطن قومي لهم والتي تجددت أخيرا بالإعلان عن توقف القتال بين حزب العمال الكردستاني وتركيا التي ترعي أكراد سوريا وتنامي الدور الذي يلعبه أكراد العراق بعد حصولهم علي الحكم الذاتي ورئاستهم لدولة العراق العربية .  المتابع للمشهد الكردي القادم في المنطقة يجد أن جذوره تعود لما بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وإعادة القوي الاستعمارية الأوروبية ترسيم حدود المنطقة وحرمان الأكراد المقيمين بالمناطق الحدودية في" العراق وإيران وسوريا وتركيا" من التجمع وإقامة وطن قومي لهم خصوصا وأن مطالب الأكراد في تلك الفترة كانت ضعيفة مثل مطالب غالبية الأقليات في جميع دول العالم وليس في الوطن العربي فقط. ما يسعى إليه الأكراد اليوم بالدعم الأمريكي هو إقامة وطن قومي لهم يضم أكثر من 35 مليون كردي منهم 20 مليون نسمة يقيمون بشرق تركيا ويمثلون في البرلمان الكردي بـ20 نائبا من حزب السلام والديمقراطية والمقرب من حزب العمال الكردستاني الذي يقود زعيمه عبد الله أوجلان من سجنه المفاوضات مع الحكومة التركية من أجل انهاء الصراع المسلح المستمر منذ سنوات. وفي كردستان العراق يعيش أكثر من 5 ملايين في كيان سياسي فيدرالي يقر الدستور العراقي باستقلاله الذاتي من خلال سيطرة حزبان " الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني القوي " إلي جانب (حزب الاتحاد الوطني الكردي برئاسة جلال طلباني رئيس العراق المريض) . وفي سوريا لا يزيد أعداد أكرادها عن مليون نسمة يقيمون بالمناطق الحدودية في الشمال الشرقي ويقودهم حزب الاتحاد الديمقراطي المقرب من حزب العمال الكردستاني .  وفي إيران أكثر من 8 ملايين كردي يعارضون حك الملالي من الحكام الجدد والنضال من أجل الاستقلال الإقليمي والخروج من الدولة الدينية إلي العلمانية وارتباطه بحزب العمال الكردستاني والقيام بعمليات مسلحة من خلال حزب الحياة الحرة في كردستان . المتابع للمسيرة الكردية يجد أن الزمن الحديث منذ بداية التسعينيات صنع فرصتهم التاريخية وبعد مراحل الصراع الدموي والكر والفر مع النظام البعثي العراقي بقيادة صدام حسين لتتصاعد الانتفاضة الكردية في أعقاب الغزو العراقي للكويت والذي كان أيضا بداية انفراط العقد العربي وكانت الفرصة التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية لفرض حظر جوي علي الطيران العراقي فوق المنطقة الكردية ويحظى الأكراد بالحماية الأمريكية والحكم الذاتي، ومع سقوط صدام تحركت القوات المقاتلة الكردية من البشمركة والاستيلاء علي كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي لتزيد من قوة الأكراد وهو ما ساعد علي تحرك أكراد دول الجوار خاصة مع تولي جلال طلباني رئاسة العراق وهوشيار زيباري حقيبة الخارجية وبابكر زيباري رئاسة هيئة الأركان ولكن مع تصاعد الخلافات بين رئيس الوزراء نور المالكي وحكومة كردستان مؤخرا ومن المنتظر أن تشهد الأيام القادمة تطورات كبيرة علي الساحة العراقية والكردية خاصة في المناطق الخلافية النفطية بكركوك وغيرها والأهم هو أن ما حدث ويحدث بالمناطق الكردية بالعراق كان من العوامل الحاسمة التي ساعدت علي نجاح المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية وإعلان زعيمه عبد الله أوجلان من سجنه يوم عيد رأس السنة الكردية في 21 مارس الماضي نهاية الكفاح المسلح الكردي مع تركيا وبدء المفاوضات التي من المنتظر