كان يستطيع من جهد بالنظر في نتائج الانتخابات الاخيرة في قرى البدو في النقب ان يتساءل لماذا صوت 138 ناخبا في رهط للبيت اليهودي، و107 ناخبين لليكود. تستطيع التفسيرات الرائجة (شراء اصوات، وقوة الحضور الهادئة لميري ريغف أو ظرف أوري أورباخ الآسر) أن تفسر بصعوبة فقط نحوا من 20 في المائة من هذا التأييد. ولا يستطيع ضعف الرؤية (1.3 في المائة) والسمع (1 في المائة) الشديد ان يعطي تفسيرا يُريح الخاطر. فما الذي جعل مئات البدو في النقب مع كل ذلك يصوتون مؤيدين لاحزاب اليمين؟. أُعطي الجواب في الاسبوع الماضي حينما استقر رأي اللجنة الوزارية للتشريع على تأييد قانون "تنظيم اراضي البدو في النقب". ويفترض في اطاره ان يحصل البدو على 600 ألف دونم وعلى تعويضات بنسبة تزيد على 60 في المائة على مطالبهم الاخيرة. وذلك في متابعة لقرار الحكومة على تبني خطة بني بيغن بهذا الهدي و"تبييض" عشرات القرى وعشرات آلاف البيوت غير القانونية. وبذلك منح الليكود البيت اليهودي ناهبيه الاراضي الوطنية في النقب ما لم يخطر ببال أية حكومة يسارية صهيونية أن تفعله. إن بيغن وهو من أبناء الجيل الثاني من من قالوا "يوجد قضاة في القدس"، سخر بخطبته هذه من مئات قرارات المحاكم التي رفضت كل دعوى ملكية ارض للبدو رُفعت اليها، لكنه قد يكون تابع نضال أبيه مناحيم بيغن ودافيد بن غوريون التاريخي. فقد آمن هذا الاخير بأن مستقبل الاستيطان اليهودي في ارض اسرائيل يكمن في النقب الشاسع ونجح بيغن الابن الآن في ان يعطي النقب للعرب خاصة؛ أما أوري اريئيل وزير الاسكان فيقرن موافقته بشرط ترتيب "تفاهمات" الغاية منها ادارة الظهر لمن انتُخب مندوب جمهور للمستوطنين اليهود في يهودا والسامرة، ويجد نفسه مسؤولا عن تنفيذ توجيه بنيامين نتنياهو الى تجميد البناء في القدس ويهودا والسامرة، ويُحل سطو البدو في النقب على اراضي الدولة. ستُعرض "التفاهمات" بين اريئيل ونتنياهو في المتحف التاريخي الى جانب "التحفظات" الـ 14 التي أثارتها حكومة اسرائيل على خريطة طريق بوش. إن البدو الذين لم يرَ عدد منهم هذا المولود المشوه، ولم يصوتوا لـ "البيت اليهودي" يعارضون الخطة لأنهم أدركوا أن ما لم يعطهم إياه نتنياهو واريئيل اليوم سيعطيهم إياه في الغد جدعون ساعر وافيغدور ليبرمان. فلماذا يكتفون بـ 600 ألف دونم – إنهم يريدون النقب كله!. ولننتقل الآن الى الجيران: في السعودية الاراضي غير المسجلة بـ "الطابو" والتي يسكنها البدو هي اراضي دولة وتبقى كذلك مع الحفاظ على حق البدو في الرعي والماء. وفي سيناء ترفض حكومة مصر كل دعوى ملكية ارض من البدو. لكنها وافقت في الآونة الاخيرة بضغط من عصابات مسلحة تفجر أنابيب النفط والغاز على الاذن للبدو بشراء ارض. وما هي الحال في سوريا؟ إن محاولة واسعة النطاق لانشاء اتحاد تعاوني حكومي قبلي (حمى) يشمل ملكية ارض بقي معارضة كبيرة وفشل في واقع الامر. أما في الاردن – وهي المملكة الباقية بفضل ولاء البدو للأسرة المالكة – فان تسجيلات الملكية الخاصة للبدو مُضيقة جدا أما ما بقي كله فهو ارض الدولة في حين لا يوجد للبدو سوى حقوق استعمال الارض. وعندنا فقط، في حكومة نتنياهو – ليبرمان – بينيت – اريئيل، وهي حكومة نور للأغيار وظلام لاسرائيل – يحظون بموافقة قانونية على نهب بالجملة لاراضي الدولة. يؤكد العرب واليسار بالطبع ان 30 ألف بدوي سيُنقلون من اماكنهم في اطار هذه الخطة الى بلدات وأصبحوا يصرخون إنه "ترحيل" ويهددون بانتفاضة. لا تقلقوا فلن يتحرك أي بدوي من مكانه وبقيت هذه هي حكومة اسرائيل.