خبر : سقوط وطني... سقوط أخلاقي ...صادق الشافعي

السبت 11 مايو 2013 01:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
سقوط وطني... سقوط أخلاقي ...صادق الشافعي



الكثرة الساحقة من الناس، سوريين وعرباً، رأت في الغارتين الإسرائيليتين على سورية عدواناً على الشعب السوري والوطن والدولة، إدانتها وطالبت المجتمع الدولي بمعاقبة إسرائيل، وبعضهم طالب بالرد عليها. وخرجت مظاهرات شعبية منظمة وعفوية في اكثر من بلد ومدينة وموقع تعبر عن هذه الرؤية. هذه الرؤية في جوهرها دفاع من الناس عن مجدها وتاريخها وحضارتها وقيمها التي ظلت "الشام " تحتل ركن زاوية ثابتا وأصيلا فيها بغض النظر عمن هو في موقع الحكم فيها. سلطة حماس في غزة، شذت عن الكثرة الساحقة وتصدت لواحدة من تلك المظاهرات ومنعت استمرارها وقيام غيرها، في تصرف كاشف لحقيقة موقفها من العدو، ولحقيقة توجهها السياسي المركزي الساعي الى الاعتراف بشرعيتها من كل وأي طراف، ولحقيقة قناعاتها بالديموقراطية والحريات العامة. قوى المعارضة الوطنية السورية كان لها نفس الرؤية ونفس الموقف المدين للعدوان، وعبرت عن ذلك صراحة وبوضوح. قلة محدودة من الناس استقبلت الغارة بنوع من الشماتة بالنظام. واذا كان يمكن تفسير هذا الاستقبال، المرفوض بالأساس والمبدأ، بأكثر من اتجاه وأكثر من دافع وخلفية، فان ما لا يمكن تفسيره هو نزول هذه الغارات بردا وسلاما على البعض من بقايا قوى سياسية وكتاب ورموز دينية، والتي لم يبق لهم سوى التصفيق لنتنياهو والتهليل لطائرات العدو الصهيوني المغيرة. لكن قمة الاستفزاز لكل ما هو وطني ولكل ما هو أخلاقي، ان يخرج ممثل عن معارضة الخارج السورية على القناة الثانية الإسرائيلية ( إحدى قنوات العدو الصهيوني المعتدي) ليعلن بوجه مكشوف وبكلام واضح جلي ومطوّل مفعم بالامتنان، عن سعادته بالغارتين وترحيبه بهما. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها بعض ممثلي المعارضة المسلحة عن حيادهم تجاه العدو الصهيوني أو عن رغبتهم في السلام معه او حتى عن قبول التعاون معه، لكن ان يصل الأمر الى الترحيب بعدوان مباشر يشنه هذا العدو على الوطن السوري فهو لا يمكن تصوره، انه السقوط الوطني والأخلاقي بأكثر صوره انحطاطا واستفزازا. هل يمكن لمعارضة يمثلها وينطق باسمها مثل هذا الشخص ان تصنع تغييرا وديموقراطية لمصلحة الناس مهما أتقنت صناعة المطالب وتفننت في تقديم البرامج والوعود؟ الا تفكر المعارضة التي ينطق باسمها هذا الشخص وأمثاله ان مثل هذا العدوان على الوطن السوري، يزيد من حجم الجماهير والقوى التي تبتعد عن المعارضة وتقترب عفويا من النظام، دون ان يتم ذلك بالضرورة بمنطق الالتحاق بالنظام وانما اساسا بمنطق الوطنية السورية العريقة التي لا يمكن لها ان تقبل ضيما ولا عدوانا على وطنها ولا مساسا بكرامتها الوطنية، ولا يمكن لها الا ان تلفظ وتسقط كل من يسعد بالعدوان على الوطن ويرحب به ويتواطأ مع المعتدي. ومن قال ان مثل هذه المعارضة في حقيقة أمرها ومكنون دوافعها ونواياها تهتم بالجماهير وموقفها؟ أنها لا تهتم بغير السلطة والوصول إليها بأي ثمن وعن اي طريق. اماعن الجماهير وموقفها والعلاقة معها فأمر ثانوي مقدور عليه لاحقاً ان بالتدجيل والخداع وان بالقوة والقمع. لكن لفت النظر في كلام ممثل المعارضة المذكور قوله: "حيث انها – الضربات- نجحت في تدمير اخطر المعاقل الإرهابية التي تحصن بها قوات حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني وقوات الأسد.... ويضيف ردا على سؤال مقدم البرنامج الصهيوني ان الجيش الحر وصل الى درجة يائسة. هذه الضربات كانت مفيدة جدا جدا خاصة في دمشق حيث الغوطة الشرقية الجيش النظامي والحرس الثوري الايراني يتقدم". هذا القول يعطي الغارتين بعدا آخر غير، او إضافة الى، الرواية التي يتم التركيز عليها (ضرب أسلحة متطورة مجهزة للنقل الى حزب الله في لبنان) هو ان الغارتين فعل تدخل ومساعدة بالنيران النوعية لقوى المعارضة بعد الهزائم التي منيت بها في الأسابيع الأخيرة، والتقدم الذي حققته قوى النظام على اكثر من جبهة وموقع. وهو ما يعطي بعض المصداقية للأخبار التي تحدثت عن استهداف الغارتين، إضافة الى مركز الأبحاث في جمرايا، لألوية محددة في الجيش السوري تتبع الفرقة الرابعة التي تشكل اقوى واهم الفرق في حرب النظام على قوى المعارضة المسلحة. واذا صح وجود هذا البعد، فانه بقدر ما يقدم اعترافا يؤكد ضعف قوى المعارضة واستدعائها للتدخل الخارجي المباشر، فانه قد يشكل تطورا نوعيا في الحدث السوري ومقدمة للتدخل العسكري الخارجي، او تلويحا بهذا التدخل وتخويفا به، وإعلاناً عن ايكال مهمه القيام به الى العدو الصهيوني، بكل ما يفتحه ذلك من احتمالات وتداعيات لا حصر لها في عموم المنطقة. كما يثير ذلك تساؤلا حول توقيته قبيل اجتماع وزيري خارجية روسيا وأميركا بحيث يبدو نوعا من الاستعداد لذلك الاجتماع، وحتى لا يذهب الوزير الأميركي اليه بأوراق ضعيفة بعد التقدم الذي أحرزته قوى النظام ووصول الجيش الحر الى درجة يائسة كما عبر عنها ممثل المعارضة على قناة العدو الفضائية. لا شيء مؤكدا في الحدث السوري سوى استمرار التقتيل والتدمير والتهجير، دونما بارقة حل جدية حتى الآن.