خبر : ما يُثلج الصدر أو يُشعله؟ ...حسن مدن

السبت 04 مايو 2013 08:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
 ما يُثلج الصدر أو يُشعله؟ ...حسن مدن



في حوار صحفي شائق أجراه الصحافي عمر العمر مع القائد الوطني السوداني الراحل محمد إبراهيم نُقد، الذي قضى سنوات طويلة من تاريخه النضالي متخفياً عن أعين رجال الأمن، سواء في عهد جعفر النميري أو في عهد النظام الحالي، عمّا إذا كان هذا التخفي أفقده الشعور بدفء العائلة والمحيط العائلي . رد نُقد بايجاز قائلاً: إنه افتقد متعة الحياة الطبيعية، وبذكاء وخفة ظل فاجأ محاوره بالقول:”دفء الحياة العائلية يثير لدي سؤالاً: لماذا نتقيد بمفردة “دفء” المترجمة عن الانجليزية: warmth، في مناخنا السوداني الساخن الجاف؟ لو سألتني، مثلاً، لو تفتقد ( دعاش) الحياة العائلية لكنت وجدت عندي الجواب، لكنك اخترت المفردة الخطأ . راحت عليك” . سألتُ زميلة من السودان عن معنى مفردة “دعاش” في العامية السودانية، فأدهشني أنها تقال للتعبير عن رائحة الأرض بعد سقوط المطر، وهذا مبعث استخدامها للتعبير عن المشاعر تجاه شخص يبعث في نفوسنا الراحة والطمأنينة، وهذه، لعمري، صورة شاعرية جميلة، فلكل أولئك الذين تسحرهم رائحة الأرض بعد أن يرويها المطر أن يتصوروا مقدار الدعة التي تنطوي عليها دلالة هذه المفردة . ومرة كتب الروائي العراقي الراحل غائب طعمه فرمان الذي أقام عقوداً في صقيع موسكو، منفياً، ومات ودفن هناك جواباً إلى صديق له رداً على رسالة بعثها له، فقال: “رسالتك أثلجت صدري”، قبل أن يتنبه فيسخر من أن هذه العبارة تصدر عن رجل يقيم وسط الصقيع أغلبية شهور السنة، ولسان حاله يقول: ألا يكفيني كل هذا الثلج من حولي، أما كان حرياً أن أقول رسالتك بعثت الدفء في روحي . كتب سلامة موسى في مختاراته مبحثاً عن فلسفة الألفاظ العربية، فوجد أن من الألفاظ ما يدل على البيئة التي نشأت فيها، فالعرب لأنهم كانوا يسكنون بلاداً حارة، صارت عندهم “الراحة” مشتقة من الريح، أي النسيم، إذ هو يخفف عنهم ضائقة الحر، وصاروا يعدون البرد وجميع ما في معناه دليل الهناء، فهم يقولون: “برد اليقين” و”أثلج الله صدرك” . ويقال إن سكان الإسكيمو الذين يعيشون حول القطب الشمالي حيث البرد الدائم والثلج الذي لا يذوب نحو تسعة أشهر يحسبون أن نعيم الآخرة دافئ، أما الجحيم فبارد مظلم، على النقيض مما تعتقده شعوب بلدان الشرق الدافئة أو الحارة .