الذكاء صفة يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهو أصناف متعددة ودرجات مختلفة. لكننا جميعاً قد زودنا الخالق سبحانه بدرجة من الذكاء تجعلنا قادرين على الاختيار بين الخير والشر والصواب والخطأ، بل إننا قادرون على تصنيف القرارات حسنة وما هو أكثر منها حسناً، ونميز بين الفاضل والمفضول لكن الإنسان، ورغم ذكائه يقع في بعض الأوقات صريعاً لقرارات أقل ما توصف أنها غبية. وهنا تتلخص صورة عنوان المقال فهل هناك أذكياء لكن قراراتهم في بعض الأوقات قد نحكم عليها بالغباء؟ عندما تنادى الناس في التاريخ القريب إلى ما عرف بالجهاد الأفغاني، وتنافست بعض الدول في الزج بأبنائها لخوض حرب ضروس نيابة عن قوى رأس مالية ضد الشيوعية. اتخذت الكثير من الحركات الإسلامية عندها قرارات تتلخص في استثمار الموقف كي يتربى شباب الصحوة الاسلامية على حب الجهاد، وقد كان ما كان في قريب الزمان، فتحولت تلك السرايا إلى خلايا نائمة في دولها ومجتمعاتها، تنتظر الأمر من أسيادها، كي تنفذ ماطلب منها دون وعي منها أن ما تقوم به يتلخص في تنفيذ أجندات خارجية تدعمها قوى شيطانية لتحقيق أهداف بعيدة المدى تحت مسميات متباينة. وقد انخرط في هذه الحركات الكثير من الأذكياء، منهم النبلاء والخطباء وأساتذة الجامعات. لو تأمل هؤلاء في مخرجات ما يقومون به من عمليات لتبين لهم خطورة الغايات وعدم نبل النيات، وهذا ما أسميه غباء الأذكياء، عندما تنفذ أنت بحسن نية في بلدك مخططات خارجية، وأنت تحسب أنك تحسن صنعاً. من قام بتخطيط وتنفيذ هجمات نيويورك وواشنطن الإرهابية في أميركا "ذكي" في عقله، لكنه دون وعي منه نجح غيره في استدراجه للقيام بدوره كي يقطف غيره ثمرات جهده. من التجارب القريبة ما يجري اليوم في سوريا، ففي تصوري أنه لولا تدخل بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة والمنتسبة لـ"القاعدة" في الصراع القائم لما تمكنت دولة مثل روسيا في اقناع الدول الأخرى أن ما يجري في الشام ليس لمصلحة أوروبا أو أميركا، ولقطفت الثورة السورية ثمارها أسرع مما هو واقع اليوم. هؤلاء الأذكياء موجودون اليوم في كل الدول العربية والإسلامية والغربية، ومطالبون باستثمار ذكائهم كي لايقوموا في الوقت الراهن بالزج بأتباعهم في صراعات ومواجهات قد تبدو جيدة في وقتها، لكنها في حقيقة الأمر تحقق للأعداء نتائج أكثر مما يطمع به هؤلاء. فكيف تحفظ ذكاءك من هذا النوع من الغباء؟ سؤال ليس من السهل الإجابة عليه، لكن القواعد الكلية تعين على فهم القضية . وأولى هذه القواعد تقول لك لا تهدد أمن بلدك، فالأصل في المسلم أنه جندي يحمي مجتمعه من الأعداء المتربصين به، فمن مات دون أرضه فهو شهيد. لذلك من المفترض أن نكون جميعاً في صفوف مصفوفة دروعاً نحمي أمن أوطاننا. القاعدة الثانية في هذا المجال تقول لك، لا تكن عضواً في تنظيم عابر للقارات تصنع قراراته في الخارج وتنفذها أنت في داخل وطنك، ما يجعلك جندياً، لكن في حزب الأعداء بدلًا من أن تكون معول بناء في مجتمعك وأمتك. القاعدة الثالثة تقول لك، إن الذكاء يدفعك للعمل في العلن من خلال المؤسسات المعروفة وليس في الخفاء، فكل تجمع يخطط بسرية بعيداً عن الناس هو في حقيقته سَريّة من السهل قيادتها من قبل الاعداء، فكن من الأذكياء ولا تتصرف بغباء.