خبر : تعديل المبادرة ..أرواح مهزومة وإرادات مستلبة ...بقلم نافذ أبو حسنة

الثلاثاء 07 مايو 2013 11:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تعديل المبادرة ..أرواح مهزومة وإرادات مستلبة  ...بقلم نافذ أبو حسنة



يمكن العثور على النص التمهيدي لتعديل ما يسمى بمبادرة السلام العربية، في التصريحات التي أطلقها حمد بن جاسم، في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، أثناء العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة. يومها تحدث الوزير القطري الثورجي، واصفا نفسه ومن معه "بالنعاج". وذلك في معرض حديثه عن آليات التعامل العربي مع العدوان. هو قال صراحة:" نحن نعاج. ولا نستطيع مواجهة إسرائيل" ومعنى ذلك أن "إسرائيل" تستطيع مواصلة العدوان، بينما تنصرف "النعاج" لمتابعة الرعي في سهول المذلة. و"الاستنعاج" هو أصل المبادرة المسماة بمبادرة السلام العربية. للتذكير: فقد اطلقت المبادرة المذكورة في قمة بيروت العربية، في ذروة انتفاضة الأقصى الفلسطينية التي انطلقت عام 2000. واستطاعت تخطي حالة "الرهاب" التي أصابت كثيرا من أطراف النظام الرسمي العربي، بعد هجمات 11/أيلول/ 2001 في نيويورك. آنذاك سعت الولايات المتحدة، والمحتلون الصهاينة لتصوير الانتفاضة الفلسطينية على أنها جزء من "الإرهاب العالمي" الذي ضرب الولايات المتحدة، لكن هذا المسعى، لم يفلح في تحقيق أهدافه، فتدخل النظام الوهابي السعودي المصاب بالذعر، طارحا مبادرة صاغها بالأصل صحافي أمريكي، ليحولها إلى مشروع سلام عربي.  لم يستطع "النعاج" يومها أخذ المتغيرات القائمة على أرض الواقع بنظر الاعتبار، ومن ذلك نجاح المقاومة اللبنانية بدحر الاحتلال من جنوب لبنان، دون قيد أو شرط، ونجاح المقاومة الفلسطينية في نقل الاشتباك مع الاحتلال إلى داخل فلسطين المحتلة. بل تصرفوا بما يرضي السيد الأمريكي، فجاءت المبادرة أشبه بإعلان استسلام كامل: تطبيع مع العدو الصهيوني، وإلغاء لحق العودة. نجحت الجهود السورية اللبنانية في حينه، بإدخال تعديلات على "المبادرة"، فحذفت من النص إلغاء حق الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم فلسطين، ولكن المبادرة ظلت تعبيرا عن إحساس بالهزيمة، وليست تعبيرا عن الواقع الذي رسخته المقاومة في لبنان وفلسطين.  وللتذكير أيضا: أعلنت حكومة الاحتلال الصهيوني رفضها للمبادرة، وأطلقت اجتياحا للضفة الغربية، واقترفت مجزرة في مخيم جنين، بعد الصمود الأسطوري للمقاتلين الشجعان في المخيم، ودمرت البنى التحتية في الضفة الغربية، وقتلت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، دون أن يتخلى النعاج عن المبادرة. بل صارت المبادرة لازمة متكررة في بيانات القمم والمجالس الوزارية، وكأنها نص مقدس، لا يمكن التخلي عنه. مبادرة بلا بدائل وبما أنها حاصل روح مهزومة، ولا تؤمن بمقاومة الاحتلال، ويزعجها جدا منطق المقاومة، فقد كانت المبادرة بلا قيمة تذكر. تتأتى قيمة مبادرة ما من وجود بدائل عنها. من قبيل الافتراض: لو أن المبادرة صيغت بطريقة تقول: هذا هو تصورنا، وفي حال لم تستجب حكومة الاحتلال، فإننا سنقوم بتسليح الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه، لاكتسبت قيمة