خبر : مناورة أوباما الغامضة ضد إيران ..حسين حجازي

السبت 27 أبريل 2013 09:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
مناورة أوباما الغامضة ضد إيران ..حسين حجازي



جميعهم حلموا كل على طريقته بشرق أوسطه الجديد، المتخيل والافتراضي، وكان تصورهم لهذا الشرق ينطلق من افتراض، أن هذا الشرق الأوسط هو موضوع للتنافس أو الصراع. وأن من يسيطر عليه يسيطر علي العالم. هكذا حلم الطوباويون القوميون العرب، والبعثيون والناصريون والماركسيون كما ممثل الإسلام الراديكالي الجديد. وهكذا حلموا في لعبة الأمم منذ الإسكندر المقدوني والقياصرة الرومان، مروراً بالعصر الحديث بنابليون بونابرت وانتهاء بممثلي الرأسمالية الاستعمارية المتوحشة، على ضفتي الأطلسي أوروبا وأميركا. وفي الطبعة المتأخرة إسرائيل، التي عبر عن تصورها شمعون بيريس في كتاب ألفه ويحمل ذات العنوان (شرق أوسط جديد). ولقد فهمنا في غضون الأحداث الكبيرة والمتلاحقة، على مدى النصف الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول الدامي والعنيف من هذا القرن كنه تلك التصورات والخطط السياسية كما الحربية والأهداف التي طمحت إلى تحقيقها تلك المجموعة المزدهرة طوال الوقت من المتنافسين، سواء الإقليميون المحليون أو الدوليون. لكننا اليوم نقف متلعثمين حقاً، أمام الكشف أو سبر أغوار تلك الرؤيا التي يتبناها باراك اوباما آخر هؤلاء الممثلين في لعبة الأمم الجارية أمامنا في الصراع على الشرق الأوسط، ولعله أخطرهم وأكثرهم دهاء ومكراً. إذا كان هو الوحيد وعلى غرار بعض أبطال شكسبير، الذي يتحدث بلسانين في آن معاً، إزاء تصوره الفعلي للشرق الأوسط. فما هي هذه الاستراتيجية الفعلية التي يمارسها الرجل، ولماذا تبدو هذه الاستراتيجية في التحليل كما لو أنها تسير على قدمين متعارضتين، أو كسياسة مزدوجة في الاختلال بين الأقوال والأفعال. وأين تكمن هنا حدود المناورة وماهية الخطط والإجراءات الفعلية، التي يجري البناء عليها، وجهة الهجوم الرئيسي. وما هو المفهوم المؤطر للاستراتيجية: الاحتواء أم الردع وإعادة تشكيل التوازن، أم الانكفاء وتقليص الخسارة. أولوية الدبلوماسية عبر إعادة تركيب التحالفات والتطويق، أم الاستعداد للحرب سواء بصوره مباشرة أو غير مباشرة؟ وما مدى ثبات أو مصداقية العبارات والكلمات التي يمكن أن يتعهد بها الزعماء من أمثال باراك اوباما، إذا كان باراك اوباما الثاني نفسه لا يثق في خطابه الي الشعب اليهودي بالزعماء السياسيين أقرانه. وخصوصاً حين يكونون منخرطين بجماع قوتهم في مواجهة تحديات معقدة وصعبة. التعهدات الشهيرة إياها التي قدمها اوباما عن نبذ الحرب والتأكيد على خيار التفاوض والدبلوماسية.أين يكمن إذاً هذا التفسير الحقيقي بالأخير، إذا كانت استراتيجية الرجل في البيت الأبيض تحيرنا، وتثير قدراً من التناقض والغموض بعمل وقول الشيء ونقيضه، وهاكم الأمثلة: 1- وزيرا الخارجية والدفاع معاً في الوقت نفسه الزمان وفي المكان عينه. السلم والحرب معاً، الدبلوماسية وعقد التحالفات إلى جانب صفقات الأسلحة الأضخم. الدبلوماسية كخادم للحرب المقبلة التي يجري تحضير وقود نارها حول الهدفين الرئيسيين إيران وسورية، أم الإجراءات السياسية كبديل عن خيار الحرب؟ أو هي السياسة كامتداد للحرب ولكن بوسيلة أخرى ؟ هي الحرب بالوكالة وإدارتها من المقاعد الخلفية؟2- الاتفاق مع روسيا على تفاهمات جنيف وإعطاء الانطباع بالموافقة على الحل السياسي للأزمة السورية وإثارة الانطباع بإقرار هذا الخيار السلمي بالتوافق مع روسيا، وفي الوقت نفسه الشروع من الباب الخلفي بإرسال مئتي خبير عسكري من العمليات الخاصة إلى الأردن لتدريب المجموعات المسلحة من المعارضة السورية لدفعهم باتجاه حسم المعركة في دمشق. والاستعداد لتدخل عسكري بإعداد المناخ الدولي العام ومسرح العمليات لسيناريو على طريقة ما حدث في العراق، بادعاء استخدام النظام السوري لأسلحة كيماوية.3- التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي وإعطاء انطباع بان خيار الحرب لم يحن بعد ولكن بالمقابل ينصب جزء كبير من جهد وزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة على إعادة تركيب طوق من التحالفات لا يختلف من الناحية الجوهرية عن التحالف الذي عقده جورج بوش الأب وجيمس بيكر أوائل التسعينات لإخراج العراق من الكويت. تحالف يضم هذه المرة إسرائيل عبر مصالحتها مع تركيا إلى جانب الأردن ودول الخليج وذالك لتطويق إيران بحزام من النار. ويمكن استخدام هذا الحزام ضد سورية كخيار لاحق أيضا في حال خرج بشار الأسد من الأزمة التي يمر بها نظامه في سورية منتصراً.