خبر : حاضر يحاول إستجلاب الغابر بأرخص الصور ...بقلم: فراس ياغي

الجمعة 10 مايو 2013 12:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
حاضر يحاول إستجلاب الغابر بأرخص الصور ...بقلم: فراس ياغي



في محاولة مني لفهم الحاضر المؤلم قررت أن أعود لقروننا الغابره... خاصة أن صيرورة التاريخ فيها وحين تناقشها بموضوعيه لا تختلف كثيرا عن صيرورتنا الحالية سوى بمفهوم يتعلق بأدوات التقدم المختلفه وفي كل الميادين من جهة، ومن جهة أخرى تراكم الحضارات والتجارب الكثيره والمريرة التي عاشها الانسان...محاولتي جعلتني أعيش تلك القرون بحذافيرها لأنني لم أجد ذاك التغيير الكبير بين الماضي البعيد والحاضر القريب...فلا يزال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ماثلا وينادي بالرحمة وبالدين الحنيف، ولا يزال يعمل ويبحث في ثنايا دولة "قريش" في "المدينة" عن مفهوم التوحيد الممكن بين القبائل العربية المختلفه، ولا تزال "دار الندوة" بين ثنايا "مكة" تحاربه بأسماء مختلفه وجوهرها الثروة والمال ..."أبي سفيان" القرشي الذي حارب رسول الله عليه السلام وأسلم إسلام "المؤلفة قلوبهم" يمثلُ اليوم بحللٍ وأثواب مختلفه...فهو حارب الاسلام بمفهوم السياسة لا بمفهوم الدين، وحين إستلم الخليفه الراشدي الأموي "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، وقف أمام قبر أسد الله وسيد الشهداء إبن عم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وقال : "رحمك الله يا أبا عمارة لقد حاربتنا على شيء أصبح لنا"...وهنا يبرهن هذا القرشي على طبيعة الحروب التي قادها ضد دولة الرسول عليه السلام...ويستمر الصراع لاحقا ليصل ذروته بالفتنة وسيطرت بني أمية "الطلقاء" من بيت "أبي سفيان" و"بيت مروان" على المقاليد السياسية للدولة العربية الاسلامية وما يتبع ذلك من ثروة وجاه ومال وشراء ذمم وتحويل كل النظام السياسي لملكي وراثي وبإسم خليفة المسلمين وما سمّوه بهتانا وزوراً طاعة ولي الأمر، ويستمر ذلك إثنين وتسعين سنه واكثر من مئتي سنة في فيما عرف ب "الاندلس"...وخلال تلك العقود مورست أبشع ما يمكن ولا يمكن تصوره، فمن موقعة "الحرة" وإستباحة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل المئات من المسلمين فيها وهتك عرض النساء، وليُنشد بعد ذلك، ذاك "اليزيد" بن معاوية بن هند الذي سُميَ خليفة المسلمين قائلا: "ليت أشياخي ببدر شهدوا...جزع الخزرج من وقع الأسل"، ويستمر المسلسل إلى قتل سبط النبي عليه السلام وقطع رأسه وبإسم تثبيت الحكم والسلطة لبني أميه، فأصبح "الحسين" رضي الله عنه المسلم الوحيد الشهيداً لأب شهيد وأبناء شهداء، والمجال لا يتسع لسرد أبشع وأقذع الممارسات التي مورست حتى وصلت ليلقب أمير المؤمنين الاموي "يزيد بن عبد الملك" بشهيد العشق والحب، والسبب حبه لجاريته "حبابه" التي توفيت وهو يرمي لها حبة عنب فتلقفها في فمها فإختنقت وماتت، فما كان أن حدَّ أمير المؤمنيين ولم يخرج من بيته حتى مات... مجازر "العباسيين" ضد "الامويين" ونبش قبورهم معروفه، ف "أبي العباس" السفاح قتل من أمّنَهُ "سليمان إبن هشام"، بل جمع تسعون من بني أميه وضرب رؤوسهم بأعمدة حديدية وفرش بساط فوقهم وبدأ يأكل، وأكثر من ذلك أصدر تعليماته بنبش قبور الأمويين وصلب وحرق الجثث...طبعا سبقه لذلك خلفاء بني أميه فمعاوية قتل الصحابي الجليل "حجر بن عدي" و"سم الحسن بن علي بن أبي طالب" رضي الله عنهما بوضع السم بالعسل رضي الله عنهما، ويزيد قتل "الحسين" رضي الله عنه وفصل رأسه عن جسده و"إبن الزبير" رضي الله عنه قُتلَ على يد الحجاج و"زيد بن علي" رضي الله عنه قُتلَ على يد هشام بن عبد الملك الذي أمر بنبش قبره وصلب جثته وحرق جثته، بل وصل الامر أن قام خليفة المسلمين العباسي "أبو جعفر المنصور" بقتل قائد جيوشه "عبد الله بن علي" ومن ثم قتل "أبو مسلم الخرساني" وبعدها قتل محمد العلوي "النفس الزكية" والي المسلمين في المدينة وقتل أخاه "ابراهيم العلوي" والي المسلمين في البصره.