واضحة. ولكن أنى لروح مهزومة وإرادة مستلبة تابعة أن تفكر على هذا النحو. على العكس من ذلك، واجه "النعاج" المطالبات بسحب المبادرة العربية، بالتأكيد الدائم على أن المبادرة ما زالت على الطاولة. واصل كيان العدو جرائمه في القتل والتهويد والتعدي الدائم، وكانت المجابهة مقتصرة على التهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة، وكأن ما ينقص الفلسطينيين هو قرار جديد من المنظمة الدولية، يضاف إلى ركام القرارات السابقة، والتي بقيت دون تنفيذ. لكن حتى التهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة، بقي تهديدا فقط، وإذا حصل وتحدث أحدهم هناك، فبمنطق الاستجداء و"التوسل" بأن يقبل الصهاينة عرض الاستسلام.(بالمناسبة: توسل الصهاينة لقبول الاستسلام، هو من بين مآثر حمد بن جاسم أيضا).  قصارى القول: كانت المبادرة تعبيرا واضحا عن العجز. وتعكس إحساسا بالهزيمة، وعدم القدرة على مواجهة الاحتلال. لم تغير الوقائع شيئا في هذا النسق المهزوم. لا اندحار الاحتلال من غزة عام 2005، ولا هزيمة الصهاينة في لبنان عام 2006. ولا فشل العدوان الصهيوني على غزة عامي 2008- 2009. ففي مواجهة هذه الوقائع انتقل المهزومون من تعميم روح الهزيمة، إلى الحرب على المقاومة جسدا وفكرة. ليس بالكلام والمواقف فقط، ولكن عبر سلوك عملي، وضعهم في حلف واضح وعلني مع الولايات المتحدة، والاحتلال الصهيوني. والشواهد على هذا الأمر لا تحصى ولا تعد. تعديل المبادرة عبارة "تعديل المبادرة" ليست جديدة. وفهم دوما أن من يطالبون بالتعديل، إنما يرمون إلى أخذ المتغيرات بالاعتبار، ووضع شروط عربية جديدة للاستمرار بطرح المبادرة سيئة الصيت. لكن محور النعاج، وقد استفحل دوره، في ظل الأوضاع الراهنة، وفي طليعتها الحرب العدوانية الشرسة على سوريا دورا ومكانة، رأى أن التعديل يعني تقديم تنازل جديد للصهاينة والأمريكيين. وشن ما يمكن وصفه بالحرب الاستباقية على الشعب الفلسطيني. وهنا يمكن ملاحظة جملة من الوقائع: فقد حققت المقاومة إنجازا جديدا في قطاع غزة، وسقطت صواريخها للمرة الأولى في تل أبيب. والأهم من هذا هو تزايد المؤشرات على تفجر انتفاضة فلسطينية جديدة، تتكامل عوامل اندلاعها، من المعركة التي يخوضها الأسرى في السجون، إلى حالة التضامن الواسعة معهم، مرورا بحال من الغضب الشديد على ممارسات الاحتلال اليومية، وتعديات المستوطنين، ومعركة التهويد الشرسة لمدينة القدس. في الأسابيع الأخيرة، كان التخوف من اندلاع انتفاضة فلسطينية حاضرا في نقاش المستويات السياسية والأمنية لدولة الاحتلال. هذا ما تقوله صحفهم، ووسائل إعلامهم المختلفة، والتي تحدثت علانية عن اقتراحات قدمها مسؤولون صهاينة، بعرض رشى على الفلسطينيين تحبط توجههم نحو تفجير انتفاضة ثالثة. وهو ما كان عرضه أيضا وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري". والذي يرى أن الفرصة سانحة، كي يقوم وإدارته بتصفية القضية الفلسطينية، تحت شعار منح الفلسطينيين "دولة". وهو كان طالب حكومة نتنياهو بتقديم تسهيلات للفلسطينيين، تجلبهم إلى طاولة التفاوض من جديد. ويدور حديث عن عرض متكامل، لا يخرج في الواقع عن نطاق "الرشوة" بتحسينات شكلية على واقع الاحتلال البغيض. طالبت