وهكذا يبدو واضحاً وفقاً لهذا السيناريو أو التحليل أن باراك اوباما يحاول أن يمسك بيده جميع الخيارات وأوراق القوى إما للاتفاق على تسوية كبرى يعقدها مع روسيا وإيران حول جميع الملفات أو للاستعداد للحرب عبر الوكلاء المحليين، في عودة إلى استراتيجية الشرطي الإقليمي الوكيل القديم وهو إسرائيل في هذه الحالة أيضا كما في الماضي القريب.4- هل لهذا السبب إذاً قد يقودنا هذا التحليل إلى لحظة من الكشف عن كنه الوظيفة العملية لجولات جون كيري المكوكية بين رام الله واسرائيل ؟ بإعادة إحياء مقاربة جورج شولتز القديمة أواسط الثمانينات، لحل القضية الفلسطينية وفق المقاربة الاقتصادية مع الأردن واسرائيل، بديلاً عن الحل السياسي بهدف اللعب على ورقة كسب الوقت الراهن، بانتظار بلورة وتظهير طبيعة الخيارات المرجحة في مقاربة الأزمة السورية والإيرانية. وانه بهذا المعنى قد نكون اليوم إزاء نوع من التشبيك الإقليمي، يبلغ فيه الكباش السياسي والحربي حداً لا يبان منه الخيط الأبيض من الأسود. وفي إطار هذا الصراع المحتدم قد تبدو مقاربة وحل القضية الفلسطينية جزءاً من هذا التشابك الكبير في الصراع حول صورة هذا الشرق الأوسط الجديد.5- أم أن ما يحدث بالفعل ليس من قبيل هذا الرابط أو التشبيك الإقليمي القائم على التأجيل في حسم تسوية الملف الفلسطيني الإسرائيلي، إذا كان المفهوم الذي يؤطر الاستراتيجية هنا هو الاحتواء وتدعيم التوازن وصولاً إلى تحقيق الهدف الرئيسي، وهو تقليص حجم الخسارة أو الانكفاء مع الحفاظ على جوهر المصالح الحيوية لأميركا في المنطقة، وحصراً بمنابع النفط في السعودية والخليج وأمن اسرائيل. وهكذا وفق هذا التصور فان صفقات السلاح الأكثر ضخامة التي أبرمتها إدارة اوباما مع اسرائيل والسعودية ودولة الإمارات العربية إنما تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف: تمكين هذه الأطراف العربية والاسرائيلية مجتمعين من تحقيق التوازن العسكري والردع في مواجهة الخطر الإيراني المتعاظم في المنطقة، وبما يؤدي الى كسر الحاجز النفسي في إظهار التضامن المشترك بين اسرائيل والعرب ضد عدو مشترك. وثانياً تقديم نوع من الرشوة المغرية لاسرائيل عبر إشباع رغبتها المتواصلة في تحديث قوتها العسكرية على سبيل طمأنتها ولكبح محاولتها الانفراد بمغامرة عسكرية غير محسوبة تفاجئ الأميركان ضد إيران. والضغط عليها لاحقاً ربما لدفعها إلى تقديم ثمن هذه الرشوة بتنازلات تقدمها في المفاوضات مع الفلسطينيين. ثالثاً مغازلة مجمع الصناعات العسكرية الذي يخضع لنفوذ الجمهوريين على أمل التوافق الداخلي حول مقترحات اوباما لضبط الميزانية وحل الأزمة الاقتصادية.والواقع أن هذا التصور الأخير قد يكون هو الاحتمال الأقرب إلى الحقيقة أو الواقع. إذا كان الخيار الحربي والتمدد لحسم الصراع مع المعسكر الإيراني والسوري وحزب الله سواء عبر التدخل في سورية أو محاربة إيران يعني تجاوز خطوط حمراء مع روسيا والصين، دونه صدام مسلح مباشر بين الجبارين. ومن المؤكد أن أميركا والغرب في ظل أزمتهما الاقتصادية ليسا في وارد دفع تكلفة حرب عالمية ثالثة يكون مسرحها هذه المرة الشرق الأوسط، تأتي على الأخضر واليابس، حقول النفط واسرائيل على حد سواء. ولذا قد تكون هذه المناورة التي تجري أمامنا على الطريقة الاوبامية، الإغراق بالسلاح مقدمة للتفاوض على الملفات الكبرى والسلام.ويمكن أن نتحقق الآن من أرجحية هذا الافتراض من واقع أن ثمة بديلاً للحرب من وجهة نظر تحقيق أهداف الحرب، وهذا البديل المركب أو المزدوج قوامه التالي: إشعال نار الفتن الداخلية في معسكر العدو، العراق ولبنان اليوم، وانتظار فرصة الانتخابات الإيرانية القادمة لتحريك هذه النيران مجدداً. وسحب الورقة الفلسطينية من المزايدات الأيديولوجية الإيرانية عبر تسوية القضية الفلسطينية دون تأجيل، ودمج "حماس" في معسكر الاعتدال الجديد الذي يضم قطر وتركيا ومصر، لنزع الغطاء عن شعار المقاومة والممانعة لهذا المعسكر. ولهذا السبب يرجح أولوية التسوية على الجبهة الفلسطينية.