خبر : مأزق الإسلام السياسي في الحكم ...فيصل جلول

الجمعة 10 مايو 2013 12:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
مأزق الإسلام السياسي في الحكم ...فيصل جلول



في كتاب شهير حمل عنوان “عولمة الإسلام” الذي نشر بعد هجمات سبتمبر/أيلول يتحدث الخبير الفرنسي في الشؤون الإسلامية أوليفييه روا بصورة أساسية عن “الإسلام الغربي” الذي ينحو في نضاله منحى الحركات اليسارية الثورية وليس الدينية، ويشير في هذا الصدد إلى أن “الإسلام الثوري” اختار رمزاً اقتصادياً في نيويروك وليس دينياً كالفاتيكان، ما يعني أنه يتصرف كالحركات اليسارية المناهضة للإمبريالية ويستخدم أحياناً كثيرة لغتها وحججها رغم تغليف خطابه بلهجة قرآنية، وإذا كان الإسلام الثوري قد أخفق في مشروعه الانقلابي، فإن الإسلام السياسي الأكثر تمثيلاً وخبرة وبخاصة الإخوان المسلمون، لايحمل هو الآخر مشروعاً إسلامياً للحكم بالمعنى الأيديولوجي للمشروع . ويلقي أوليفييه روا الضوء على تيار الإخوان المسلمين الذي يمثل الجزء الأهم من الإسلام السياسي في عالمنا العربي والإسلامي، معتبراً أن هذا التيار ليس لديه في الحكم سوى التجربة الإيرانية للقياس عليها، بيد أن هذه التجربة انتهت إلى التخلي عن الكثير من المنطلقات الأولى لمشروع الحكم، ومن ضمنها الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية والامتناع عن التعامل بالربا واعتماد النظام الجمهوري بدلاً من نظام الخلافة، ويرى أن ما اعتمد في إيران من بعد هو الاقتصاد الرأسمالي الحديث الذي لا يمت بصلة جوهرية إلى الاقتصاد الإسلامي . وفي مجال الأممية الإسلامية التي كانت قضية جوهرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يرى الكاتب أن التجربة الإيرانية لم تذهب بعيداً في هذا المجال وأن طهران تخلت عن شعار الخليج الإسلامي الذي طرحه الإمام الخميني كحل للخلاف على تسمية الخليج بين فارسي وعربي لتعود الأمور إلى نصابها أي إلى تسمية الخليج بالفارسي من وجهة النظر الإيرانية . ويخلص روا إلى استنتاج أساسي مفاده أن الإسلام السياسي تحول من الأممية الإسلامية إلى الوطنية المحلية أو القومية، وهو ما نلاحظه في الحكومات التي تولاها الإخوان المسلمون الذين يتمحور خطابهم السياسي حول الوطن والوطنية، ولعل النزعة المصرية التي نلاحظها في الخطاب السياسي للرئيس محمد مرسي تفوّقت ربما بأشواط على حكام مصر السابقين الذين ما كانت لديهم البتة ادعاءات أيديولوجية . وإذا كان أوليفييه روا يرى أن النزعة القومية وليس الإسلامية هي التي طغت وتطغى على تيار الإسلام السياسي أي الإخوان المسلمين في مثالنا، فإن هذا التيار لا يكذبه وبخاصة الرئيس مرسي الذي عاد مؤخراً إلى تبني الشعار الناصري في عيد العمال في الأول من مايو/ أيار الماضي، حيث اعتبر أن على المصريين أن ينتجوا غذاءهم ودواءهم وسلاحهم، ولم يقل إن هذه مهمة الأمة الإسلامية وأن مصر جزء منها كما يقتضي الخطاب الإسلامي الأممي . أن يلجأ الدكتور محمد مرسي إلى الناصرية للإعلان عن مشروع النهضة الذي تصدّر بيانه الانتخابي في رئاسيات العام الماضي لحكم الإخوان في مصر، فهو يعترف ضمناً أن حكم مصر يقوم على أسس قومية أو وطنية أو لايقوم، والراجح أن الصراعات التي خاضها مع البنى الأساسية للدولة المصرية التي أفضت بمجملها إلى إخفاق صريح في “أخونة” أجهزة الحكم وتطويعها في خدمة مشروع ما بعد قومي أو ما بعد وطني، هذه التجربة عزّزت لديه ولدى الإخوان عموماً وجوب الانكفاء عند الحدود المصرية . وفي السياق من المفيد الإشارة إلى إخفاق آخر في الجزائر حيث صادف الإسلام السياسي في مطالع التسعينات حركة مضادة في المجتمع الجزائري أفضت إلى حرب أهلية، ومازال هذا البلد يعاني آثارها حتى اليوم، وفي السياق أيضاً، وأيضاً يلاحظ أن التجربة التونسية لا تخرج عن هذا السياق، بل هي وطنية ائتلافية لا دليل فيها على مشروع ما بعد وطني . تبقى الإشارة إلى حجة الإسلاميين المضادة إذ يشيرون إلى مشروعهم الإسلامي العابر للقوميات من خلال الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين برئاسة الشيخ القرضاوي، ويرى هؤلاء أن رجل الدين المصري أسقط أنظمة العالم العربي لمصلحة الإخوان ومازال يعمل لاستكمال هذه المهمة، والجواب البسيط هو أن الشيخ القرضاوي لم يدع يوماً إلى مشروع إسلامي عابر للقوميات والوطنيات، ولعل أقصى ما دعا إليه هو إطاحة حكومات معمرة كي يحل الإخوان محلها وبشروط الحكم فيها، وذلك بمباركة الولايات المتحدة، ولعل آخر خطبه تنطوي على عبرة مهمة في هذا الصدد، إذ طالب بتدخل أمريكي وإيطالي وبريطاني وألماني في سوريا لقلب نظام الحكم، وفي هذا إشارة إلى السقف المتدني لمشروع الإسلام السياسي في العالم العربي ومحدودية ادعاءاته الإسلامية بالقياس إلى واقعيته الوطنية والقومية . والملاحظ أنه منذ انطلاق الربيع العربي فإن روايات كثيرة تؤكد أن الإخوان المسلمين تعهدوا للولايات المتحدة وأوروبا أن يقوم مشروعهم للحكم على احترام الليبرالية واقتصاد السوق وإبقاء اللعبة الديمقراطية مفتوحة على مصراعيها، وقد التزم الإخوان ومازالوا بهذه الشروط التي يمكن اعتبارها في أفضل التقديرات إصلاحية وبعيدة بمقدار سنوات ضوئية عن مشروع ثورة إسلامية مظفرة . يبقى أن نعرف هل سيفرض الإسلاميون شيئاً آخر في البلدان التي يحكمونها غير الحجاب والفصل بين الجنسين في المدارس الرسمية، هذا إن حالفهم الحظ؟.