حكومة نتنياهو بأن تاتي السلطة الفلسطينية إلى التفاوض دون شروط، بمعنى التخلي عن شرط تجميد الاستيطان، قبل المفاوضات. وجرت تلبية الطلب على ما يبدو. ثم كانت هناك شروط أخرى تتصل بوضع القدس، فعقد رئيس السلطة محمود عباس وملك الأردن عبد الله الثاني اتفاقا، يكرس الإشراف الأردني على الأوقاف الإسلامية في القدس، وبذلك أضحت المدينة المقدسة خارج بنود التفاوض الفلسطيني- الصهيوني. ثم جاء الدور القطري المغطى من جامعة نبيل العربي، بتعديل المبادرة، والبند الأساسي في هذا التعديل هو: القبول بمبدأ تبادل الأراضي في سياق عملية التسوية.  تشريع الاستيطان إذا كانت المبادرة الأولى قد أقرت التنازل عن فلسطين المحتلة عام 48، واعترفت بكيان الاغتصاب الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، فإن التعديل القطري، يحول الأراضي المحتلة عام 67، والتي لا تتجاوز مساحتها 22 في المائة، من مساحة فلسطين التاريخية، إلى أرض متنازع عليها. وبدل انسحاب الاحتلال منها دون قيد أو شرط، أقله وفق منطق القرارات الدولية الصادرة بشأن القضية الفلسطينية، يصبح من حق الاحتلال، الاحتفاظ بالأجزاء التي يريدها من الأراضي المحتلة عام 1967. وقد طرح موضوع تبادل الأراضي مرارا وتكرارا في جولات التفاوض الفلسطيني مع حكومات الاحتلال، والتي ترفض التفاوض على القدس، والمستوطنات، وحق العودة. وتريد أن ترسم على هواها حدود الدولة الفلسطينية الموعودة على الأراضي المحتلة عام 67. تبادل الأراضي لا يتيح للاحتلال إخراج مدينة القدس من دائرة التفاوض وحسب. بل يرمي الاحتلال من خلاله إلى التخلص من مئات آلاف الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48، محققا هدفا كبيرا بتعديل الميزان الديمغرافي، وتحقيق "يهودية الدولة". وكذلك جعل الدولة الفلسطينية كيانا مسخا مقطع الأوصال، ويمكن التحكم به بشكل كلي. وقد سعت أوساط في السلطة إلى التقليل من قيمة التنازل الكارثي والخطير بالحديث عن تعديلات طفيفة، وليست ذات قيمة. المقصود هنا، خيار يتحدث عن شريط في صحراء النقب، مقابل الأراضي التي تقوم عليها المستوطنات. ليست المسألة في قيمة الأرض ونوعيتها. من الكارثي تحويل الأوطان والحقوق إلى مساحات عقارية، بعضها متميز وبعضها الآخر أقل أهمية. ثم إن إقرار المبدأ يتيح كما جرت العادة للاحتلال أن يفرض شروطه. وإذا كان زعيم المفاوضين العرب هو حمد بن جاسم، فلن يكون التنازل عن كل مقدس وعن كل حق، سوى إجراء روتيني لخدمة السلام، في عرف هذا المتوسل المستخذي. الرد الصهيوني على التنازل الجديد جاء سريعا. ليفني رحبت، ونتنياهو أطلق مستوطنيه في حملة مسعورة ضد الفلسطينيين في قرى نابلس. الصهاينة لم يحفظوا ماء وجه المستسلمين(إن كان في وجوههم ماء أصلا) بتلبية الطلبات ببعض التسهيلات في الحياة اليومية للفلسطينيين. بعد إقرار المبادرة الأولى شن شارون عدوانه الذي حمل اسم "السور الواقي" على الضفة الفلسطينية. وبعد تعديل المبادرة، شن نتنياهو عدوانا على سوريا. الصلة بين التنازل للعدو وتغطية اعتداءاته والتشجيع عليها، جلية وواضحة.  لن ينجح حمد وصحبه في ما فشل فيه كل المتآمرين عل فلسطين، وكل أصحاب مشاريع الاستسلام على مدى أكثر من مائة عام. والأيام شواهد.