ما أريد قوله أن كل تلك الحروب لم تكن سوى صراعات سياسيه للسيطره على المُلك ليس للدين الاسلامي علاقة بها، وتلك الممارسات في التاريخ العربي الاسلامي مارسها القرشيين ومن فرع واحد من تلك القبيله وهو فرع عبد مناف، صراع على الملك بين بني أمية القريشيين وبني هاشم القريشيين "آل البيت" رضي الله عنهم، وهذا إستمر 900 سنه من عمر حكم دولة قريش ما عدا فترة الخلافاء الراشدين رضي الله عنهم التي تقدر ب 30 سنة.وقد دفعني لكتابة هذا المقال المختصر لأنني وأثناء حديثي عن تلك الممارسات وضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بصيغه رحمة رسول الله عليه السلام وصحبه العادلين والزاهدين أمثال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فقلت بأن من قال أنّ "الأئمة من قريش" فهو يدعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا، فوقف رجل يلبس زيّ قريش كتعبير عن مفهوم سُني غريب وقال لي أنا السُني: لقد حرم رسول الله الإساءة لقريش، نظرت إليه بتعجب وقلت: لو كان سيد البشر صلوات الله عليه وسلم قال ذلك لما إعترض سيد الخزرج الصاحبي الجليل "سعد بن عباده" رضي الله عنه على مبايعة خليفة المسلمين الأول الصادق أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فالمسألة تتعلق بطبيعة الصراع السياسي وبفهم أو إجتهاد في حينه بأن العرب لا تدين إلا لقريش، رغم أن من حمى رسول الله عليه السلام بعد الله تعالى هم أخواله من الانصار وبالذات قبيلة الخزرج الذين كان دورهم في نشر وتوحيد العرب هو الأساس في التاريخ الغابر.كلام الرجل وقع في أذني بشكل صاعق، فعرفت لحظتها أننا لا زلنا نعيش زمن الفتن وزمن الكذب وأن سكوت الأئمة الكبار "أبو حنيفه ومالك" رضي الله عنهما على ما قام به العباسيون من ممارسات فاشية وبإسم الدين أدت إلى هذا الواقع الممتد منذ قرابة الألف وثلاثمائة عام، رغم أن خليفة المسلمين العباسي أبو منصور سم الإمام الأعظم "أبو حنيفه" رضي الله عنه وهو بالسجن لأنه رفض تولي منصب قاضي القضاة وجلد الامام "مالك" رضي الله عنه وهو عاري لأنه جاء بأحاديث نبوية لم تعجب الخليفه.تصوروا نحن في القرن الواحد والعشرين ويأتي رجل بفكر التحريم لمن يسيء للقريشيين وأين في بلاد الشام، ويقوم أتباع الحجاج وزياد بين أبيه وأبو جعفر المنصور والسفاح وهشام بن عبد الملك وغيرهم كثر بنبش قبر الصحابي الجليل "حجر بن عدي" ويهدمون الاضرحة والمساجد وبإسم الدين أيضا في شامنا...تذكرت القاتل المجرم "بن ملجم" ذلك الخوارجي الذي طعن الامام "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه درة العلم والدين والزهد، حين خاف أن يُقطع لسانه لأنه لن يتمكن من ذكر الله بعد ذلك، قَتلَ الامام بإسم الدين، وإعتبر قتله شرعيا وأنه مسلم والامام الزاهد العالم الديني إبن عم الرسول الذي لم يفارقه لحظه حتى وفاته، يعتبره كافر...منطق من يمارس التكفير وجهاد النكاح من فرق تمارس كل الموبقات بإسم الدين الاسلامي الحنيف.إن إعادة كتابة التاريخ العربي الاسلامي وتنقيته من الشوائب وتجريم كل الممارسات التي مورست بعد الخلافة الراشدية وتجريم الفتنة في عهد عثمان والفتنة المعاوية، ووضع الامور بنصابها من الحيث التفريق بين مفهوم الدين والسياسة، فإسلام الدولة بالتاريخ الاموي والعباسي وما بعدهما إنتقص من الاسلام وحوله لإجرام سياسي، ورجل الدين والدولة الخليفه الفاروق "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه لا مثيل له، وبعده لم يأتي سوى رجال دين يقودون دولة مثل "علي بن ابي طالب وعمر بن عبد العزيز والمهتدي بالله رضي الله عنهم" الذين حاولوا تثبيت العدالة الاجتماعية التي جاء بها دين الإسلام فقتلوا، أو رجال سياسه يستخدمون الدين في تنفيذ مآربهم أمثال " معاويه بن ابي سفيان وهشام بن عبد الملك وأبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور" فالغاية تبرر الوسيلة عندهم فحكموا طويلاً ...الحاضر الماثل وما يجري في سوريا الحبيبه، يؤلب الماضي الغابر وبأقذع صوره، فالتكفير هو العنوان والذبح بإسم الله أكبر هو الموضوع، وإقامة دولة الخليفه هي الكذبة الدينية التي يتسترون خلفها. وقد قال قائل بأن "النفس تأنس لما تهواه...وتعشق ما إستقرت عليه...بغض النظر عن موقعه من الحق أو موقفه من الحقيقه"، وهذا ما يقوم به بعض علماء الدين وبإسم الدين في خلق الفتن وإعادة التاريخ القذر وبأرخص صوره.