خبر : هل ثمة أفكار عربية جديدة؟ ...طلال عوكل

الخميس 02 مايو 2013 09:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هل ثمة أفكار عربية جديدة؟ ...طلال عوكل



عندما نقف أمام تصريحات رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري بعد لقائه ـ لجنة المتابعة العربية مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري، نتذكر ما قاله الشيخ حمد بن جاسم، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة خلال العدوان الأخير على قطاع غزة في شهر تشرين الثاني العام الماضي.الشيخ حمد تحدث في حينه واصفاً المسؤولين العرب بالنعاج، لأنهم لم يكونوا على مستوى الأعباء والمسؤوليات التي تواجه شعوبهم وأمتهم. الشيخ جاسم طالب زملاءه من وزراء الخارجية العرب بالوقوف جماعياً وفي وقت قريب لمراجعة التجربة السابقة منذ بداياتها لاستخراج دروسها وبناء استراتيجيات جديدة. الحديث كان مُنصبّاً على العدوان الإسرائيلي، وعلى مسيرة التسوية الفاشلة، وعلى عجز العرب عن حماية الفلسطينيين، أو مساعدتهم على استخلاص حقوقهم المشروعة.يبدو أن الاجتماع الموعود قد وقع تحت عناوين مختلفة، ولكن المراجعة الشاملة لم تتم، وبدلاً منها جرت مراجعة شكلية سريعة لم تكن مقصودة، ولكنها أنتجت في قمة العرب الأخيرة في الدوحة، قرارا بإرسال وفد وزاري عربي، يمثل اللجنة العربية لمتابعة عملية السلام، للتباحث مع الأميركيين وغيرهم من الفاعلين الدوليين، من أجل دفع عملية السلام، وتذكير هؤلاء جميعاً بأن العرب يقفون خلف الحقوق الفلسطينية.من حيث المبدأ، من غير المقبول أن تكون قطر، واجهة الأمة العربية ورأس قطارها نحو النهوض، فلا حجمها، ولا إمكانياتها، ولا سياساتها، ودورها، يؤهلها لأن تتصدر الحراك السياسي العربي، نحو التغيير والتقدم والنهضة. ولكن حين يكون الأمر على النحو الذي هو عليه، فإن على الوطنيين والثوريين العرب، مهما كانت انتماءاتهم، أن يتفحصوا جيداً أمورهم، وأن يتوخوا الحذر الشديد، حتى لا ينزلوا فيما لا يحبون ولا يرغبون. التصريحات التي أدلى بها الشيخ جاسم بعد لقاء الوفد مع جون كيري، لاقت ترحيباً كبيراً من قبل الجانب الأميركي ومن قبل وزيرة العدل ومسؤولة ملف المفاوضات الإسرائيلية تسيفي ليفني. هؤلاء اعتبروا موافقة جاسم والوفد على مبدأ تبادلية الأراضي، تعديلاً مهماً على مبادرة السلام العربية، يستحق الوفد عليها كل التقدير.الضالعون في السياسة يعرفون أن الموافقة على تبادلية الأراضي من قبل لجنة المتابعة الوزارية العربية لا يعني شيئاً، فالفلسطينيون كانوا قد وافقوا على هذا قبل نحو ثلاثة عشر عاماً حين جرى تضمين تفاهمات طابا العام 2000 بنداً بهذا الخصوص، ومنذ ذلك الوقت لم يتخل الفلسطينيون عن تلك الفكرة، في حال كانت هناك مفاوضات جادة ومثمرة، ولذلك فإن الترحيب الأميركي الإسرائيلي بما تقدم لا يملك ما يبرره إلاّ إذا كان هناك فعلاً، استعدادات عربية لإدخال تعديلات جوهرية على مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت العام 2002.من حيث المبدأ فإن النظر إلى تصريحات الشيخ جاسم بخصوص تبادلية الأراضي، ينطوي على استعداد مبدئي، أيضاً، لفتح المبادرة أمام تعديلات أخرى قد تفرضها ضرورة المساهمة العربية في دفع عملية السلام، الأمر الذي تسعى من أجله الإدارة الأميركية.ربما كان المسكوت عنه هو الأكثر أهمية والأشدّ خطورة، فتصريحات الشيخ جاسم تجاهلت حق عودة اللاجئين وتجاهلت، أيضاً، الحقوق العربية في القدس. وبالمناسبة فإن الاستيطان اليهودي في القدس غير مشمول ومن غير الممكن أن يكون مشمولاً بفكرة تبادلية الأراضي. في الأساس كانت الولايات المتحدة قد طالبت العرب مؤخراً بتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل على الفور، وربما كانت ترغب في أن يقبل العرب تعديل مبادرتهم السلامية، بحيث تبدأ بالتطبيع الشامل مع إسرائيل لا أن تنتهي بها كما تنص المبادرة. أميركا وإسرائيل تريدان من العرب أن يدفعوا ثمن التسوية مقدماً، وبدون أن يملكوا أية ضمانات بأن تسوية تؤدي إلى استرجاع الحقوق الفلسطينية يمكن أن تتم بشكل مضمون. وتريد واشنطن من قطر وتركيا، وربما من لجنة المتابعة العربية السعي من أجل احتواء حركة "حماس" والحركات الأخرى المعارضة في إطار ومربع التسوية، أو ضمان التزامها صفر معارضة، ولهذا فإن سخاء قطر واحتضانها لحركة حماس، ودفعها مئات الملايين تحت عنوان إعادة إعمار قطاع غزة، هذا السخاء لم يكن مدفوعاً بالرغبة في دعم المقاومة وبرنامجها إنما لتوظيفه في الوقت المناسب "لمساعدة" حماس على النزول من أعلى الشجرة التي يصعدون إليها. قطر ليست دولة ممانعة ولا دولة مقاومة ولا يمكنها أن تكون كذلك، فهي عدا ما هو معروف عن سياساتها وتحركاتها فإنها لم تقطع علاقاتها بإسرائيل، ولم تغلق مكاتبها المفتوحة في الدوحة وتل أبيب. ولكن علينا أن نذكر، أيضاً، بأن مواقف لجنة المتابعة العربية المعلن منها وغير المعلن، إنما توفر غطاءً عربياً سياسياً، تحتاجه القيادة الفلسطينية، التي تنتظر توفر المناخات والشروط المناسبة للعودة إلى طاولة المفاوضات. ليس كل الكلام يمكن البوح به في هذه العجالة، ولكن علينا أن نراقب تطورات الوضع الفلسطيني الداخلي فيما يخص المصالحة، وتحرك المواقف والاتجاهات، والسلوك الإسرائيلي تجاه الضفة الغربية وغزة الأمر الذي يوحي بأن حركة "حماس" مقبلة على مرحلة صعبة.