حققت اجتماعات الفصائل الفلسطينية بشأن ترتيب البيت الداخلي نتائج ملموسة على مدار العقد الأخير في عدة مستويات أولها: أنها شرعنت التدخل الخارجي وكشفت نوايا اللاعبين في الساحة الفلسطينية ما بين البحث عن نفوذ إقليمي، والبحث عن تأمين لحدود "الحفاظ على الأمن القومي"، ثانيا: أنها وزعت المسؤوليات والمهام والتمثيل الوطني في الداخل والخارج بين طرفين أساسيين – حركتي فتح وحماس- ، ثالثاً: أنها اختزلت بدعم أطراف إقليمية ودولية معظم القضايا المتفرعة عن القضية الفلسطينية في عنوان المصالحة الفلسطينية، وبالتالي فرض معضلة أساسية لا يمكن تجاوزها إلا بتنفيذ المصالحة.هذا بشيء من الاختزال أهم ما نتج عن اجتماعات الفصائل، لكن واقع مكان المصالحة كان له تأثير كبير على المجتمعين من الفصائل، ففي القاهرة عقدت أغلب هذه الاجتماعات لعدة أسباب أهمها حرص مصر على تأمين حدودها الشمالية الشرقية ذات الحساسية العالية، والسبب الآخر أنه لا يمكن للفصائل تجاوز مصر سياسياً وجغرافياً، فقد وضعت السياسة المصرية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك ثقلها على المتحاورين الفلسطينيين حفاظاً على أمنها القومي وتعددت أوجه هذا الضغط سواء بإغلاق معبر رفح أو منع السفر لرموز العمل الوطني، ما دفع حركة حماس إلى اعتبار هذا الضغط موجه إليها واتهمت القيادة المصرية بإتباع سياسة الكيل بمكيالين والوقوف مع حركة فتح في مواجهة حركة حماس مع أن الأخيرة كانت دائما حاضرة في اجتماعات القاهرة ولم يتم استبعاد ممثليها بالمطلق. ساقت حركة حماس حجج كثيرة للتهرب من تنفيذ المصالحة الفلسطينية بسبب ميول الجانب المصري مع حركة فتح، وتعاملت بحكمة وحنكة سياسية مع الطلب والضغط المصري، وألقت بفشل كل اجتماع حواري على حركة فتح حفاظاً على علاقاتها مع مصر باعتبارها البوابة الوحيدة لغزة نحو العالم الخارجي، في هذه الأثناء فتحت الأنفاق في عهد مبارك بل تم اختراق الحدود لمرتين، ولم تتخذ القيادة المصرية أي إجراء سوى الإبقاء على هذه الأنفاق بشكل عملي ومحاولة إرضاء الجانب الإسرائيلي والأمريكي بشكل نظري عبر إغلاق معبر رفح بشكل متقطع، وبالتالي فإن قراءة هذه المعطيات في ظل سيطرة حماس على غزة يمكن أن نرى حيادية واضحة في الموقف المصري، لكن حماس أخطأت بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نهاية عام 2008 عندما شنت هجوماً لاذعاً على القيادة المصرية وحشدت عبر إعلامها ومناصريها في الوطن العربي ضد مواقف سياسة مبارك، ظنا منها أن ذلك قد يحرج القيادة المصرية لتفتح معبر رفح بشكل دائم. وفي عهد الرئيس مرسي أصبح ملف المصالحة الفلسطينية شبه مجمد نتيجة الأزمة الداخلية في مصر، ولم نر اجتماعات وحوارات فلسطينية- فلسطينية تحتضنها القاهرة بالقدر الذي كان في عهد مبارك، بل تفاجأ الفلسطينيون بالخطوة التي أقدم عليها مرسي عندما استقبل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وإسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة من جهة والرئيس محمود عباس من جهة أخرى بشكل منفصل، ولم يجمع الطرفين، عموماً هذه اللقاءات حققت لحركة حماس ما كانت تنتظره بفارغ الصبر، ورغبت بوجود الطرف المصري لرعاية المصالحة . وراهنت على مرسي بقيادته الجديدة وكأن المشكلة في قيادات مصر وليس في قيادات حماس وثبت بالفعل بما لا يدع مجالا للشك أن الإشكالية تقع على عاتق حماس وليس مصر بدليل غموض موقف حماس. فى المقابل تميزت مواقف حركة فتح بالمرونة في حواراتها وذلك بإعلان مواقفها صراحة دون أي ضبابية ولم يشغل الراعي لأية حوارات شغلها الشاغل بل تعاطت مع المتحاورين وتمكنت من تسجيل مواقف على حركة حماس وقامت بإحراجها عندما كانت تضع الكرة في ملعبها لكن حركة فتح لم تظهر مرونة في صفوفها الداخلية وطغت خلافاتها بشكل كبير ما جعلها عرضة لانتقادات جمة استغلتها حماس لتحسين صورتها، كما يؤخذ على فتح أنها لم ترم بثقلها على المصريين باتجاه انجاز المصالحة بل تركت حماس لتمارس مناوراتها السياسية بأنها حليف للقيادة المصرية الجديدة. قامت الحركتان بممارسة سياسة تسويقية للمواطن الفلسطيني بأن المصالحة مرتبطة بالراعي الأساسي لها وجعلت لسان حاله يقول كيف كانت ستتم المصالحة إذا كان مبارك "فتحاوياً" وكيف سيتم تنفيذها إذا كان مرسي "حمساوياً"؟