جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر دخلت مرحلة الانكشاف الكامل المترافق مع عجز كبير عن الإنجاز، أو حتى إقناع المصريين بأنها “أنجزت” شيئاً، وآخر دلائل هذه الحالة، تصدير الجماعة عجزها عن تعديل حكومتها، ورمي الكرة في ملعب المعارضة، وخصوصاً “جبهة الإنقاذ”، إذ زعمت هذه الجماعة أنها تنتظر منها جواباً عن دعوتها إلى المشاركة في الحكومة عبر التعديل الوزاري المؤجل . جبهة الإنقاذ نفت تصريحات قادة الجماعة عن “الاتصالات بشأن التعديل الوزاري”، واعتبرت هذه التصريحات “خداعاً للشعب”، وفي هذا جانب من الصحة لا يمكن إنكاره، كما أنه ينهي حالة الترقب للحظة إخراج التعديل الوزاري إلى حيز الوجود، ويضع جملة من التساؤلات عن مستقبل هذه الحكومة التي كانت عملية تشكيلها منذ البداية ملتبسة وغارقة في أخطاء قياسية، ليس أقلها شأناً استبعاد الكل المصري من التمثيل . وتأكيداً للانكشاف الكامل، أكدت “الجبهة” أنها لم تتلق اتصالاً واحداً من الرئاسة أو حزب “الحرية والعدالة” الذراع السياسية للجماعة، ما يعني أن المدّعين حاولوا الخداع وقرنوه بالكذب أيضاً، إلى جانب أنهم لا يخفون عزمهم التشبث بمواقفهم المتصلّبة، وعلى رأسها التمسك برئيس الحكومة هشام قنديل، إلى جانب الإجراءات الأخرى التي ساروا بها من دون مشاورات ولا حوارات، من قبيل بناء وإقرار الدستور المصري . جماعة “الإخوان المسلمين” تدرك بلا شك تراجع زخمها وانحسار قاعدتها الشعبية، وتدرك أيضاً أنها بحاجة إلى يدٍ أو أيدي لمساعدتها على إدارة البلاد بأزماتها ومشكلاتها الكثيرة، لكنها بالنسبة إلى النقطة الأخيرة تحاول المكابرة، ما يدفعها إلى الانكشاف أكثر كلما برزت أزمة أو حلت كارثة جديدة نتيجة تعنتها . دولة بقيمة ودور وتاريخ مصر لا يمكن أن تظل رهينة لمثل هذه المراوحة التي لجأت إليها جماعة الإخوان، عندما أدركت عجزها عن إدارة الدولة، وقصورها عن الخروج بنموذج مؤسسي، أو حتى ملء بعض الفراغات التي أحدثتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، في بنية الدولة المصرية، ومن ضمنها تغيير النظام المستبد المتفرد بالسلطة، بهدف إحلال نظام يحترم التعددية ويؤسس لدولة مدنية لكل مواطنيها، الأمر الذي يفوق قدرات وحتى مبادئ وأدبيات “الإخوان المسلمين” . مصر ليست إلا بداية الانكشاف الكامل لجماعة “الإخوان المسلمين”، وما تمثله من حركة عابرة للحدود، ذات مشروع يتخطى الأوطان، ما يجعله عاجزاً عن الخروج بصيغة قيادة سويّة لوطن بعينه أو دولة بحد ذاتها، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن هذه الحالة، تحديداً، ستضع نقطة بداية النهاية لمشروع حملته الجماعة على مدى عقود، وها هي تصطدم اليوم بجدار الواقع الصلب، فلا مكان في عالم القرن الحادي والعشرين لمشاريع سياسية تتخطى عناصر المكان والزمان، من دون أدنى اعتبار للبعد المحلي . وحتى تنجلي ملامح التعديل الوزاري المؤجل والمتعثر، ستستمر حالة الانكشاف بالتفاقم، وقد تتوج قريباً بالوصول إلى مرحلة انسداد سياسي كامل، يضع الجماعة في الخانة الواقعية، وينهي مسيرة اللعب على عواطف الناس ومعتقداتهم .