"الجماعة" توهمت أنها أمام فرصة استثنائية لاختطاف ولاية مصر إن تمكين جماعة الإخوان من اختطاف السلطة القضائية, وليس تطهيرها, هو غاية تقدمها ومواليها بمشروع قانونها المشبوه الي مجلس الشوري. وليس التلويح بخفض سن إحالة القضاة للمعاش سوي مذبحة غير مشروعة وغير مسبوقة لا غرض ولا تفسير لها سوي أخونة القضاء بإحلال أعضائها ومواليها. وليس نبذ أحكام القضاء ببراءة لقتلة ومصابي ثورة25 يناير هو الدافع; فقد حكم القضاء بما توافر أمامه من أدلة, وفي ظل غياب تشريع للعدالة الانتقالية. وقد حجب حكم الإخوان ما زعم امتلاكه من أدلة جديدة لإعادة المحاكمات, فأهدر ذريعته لعزل النائب العام وتعيين آخر بالمخالفة مع الدستور والقانون. وتواطأت الجماعة مع الحكم الانتقالي علي الغدر بالثورة, ثم استحل حكمها إزهاق أرواح وإراقة دماء المزيد من الشهداء والمصابين, بعد أن أعاد مشروع التمكين الشرطة الي دورها المقيت في قمع وقتل معارضي النظام. وواصلت جماعة الإخوان, وقد تحولوا من ضحايا الي جلادين, ارتكاب جرائم النظام السابق, وتريد تجنب محاكمة مرتكبيها والمحرضين عليها والمسئولين عنها في ظل حكمها. وقد كتبت, وأكرر, أن جماعة الإخوان قد توهمت أنها أمام فرصة تاريخية استثنائية لاختطاف ولاية مصر وإعادة بنائها; ليس لتنفيذ مشروع النهضة, الذي تأكد غيابه, وإنما لفرض مشروع تمكينها. وتأتي هجمة الجماعة علي السلطة القضائية في سياق استهداف تمكينها من السيطرة علي مؤسسات الدولة من جيش وشرطة ومخابرات وقضاء وأجهزة رقابية, وترهيب مشيخة الأزهر وتقييد وسائل الإعلام والجمعيات الأهلية والتنظيمات النقابية وأحزاب المعارضة!! لبناء دولة طغيان علي خطي ولاية الفقيه الإيرانية; في عجلة يحركها وهم يفوق قدرات الجماعة وحلفائها ومواليها, ويتناقض مع معطيات الواقع المصري والعالمي!! فكان تقديم مشروع القانون المخالف لنصوص دستورهم الي مجلس الشوري; غير الممثل للأمة المصرية; بنسبة ناخبيه الهزيلة وبتحصينه ضد الحل المؤكد بإصدار الاعلان الدستوري المنعدم ثم بحصار المحكمة الدستورية وإرهاب قضاتها لمنعها إصدار حكم بطلانه, والممارس لاختصاصات مجلس النواب, ومنها التشريع بل وإقرار الموازنة العامة للدولة, خلافا لنصوص الدستور المعيب وغير المتوافق عليه. والواقع أن استقلال القضاء يرتكز الي مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها في دولة القانون الديمقراطية, ويستهدف حماية القضاء من محاولات الاحتواء والإخضاع من جانب السلطة التنفيذية في النظم السلطوية والشمولية والفاشية. وأكتفي بالإشارة لثلاث حقائق. الحقيقة الأولي, أن ثمة مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين, وأقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام.1985 ومنها أن تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه في الدستور والقوانين, وأن تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها علي أساس الوقائع ووفقا للقانون دون أية إغراءات أو تهديدات أو تدخلات من أي جهة ولأي سبب وأن تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت تدخل في نطاق اختصاصها حسب القانون, وألا تخضع الأحكام التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر, وألا تنشأ هيئات قضائية تنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية, وأن توفر كل دولة عضو الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة. والحقيقة الثانية: أن مبادئ الوثائق الدولية المذكورة تضمنت أن يكون لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين الحق في التمتع بحرية التعبير والاعتقاد, وتكوين الجمعيات والتجمع لتمثيل مصالحهم وحماية استقلالهم القضائي, وألا يتعرض القضاة في اختيارهم وتعيينهم في المناصب القضائية للتمييز علي أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الأصل الاجتماعي أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء, وأن يضمن القانون للقضاة شروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي واستقلالهم وأمنهم وحصولهم علي أجر ملائم وسن تقاعدهم, وأن يتمتع القضاة بضمان بقائهم في منصبهم إلي حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية, أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب, وأن يستند نظام ترقية القضاة إلي الكفاءة والنزاهة والخبرة, وألا يكون القضاة عرضة للإيقاف أو للعزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم, وعدا قضايا الاتهام الجنائي وما يماثلها تكون قرارات التأديب أو الإيقاف أو العزل قابلة لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة. وهكذا, يبقي القضاة في مناصبهم لحين رغبتهم بالتقاعد أو لحين بلوغهم السبعين من العمر في المملكة المتحدة, وحتي الخامسة والسبعين من العمر في كندا, ومدي الحياة في الولايات المتحدة. والحقيقة الثالثة: أن حكم الإخوان في مشروع التمكين قد أهدر مبادئ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء ودولة القانون والمواثيق الدولية الملزمة لمصر. فقد أهدر قرار الرئيس المدني المنتخب أحكام القضاء بإعادة مجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية العليا, ثم أصدر الإعلان الدستوري المنعدم بتحصين قراراته والجمعية التأسيسية ومجلس الشوري ضد أحكام القضاء وعزل النائب العام, وتعيين آخر بالمخالفة للقانون والدستور. وقامت جماعة الإخوان بحصار المحكمة الدستورية وإرهاب قضاتها لتمرير ما نص عليه الإعلان بعد خديعة إلغائه تحت ضغط مظاهرات الموجة الثانية للثورة. وأهدر الدستور المعيب اختصاصات أصيلة للمحكمة الدستورية, وتضمن مادة انتقامية لاستبعاد قضاة بعينهم. وقد تحول ضحايا المحاكمات الاستثنائية الي جلادين يهددون معارضيهم بالإجراءات الاستثنائية. وتمهيدا لإصدار قانون مذبحة القضاء نظمت الجماعة جمعة ترهيب القضاة, ثم انتهكت الدستور الذي مررته بليل بمؤامرة تقديم مشروع قانون السلطة القضائية الي مجلس الشوري, غير الممثل للأمة وغير المنفرد بحق بالتشريع. وباختصار فإنه لا سلطة قضائية مستقلة في مشروع تمكين جماعة الإخوان لإقامة دولة الفقهاء والخلافة, الشمولية والاقصائية, وهو ما أكدته أسباب استقالة المستشار القانوني للرئيس ومنها محاولات اغتيال السلطة القضائية والنيل من استقلالها والاعتراض علي أحكامها!! لكن أعمدة الطغيان قد تداعت ولن تتمكن الجماعة أو غيرها من إعادة بنائها.