أن تخطو خطوات أكراد العراق في الحصول علي الحكم الذاتي تمهيدا للانفصال لبدء إنشاء دولة القومية الكردية القائمة علي استقطاع أراض عربية من العراق وسوريا إلي جانب أراضي من تركيا وإيران وهو ما يتواكب مع مخططات الدول الكبرى في المنطقة لتقسيمها إلي دويلات وقوميات عرقية كردية وغيرها . وإذا كانت القومية الكردية تشكل أحد هواجس الانقسامات القادمة في المشرق إلا أن المغرب العربي شهد ويشهد منذ سنوات صراع بين شعوبه العربية الذين يعتبرهم البربر الأمازيغ من الغزاة للقارة السوداء إفريقيا خاصة في دولها الشمالية والتي يمثل الأمازيغ أحد مكونات شعوبها ويمتد وجودهم في مناطق القبائل من واحة سيوة بمصر إلي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتمتد إلي مالي والنيجر ومع تعدد الاجتهادات حول أصولهم الأوروبية أو الآسيوية إلا أن عالم الاجتماعيات بن خلدون أرجعهم إلي حام بن نوح وابنه أمازيغ الذي يعني اسمه في اللغة الأمازيغية الرجل الحر النبيل ولثقافتهم العديد من الموروثات الخاصة بهم تم توارثها عبر الأجيال في الطراز المعماري الخاص والزخارف والوشم إلي جانب طابعهم الخاص في الرقص والغناء ومن أشهر فنانيهم الشاب خالد وغيره من فناني مناطق القبائل بالجزائر ورغم الصراعات العلانية والخفية بين الأمازيغ من سكانها ومطالباتهم بحقوقهم في الحكم الذاتي للمناطق التي يقيمون بها تمهيدا للانفصال وتكوين القومية الأمازيغية علي الرغم من دورهم في التاريخ الإسلامي، حيث شكلوا الغالبية في القوات التي قادها طارق بن زياد في الفتح الإسلامي للأندلس ويستمر دورهم البطولي في مقاومة الاستعمار الفرنسي رافضين محاولات المستعمر فصلهم عن العرب من أجل إضعاف المقاومة الوطنية انطلاقا من المبدأ الاستعماري القديم فرق تسد وتتجسد أجمل مظاهر الوحدة الوطنية بين العرب والامازيغ إلي أن رحل أخر جندي مستعمر من المنطقة ولكن مع ظهور موجات التطرف والإرهاب في الجزائر وغيرها تصاعدت حدة المطالب للدفاع عن حقوق الاعتراف الرسمي باللغة الامازيغية وتدريسها وإبراز ثقافتها وذلك من خلال الحركة الامازيغية والتي تحولت أخيرا من المطالب الثقافية الي السياسية والتي أدت الي الاعتراف المغربي باللغة الامازيغية في دستور2011 إلي جانب تدريس اللغة وإبراز الدور التاريخي والثقافي ودور قادتهم في التراث الإنساني ومن بينهم القديس أوغسطين الذي لعب دورا كبيرا في الكنيسة الكاثوليكية في الفترة من 354 إلي 430 ميلاديا ومن قادة التاريخ الإسلامي عبد الله بن ياسين وأبو الحسن الشاذلي وغيرهم . علي الرغم من هذا التلاحم والاستجابة لمطالبهم المشروعة إلا أن انطلاق ثورات الربيع العربي من تونس وانتقالها إلي ليبيا التي لم تستقر بعد أمام موجات العنف والانفلات الأمني الذي شجع سكان مناطق القبائل بالجنوب إلي الإعلان عن مطلبهم للانفصال وإقامة القومية الكردية التي تستقطع مساحات كبيرة من أراضي دول الشمال الإفريقي العربية والإفريقية . المؤسف أن دعاوي الانقسام القادمة ماثلة أمام الجميع وتهدد مستقبل الأمة العربية والحفاظ علي قومياتها ووحدة شعوبها وأراضيها التي تسعي العديد من القوي إلي تمزيقها كل ذلك والعرب جميعا في مراحل متواصلة من الصمت لحين حدوث الواقعة لنبكي علي اللبن المسكوب كما هي العادة ولعل تعاملنا مع مأساة فلسطين خير شاهد فهل نستفيد مما حدث ويحدث ونتحرك لوقف مسلسل التقسيم والانقسام.