خبر : صَوِّتُوا لِعَسّاف الفلسطيني ...طلال عوكل

الخميس 25 أبريل 2013 11:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT
صَوِّتُوا لِعَسّاف الفلسطيني ...طلال عوكل



لا بأس أن يختلف الفلسطينيون في قضايا كثيرة تتعلق بالأحداث، وتفاصيل الحياة اليومية، فهذه طبيعة وسُنّة المجتمعات الراقية، طالما أن الكل متفق وموحّد حول القضايا الكبرى، كقضية الوطن، والأرض، والحرية، والأهداف، والحقوق الوطنية الأساسية، والهُويّة والثقافة. في القضايا المتّفق عليها حتى التي تنتمي إلى التفاصيل، ينبغي أن نخوضها بشكل موحّد كل من موقعه وحسب إمكانياته، وظروفه، مثلما يحصل بالنسبة للموقف من حقوق الأسرى التي تتعرض أبسطها لانتهاكات سلطات الاحتلال وكما يحصل إزاء تهويد القدس، والاستيطان، والعدوانات الحربية.الكل خاض معركة الأسير البطل سامر العيساوي، لكنه كان الأول والمبادر والذي تحمّل الكثير الكثير، حتى حقق بقوة إرادته انتصاراً على العدوّ، حين أرغم جلاّديه على الخضوع والموافقة على تمديد مدة اعتقاله لثمانية أشهر يخرج بعدها إلى القدس، وليس إلى المنافي كما حاولت قوات الاحتلال أن تفعل.. هنيئاً للعيساوي انتصاره ونتمنى أن يُراكم الأسرى المزيد من الانتصارات، إلى أن يتحقق الانتصار الأكبر الذي لا يتحقق إلاّ من خلال مراكمة المزيد والمزيد من الانتصارات الصغيرة والجزئية. لست أدري كيف يمكن قراءة الانتصار الذي حققه العيساوي ولكن ثمة حاجة ماسة لدراسة التجربة من قبل الحركة الأسيرة على نحو يؤدي إلى تحقيق المزيد من الانتصارات، دون أن يكون سلوك وتجربة العيساوي نموذجاً حصرياً. ومثلما انهمرت دموع الكثيرين عندما علموا بنتائج الاتفاق بين محامي العيساوي وجلاّديه، تنهمر دموع الكثيرين حين يشاهدون الفنّان الواعد محمد عسّاف، وهو يعتلي مسرح برنامج "عرب أيديل"، وهو يُغنّي لفلسطين وباسمها.عيساوي وعسّاف، كلاهما يحملان عنواناً واحداً، وهو عنوان فلسطين، والقضية الفلسطينية، ولأنهم كذلك فإن الدموع تنهمر فقط من مآقي الوطنيين الفلسطينيين، الذين يهزّهم اسم فلسطين. عسّاف يُلهِب المشاعر الوطنية للمواطنين الأسوياء، خصوصاً حين يُعرِّف عن نفسه، بالإشارة إلى أنه من منطقة خان يونس، في قطاع غزة، دون أن ينسى التأكيد على أنه فلسطيني. تسأل الأطفال عن سبب حماستهم للتصويت لصالح عسّاف، رغم أن ثمن الرسالة باهظ بالنسبة لهم، فيأتيك الجواب بأنه فلسطيني ويُغنّي لفلسطين وباسمها. ومثلما تفرح لمثل هذه المواقف تُصاب بالحزن الشديد لأن بعض الناس الذين يعكسون بعض الاتجاهات الفكرية فوق الوطنية يقومون بالتشهير بمثل الفن الذي يُؤدّيه عسّاف، ويستخدم بعضهم منابر المساجد الأمر الذي يعكس اختلافاً في الثقافة، وفي الموقف من التراث والفولكلور الوطني وفي طبيعة النظرة للوطنية الفلسطينية.نفهم أن لا تستجيب شركات الاتصالات، لدعوات المواطنين الذين ينتظرون منها أن تطلق حملة مجّانية للاتصال والتصويت، فالمسألة هنا تتصل بالمصالح، وربّما بطبيعة الاتفاقيات بينها وبين الجهات المسؤولة عن هذا البرنامج الفني، الذي يتقصّد تحقيق أعلى ربح ممكن من خلال التصويت ومن خلال الإعلانات.ولكن أليس بالإمكان تخفيض أسعار المكالمات والرسائل، بما يحقق التوازن بين الوطنية الفلسطينية والمصالح الخاصة؟ أم أن المصالح الخاصة هي التي تحظى بالأولوية المطلقة تماماً كما هو حال الذين يُحرِّضون على محمد عسّاف، والفن الذي يشارك فيه ويؤدّيه؟ثمة سؤال يتصل بأشكال المقاومة، لاحتلال يسرق الأرض والتاريخ، والحقوق، ويسرق التراث والفن، لأنه لا فنّ ولا تراث ولا تاريخ ولا حضارة له. لقد حاول الاحتلال أن يسرق الثوب الفلسطيني المطرّز، وأن يسرق مفردات التراث بما في ذلك بعض الأكلات الشعبية فما بالنا نحن الفلسطينيين، أو بعضنا ممن يستبدلون هذه الرموز برموز أخرى بذريعة السترة، أو الأسلمة، أو منع الاختلاط.. لقد علّمنا "الهاكرز" درساً جديداً في ابتداع أشكال المقاومة الفعّالة، وأعتقد أن الموسيقى والفن، الذي يخاطب العقول والقلوب بدون ترجمة هو واحد من أهم أشكال المقاومة، والتفاهم مع الشعوب الأخرى.وفي السياق ذاته، كنت أتمنّى لو أن كل المسؤولين الفلسطينيين من كل الاتجاهات المختلفة، شاهدوا احتفال كورال السنونو، الذي أبدعته منذ بضع سنوات الفرنسية إيلينا روستروبوفيتش وعدد قليل من زميلاتها الفرنسيات المؤمنات بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في الحريّة فضلاً عن إيمانهن بقيم الموسيقى والفن.في هذا العام وقبل يومين أقامت روستروبوفيتش احتفالاً في صالة فندق الاركميد على بحر غزة، يتكامل في اطار مشهد واحد عَبر الربط بالأقمار الصناعية، مع فرق لأطفال فلسطينيين بزيّ مُوحّد وأداء مُوحّد في لبنان والأردن، وسورية والضفة الغربية، وكنا نتمنى لو أن المشهد يكتمل بمشاركة أطفال فلسطين في الأراضي المحتلة منذ العام 1948.أكثر من ألف طفل فلسطيني غنّوا بشكل جماعي لفلسطين وباسمها، والتزموا أغاني تراثية فلسطينية بشكلٍ عصري، ألهب مشاعر المشاهدين حتى انهمرت الدموع من عيون المئات. روستروبوفيتش بالتأكيد ما كان لها أن تنجح، وأن تنتصر لقضيتنا من دون تعاون مع وزارة الثقافة و"الأونروا"، والمدارس، ومؤسسة التعاون ومعهد ادوارد سعيد للموسيقى، وبعض معاهد الموسيقى في دول الشتات الفلسطيني. عندما تتحدّث السيدة روستروبوفيتش تشعر بأنها فلسطينية الجذور والانتماء أكثر من بعض الفلسطينيين، وهذا مدعاة للأسف.