خبر : شيء ما يحدث في المجتمعات ...أمينة أبو شهاب

السبت 04 مايو 2013 08:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
شيء ما يحدث في المجتمعات ...أمينة أبو شهاب



المجتمع وحده هو الذي سيعكس سريعاً آثار ونتائج سيطرة أحزاب وجماعات الادعاء بالدين على الحكم والحياة العامة في بعض الأوطان العربية، وكيف أصبحت هذه السيطرة مؤشراً على الانهيار الخلقي والمجتمعي، وباباً مفتوحاً لها ومقنناً لوجودها . الغريب أن الذين كانت لغتهم وخطابهم وكل برامجهم هي “الإصلاح” الخلقي والاجتماعي هم الذين ستتفجر في زمن سيطرتهم أشكال من البربرية الاجتماعية لا عهد للعرب بها ولا سابق في عصرهم الحديث وربما ما قبل الحديث . لا نعرف أبداً في هذه الهمجية الحاضرة مجتمعاتنا العربية، كما هي بالتأكيد لا تعرف نفسها . فهل بالإمكان وصف الفيديو المرتبط بمحلة اسمها الزيَّاد في مركز سمنهود بالمنطقة الغربية بمصر بأقل من هذه الأوصاف؟ يحوي الفيديو حدثاً اجتماعياً ضمن ظاهرة متزايدة التكرر في مصر، هي إعدام مواطنين لمواطنين آخرين تحت مسميات أحكام الشريعة، لا تحضر في هذه الإعدامات البشعة والمتناهية العنف وعلى مرأى من المجتمع المحلي أي من أركان حكم الشريعة وشروطها ومحدداتها وتحرزاتها، ويحضر بدلاً منها الهوى الشخصي أو الجمعي والشبهة البحتة والكيد للآخرين . ويتم الحكم بهذه الإعدامات في غياب القضاة ورجال القانون والمحامين وفي غياب الشرطة كذلك . الفيديو، الذي يسجل مثالاً لهمجية اجتماعية متنامية لا يعالجها حكم الإخوان أو يردعها أو حتى يخجل منها وتشكل في الحقيقة ظلاً قاتماً لسيطرته، سجله مراسل قناة مصرية معروفة هي “صدى البلد” . ولقد أحجمت القناة عن عرضه بعد تسجيله لأسابيع عديدة لأسباب يمكن توقعها بسهولة . فهو أولاً متناهي البشاعة تتحلق فيه آلاف المجاميع البشرية متفرجة حول ذبيحتين بشريتين معلقتين من الأرجل وذلك بعد قتلهما قتلاً بشعاً، ليتم بعد ذلك سحلهما وجرهما في الشوارع . أما السبب الثاني فهو الجري على العادة الإعلامية السائدة مصرياً في تجاهل مثل تلك الأحداث خجلاً ربما، أو خوفاً من تداعياتها على المجتمع المدني، إن هي أصبحت قانوناً اجتماعياً جديداً . الجديد أن القناة قد بثت الفيديو أو اللقطات التي يمكن أن يتحملها الجمهور المتجاوز لسن الثامنة عشرة، وذلك بوجود قرائن ودلائل مؤكدة تشير إلى أن الجريمة قد ارتكبت بناء على إشاعة ليس إلا . لقد استضافت القناة والدي الضحيتين وهما شابان يافعان ليرى الجمهور حجم المأساة وتمثلهما في وجع والدتين منحورتين بحقيقة تطبيق حكم إعدام شرس البشاعة على ابنيهما البريئين بناء على الظن والإشاعة . المسألة الخطيرة التي يسجلها الفيديو، في رأيي، ليست في قتل الشابين البريئين لأنهما “قدمان غريبتان” في محلة الزيّاد، أو لأن طفلاً  اتهمهما بسرقة عربة “التوك توك”، وليست في إجراءات المحاكمة الغوغائية تحت اسم الدين وشريعته، كما ليست في قسوة لا حدود لها في التعذيب والتمثيل بالجثتين والمنع باسم الدين أيضاً من الصلاة عليهما، وإنما في التواطؤ الاجتماعي الواسع في الجريمة . ما نراه في توثيق الفيديو كما هو على “اليوتيوب” آلافاً من البشر تقدر من قبل مصور الفيديو بعشرة آلاف إنسان يتفرجون على الجريمة من بدايتها حتى نهايتها من دون أن يرف لهم جفن أو يعترض منهم معترض على التسرع في الحكم أو على إجراءات تنفيذه . تفرج المتفرجون باندماج كامل وكأنهم أمام فيلم سينمائي وضعوا ستاراً حاجزاً من اللا انفعال أمامه . بعض السيدات زغردن أمام المشهد فرحاً وانتصاراً . ويذكر مصطفى البرعي والد أحد الشابين أن إمام المحلة قد دعا العامة لحضور مشهد القتل والسحل كما أمرهم بعدم الصلاة على القتيلين . الجمع الصامت المتواطئ والموافق بصمته هو حقيقة هذا الحدث الهمجي ولبه، وما يعنينا في علاقة سيطرة جماعات الدين المُدَّعَى على المجتمعات بتبدلها وانجرافها نحو همجية جديدة . إنه أثر هذه السيطرة وتحققها في الواقع . والمدهش كثيراً أن تعليقات الجمهور على الحدث في نشره على بعض المواقع الإعلامية قد صب جزء كبير منها في تأييد إعدام مواطنين لبعضهم البعض باسم اجتثاث الجرائم وتنظيف المجتمع من المفسدين، وذلك من دون ضرورة حضور الحكام والقضاة والشرطة . إنه حكم القرى والمراكز لنفسها وضد الغير، وهذا الحكم يخبر عن حروب داخلية وثارات تتكون . عائلتا الضحيتين لهما أقارب وقرى تقف وراءهما مهددة محلة الجريمة في الزياد وتتوعد تلك المحلة بالحرق والقتل على الطريقة نفسها . رد فعل الحكومة المصرية على لسان أحمد مكي وزير العدل وهو ليس إخوانياً لأن لغة الإخوان مختلفة في شأن كهذا، كان القول إن الجريمة هي بسبب غياب الدولة . والحقيقة أن غياب الدولة ليس السبب، بل قيام دولة أخرى تتيح مفاهيمها مثل تلك الممارسات كما عكسها جمهور المؤيدين للحكومة وهو يعلق على الجريمة مبرراً لها وزاعماً أنها الحل لغياب القانون . لا أجد مدهشاً أبداً قول والدي الضحيتين إن مراسلين “إسرائيليين” جاءوا مستفسرين بكثير من الاهتمام بالحدث . إنه مواز بالفعل للفوضى السياسية والانتحار الذاتي العربي في هوتها السحيقة . بمثل هذا الحدث يدرك “الإسرائيليون” أن ثمة تغيرات كبرى تحدث في المجتمعات العربية ترتد فيه هذه المجتمعات إلى ما يناقض طبيعتها المعروفة .