منذ تولى أوباما ولايته الثانية رئيسا للولايات المتحدة وعلامات الاستفهام تحيط بما يفكر به إزاء أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وأين مكانة الشرق الأوسط في قلب هذه السياسات؟ وكيف ينظر إلى القضايا الساخنة فيه؟. الاستفهامات كانت أكثر غموضا وإرباكا حينما زار المنطقة ومكث عدة أيام فيها قضا جلها بين تل أبيب ورام الله أغرقها بالخطب والتصريحات والأحاديث الاستعراضية الذي خلطت بين التاريخ والخلفيات الحضارية والصراعات القائمة بصورة شتت تركيز المراقبين إزاء مواقفه مما يجري في المنطقة، وما يريد من أحاديثه، ومما زاد من الغموض والضبابية هو ترك خلفه وزير خارجيته في جولة متابعة بل وجولات للمتابعة في المنطقة في رحلات تذكرنا بالرحلات المكوكية لمبعوثي الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط أو إلى السلام في المنطقة في عهد الإدارات السابقة. ثم تلا ذلك جولة وزير دفاعه هيجل الموصوف بأنه ضد لا يدعم الحروب حمل معه خلالها سلسلة من العقود العسكرية تزيد عن عشرة مليارات دولار. إلى هنا بدت الأمور وكأن الإدارة الجديدة لأوباما في ولايته الثانية تحاول أن تقوم بعملية مسح روتينية لما يجري في المنطقة، واستكشاف مجالات الحركة والعمل فيها في محاولة لتدارك القصور والإهمال الذي خلفته هيلاري كلينتون أثناء وجودها في البيت الأبيض، وانشغال أوباما بالشئون الداخلية وبعض الملفات الدولية التي ورثها عن سلفه الرئيس بوش الابن. لكن بعد نحو أسبوعين من زيارة أوباما للمنطقة شهدنا تصعيد وتحشيد إزاء الأوضاع في المنطقة وإغراقها في سيناريوهات الحروب المحتملة، وحجم المخاطر والدمار الذي يتوقع أن تشهده المنطقة. وبدأ طاقم البيت الأبيض يحدثنا كل يوم عن سيناريو جديد للمواجهة المحتملة مع إيران، واحتمالات التدخل في سوريا، ومخاطر الأسلحة الكيماوية والصاروخية في المنطقة، فيما أخذت "إسرائيل" على عاتقها استكمال التعبئة في المشهد بالحديث عن قدرات إيران النووية الآخذة في التسارع باتجاه إنتاج أول الأسلحة النووية لتكسر بذلك قواعد اللعبة، وترسانة حزب الله التي تهددها بالدمار، وتنامي نشاط جماعات القاعدة على حدودها بما يهدد أمنها ووجودها وحدودها، والمخاطر الكامنة في قدرات حماس في غزة والانفلات الأمني في سوريا. والقائمة تطول في عملية التعبة باتجاه مخاطر المواجهة العسكرية المتوقعة في المنطقة على أكثر من خط من خطوط التماس، وأن مؤشرات الانفجار المحتملة تبدو كما لو أنها واقعة غدا بالتدخل الدولي في سوريا، وحرب يعد له على وقع ساعات مع حزب الله، وغزو لإيران قاب قوسين أو أدنى، لحد لا يمكن للمراقب إلا أن يتخيل أن الواقعة الكبرى اليوم أو غدا في المنطقة. هذا ما يطرح السؤال التالي: لماذا هذه التعبئة المكثفة نحو الحرب في المنطقة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وما مغزى ذلك؟ وما هي احتمالات وفرضيات الحرب المحتملة؟. المشهد هذا يذكرنا بمشهد الحرب الباردة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات بل وحتى التسعينيات، التي كنا نشهد فيها جعجعة ومواجهات مزلزلة على الهواء وفي الساحة الدولية لكن سرعان ما كانت تفرغ هذه المواجهات في تفاهمات بين قادة البلدين رغم أن هذا لم يمنع المواجهات غير المباشرة هنا او هناك. الصورة اليوم تبدو قريبة لحد بعيد في المنطقة لما كان بالأمس. فعملية التعبئة الجارية والتي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل وتجر لها حلف الأطلسي وبعض الأقطاب الحلفاء في المنطقة تسير في نفس السياق. حيث ترمي هذه التعبئة إلى: · إغراق المنطقة في حروب بين القوى المتنافسة لأطول مدى ممكن واستنزاف قدراتها وطاقاتها العسكرية والاقتصادية، وتعميق حجم الدمار فيها، وزيادة حجم التناقضات والخلافات فيما بينها، وإنهاك قواها وإفراغ طموحاتها وتطلعاتها الوطنية والقومية بما يبقي التفوق النوعي والاستقرار لصالح دولة الكيان. · إعادة هيكلة وبناء التحالفات والعلاقات الإقليمية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين بعض الأقطار الحليفة لها في المنطقة كما شهدنا ذلك مع الأردن وإعادة تأهيله كقاعدة متقدمه للتدخل في المنطقة وممارسة العمليات الاستخبارية والأمنية في المناطق المضطربة، ورسالة هيجل للقاهرة باعتبارها حليف دائم للولايات المتحدة، والنشاط الأمني الإسرائيلي المصري، وإعادة تفعيل الشراكة مع تركيا أمريكيا وإسرائيليا. · تنشيط أسواق المنطقة مع الاحتكارات والتكتلات التجارية والعسكرية الأمريكية لمساعدتها على معالجة أزماتها المالية وتنشيط حركة اقتصادياتها كما شهدنا ذلك في سلسلة العقود العسكرية، وعقود المعارضة السورية غير العسكرية بعد مساعدتها على تصدير النفط والحصول على تمويلات من دول مجموعة أصدقاء سوريا، والوفود الأمريكية التي تنشط في المنطقة خصوصا في دول الخليج للحصول على مكتسبات حالة التوتر والحروب القائمة في المنطقة. · إعاقة محاولات التجمع التي تقوم بها بعض الأطراف في المنطقة من اجل بناء جبهة مواجهة لإسرائيل في المنطقة، وإتاحة الفرصة أمام إسرائيل لإعادة التكيف مع الأخطار والتهديدات التي تواجهها في المنطقة. للتواصل: omar_60_66@yahoo.com