خبر : هل تصنع الأزمة السورية من بشار الأسد عبد الناصر جديداً؟ ...حسين حجازي

السبت 11 مايو 2013 12:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل تصنع الأزمة السورية من بشار الأسد عبد الناصر جديداً؟ ...حسين حجازي



هل للمدن وجوه، حيث يقال وجه المدينة؟ وكتب شاعر سورية الكبير ادونيس 72 صورة لمراآة الوجه، واذا كان للمدينة ام التاريخ وجه، فترى اي علاقة بين المدينة وجبل قاسيون؟ لطالما تأملت في الصورة التي تبدت لي في العلاقة بين المدينة والجبل، كما لو انه جوبيتير "زيوس" الإغريقي رب الأرباب، الذي يبدو كالأب الإله القديم الذي يحتضن المدينة ويطوقها بين ذراعيه ليحميها من الأعداء. كما لو انها ولدت من بين ضلعيه، كتفيه، تماما كما تقول أساطير روما ان روما ولدت من اصبع جوبيتير. ولكن روما سوف تهزم في المدينة تحت سفح قاسيون، وحيث قاسيون ليس جوبيتير، الذي خلق من غاز وهواء، ولكنه الجبار الصلب القاسي والعنيد الذي يحمل التأكيد على قوته بإضافة الواو والنون لاسمه تعظيما له. وحيث من قاسيون اطل عليك يا بردى فأراك يا دمشق تعانقين السحب. ما كان اذن قاسيون الا هامتها " دمر والهامة " من على نهر بردى المطل على سفحه، وهو بهذا المعنى جبين الوجه، وجه المدينة المرتفع والمتصل بالسماء . ومن السماء من خلف ظهرك يا قاسيون وجهوا الطعنة كجرح في الجبين، جبينك يا دمشق عزة العرب. لكن الجبل، جبل عرفات القديم ايضا ظل مكانه لم تهزه الرياح، ربما بكى واصدر من عينيه دمعتين من الألم، ولكن العدو الذي ظهر كاشفا عن وجهه باعتباره هو الذي يقاتل السوريين لقهر وإسقاط المدينة لم يستطع ان ينال من وجه المدينة كبرياءها وعزتها كما مضاء ونضارة روحها. وقد بدأت إسرائيل الضربة الاولى، اطلقت الرصاصة الأولى في أقدامها على الحرب وعلى الباغي سوف تدور الدوائر. لقد بدأت مرحلة وحقبة جديدة وهذا هو المغزى الوحيد لما حدث. شعر كل عربي حر بأثر الجرح على مقدم جبينه، دعوكم من أولئك مرضى كراهية الذات، فهذه لحظة كانت للكشف، لحظة نادرة من الكشف أخطأت في التسبب والدفع اليها إسرائيل. وكان السؤال الوحيد الذي لا سؤال غيره صبيحة يوم الأحد، لا عن الرد السوري، رد دمشق على العدوان الوقاحة الإسرائيلية لأشفاء صدر السوريين والعرب، وانما عن كيفية هذا الرد، فالرد لابد ان يأتي ولم يتأخر الرد السوري الذي جاء هذه المرة ايضا على الطريقة السورية التي برهنت على مستوى رفيع وجدارة قيادية في إدارة الصراع، كقيادة تمتلك أعصاباً قوية وإدراكا إجماليا واضحا لطبيعة المعركة، وتظهر تفوقا واضحا في نوعية القيادة على أعدائها مجتمعين، هو تكثيف في اللحظة الصعبة والحرجة عن تراكم الخبرة والذكاء وما يمكن ان نسميه الذكاء السوري. والا لما كانت هذه القيادة تستطيع الصمود كل هذا الوقت في مواجهة هذا الحلف العالمي غير المسبوق، وتتمكن أخيرا من قلب التوازنات، قلب السحر على الساحر. هيا اذن نتعلم روح هذه الاستراتيجية، هذا الرد غير المسبوق لعبة الشطرنج السورية الإيرانية ومعه حزب الله، وقد كانت الأسئلة المطروحة غداة العدوان الإسرائيلي على النحو التالي : ماذا نريد؟ هل نريد الانتقام ام الانتصار؟ وما هو الخيار الذي يحقق هدف الانتصار لا مجرد الخضوع للحظة الانفعال المباشرة والثقيلة لامتصاص الغضب، هل هو الرد التكتيكي الموضعي، بتوجيه ضربة صاروخية لاهداف في اسرائيل وبالتالي الذهاب الآن الى حرب مفتوحة يقاتل فيها الجيش العربي السوري على جبهتين في الداخل والخارج، وتستدرج فيها سورية الى مكان آخر ويكون بذلك هدف اسرائيل قد تحقق من الضربة. ام يكون هذا الرد على محور الاستراتيجية بقطع الطريق على الهدف الرئيسي للتدخل الإسرائيلي، وهو إخراج سورية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي؟ بقلب المعادلات وقواعد اللعبة بالانخراط بصورة اكبر في هذا الصراع وهو ما قررته سورية بتوجيه ثقل الاستراتيجية في هذا الصراع نحو الميدان الرئيسي لحسم المعركة. بدل استدراج قوات سورية الى الفخ الكمين الإسرائيلي الخارجي لتمكين المجموعات المسلحة التي انهارت قواها في الآونة الأخيرة من استعادة زمام المبادرة لحسم معركة دمشق في الداخل، استدراج إسرائيل الى الملعب الحقيقي الى فتح معركة الجولان، وهذا هو الرد الموجع والاستراتيجي والحاسم. هيا اذن ايها الإسرائيلي الأحمق وقد جرؤت على كسر قواعد اللعبة لنقيم جردة الحساب، لنضع أمامك قواعد الاشتباك الجديدة. لقد فضلنا او ارتأينا لأسباب تتعلق بالتوازن وربما انتظار الزمن ان ندير الاشتباك معك من المقاعد او الصفوف الخلفية كما يفعل باراك أوباما اليوم بان نزود حزب الله وحماس بالسلاح من الباب الخلفي، من وراء الستارة. وقد اّن الأوان اليوم ولم يعد لسورية ما تخسره بعد الدمار الذي حدث وتدخلك ايها الإسرائيلي كاشفا عن وجهك علنا في الصراع الدائر ان نتقدم من المقاعد الخلفية الى الصفوف الأمامية، فاذا كان لا يصح بالأخير غير نظرية حزب الله عن المقاومة وقد جربت هذه النظرية وأثبتت جدارتها فلنفتح جبهة الجولان عليكم امام المقاومة السورية ولتتحول الدولة السورية لتكون دولة مقاومة مباشرة لا من خلف الستارة. واذا كنتم تريدون الرد على البنية التحتية لسورية الدولة فسنضرب البنية التحتية لإسرائيل الدولة. وزيادة على ذلك اذا كنتم تهدفون من وراء اعتدائكم علينا جعل ركبنا تصك، وتتوقف عن تزويد حزب الله بسلاح نوعي كاسر للتوازن فسوف نزود حزب الله بهذا السلاح جهارا نهارا، ولنرى ماذا انتم فاعلون؟. هنا عند هذه اللحظة الفاصلة تنتهي حقبة فصل من التاريخ ويبدأ فصل جديد. وإذا كان من لحظة تحول شبيهة بما يحدث الآن فهي أزمة السويس العام 1956، والعدوان الثلاثي على مصر، فهل تصنع الأزمة السورية اليوم من بشار الأسد عبد الناصر جديدا في المنطقة ؟ وان اختلفت ظروف وملابسات الأحداث في كلتا الأزمتين اذا كان توزيع واصطاف اللاعبين يكاد يكون هو نفسه. الرئيس الروسي بوتين مكان خورتشوف وأوباما مكان آيزنهاور، والرجعية العربية التي حاربت ناصر هي نفسها الى جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ضد بشار الأسد. وبعد العدوان الثلاثي سوف يشكل جمال عبد الناصر كتائب الفدائيين من غزة بقيادة الضابط المصري مصطفى حافظ، وحيث يبدأ الاسد اليوم بإنشاء الجبهة الشعبية لتحرير الجولان، ويوحد مع حزب الله جبهة الشمال لاستنزاف اسرائيل وتحرير الجولان. فماذا كسبت إسرائيل اذا لم تعد جبهة غزة هي الوحيدة في الميدان، ووحد الحلف المقاوم جبهته، من خراسان في إيران حتى الجولان وصولا الى رأس الناقورة. حلم عرفات القديم الذي قال مرة ان عمق الثورة الفلسطينية الاستراتيجي يمتد من خراسان الى شمال فلسطين. وهكذا يحرج الأسد كل خصومه وأعدائه. فأين دول الربيع العربي من هذا الاصطفاف؟ وقد طرحنا السؤال هنا السبت الماضي قبل تداعي الأحداث على هذا النحو الدرامي والمتسارع عن الخندق الذي تقف فيه "حماس" من هذا الصراع، وبعد هذا الانكشاف العظيم للرؤية لم يعد ممكنا التساؤل عما يحدث في سورية. برافو نتنياهو لقد ساعدت الأسد من دون ان تدري وساعدتنا نحن الفلسطينيين من دون ان تدري، بما في ذلك أبو مازن، اذا كان السؤال بعد هذا التطور في الوضع الجيوبولوتيكي عن اي دولة يهودية تتحدث وقد فتح الصراع الإقليمي عليكم من إقليم المقاومة الشمالي على مصراعيه. وبعد اليوم ماذا ترى يقولون خصوم بشار الأسد لشعوبهم؟ هل يقفون معك يا نتنياهو على قلب رجل واحد لضرب سورية ؟ لقد هدمت في ساعة يا نتنياهو كل ما حاولت ان تفعله قطر وقناة الجزيرة في اعادة غسل وعي الأمة العربية. فالقومية العربية التي كان مهدها وولادتها من قلب سورية وبلاد الشام ترفرف روحها على الشرق اليوم وتبعث من جديد. فمن جبل قاسيون اطل عليك يا دمشق فأراك تعانقين السحب.