خبر : الإنترنت وظاهرة الإرهاب ...سالم سالمين النعيمي

الأربعاء 24 أبريل 2013 12:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإنترنت وظاهرة الإرهاب ...سالم سالمين النعيمي



الإنترنت هو مجتمع قائم بذاته، لا تحده حدود ولا يحتاج الإنسان لجواز سفر ليسافر افتراضياً من خلاله عبر القارات ويتواصل مع العالم أجمع، كما أنه نوع من السفر عبر الزمن، فأصبح التأثر والتأثير بالآخر أمراً حتمياً وفق جماهيرية طاغية للبرامج والأنظمة الحديثة. وأول من جذبه التطور الطردي السريع للعالم الافتراضي وأهميته في التواصل الاجتماعي هي الجماعات الإقصائية الدينية واللادينية منها من مختلف الديانات والتوجهات الفكرية والتنظيمات، ومن مختلف الجنسيات والثقافات والحضارات، فأضحت العقول قبوراً تتحرك، تحلم بخيوط النور التي جاءت من الأزل، ولم تستقر فيها لتعيش تلك المخلوقات البشرية في سجون الذات تحسب أن مثواها الأخير هو الجنة كمكافأة ربانية لها علي اغتيال الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال العزل، ونشر الذعر بين الناس. وهدم استقرار المجتمعات الآمنة، مواصلة إصرارها على الانغماس في عبودية الروح والفكر، وعدم احتضان النور الكلي، وهو العدالة الإلهية المتمثلة في أن من قتل روحاً واحدة كأنه قتل البشرية أجمع، فليس الإرهابي فقط من يقوم بعمل شنيع يزهق فيه الأرواح، ويوقع الضرر والخراب بالممتلكات والبيئة، ويرهب النظم المجتمعية والسياسية، ويسعى لكسب سياسي معين وإيصال رسالة بكل الطرق والوسائل غير الشرعية والمخالفة للقوانين والتشريعات الدينية والوضعية في العالم. فحتى من يحرض على العنف والتطرف، أو يروج له ويدعمه بشتى الوسائل أو يتعاطف معه، أو يموله أو يخلق البيئة التي تؤدي له يحرض على التطرف العنيف. وينطبق ذلك على من يقوم بالتحزب باسم دين أو فكر أو منهج سياسي بغية السيطرة على السلطة السياسية وتهميش قوى المجتمع المدني، وفرض واقع معين بالقوة أو بغير القوة واستخدام العنف المادي منه والمعنوي والنفسي والفكري، وتقسيم المجتمع لفئات وجماعات، فكل تلك الممارسات تهدف لنشر ثقافة العنف والاضطهاد الفكري والروحي الممنهج المؤدي للفوضى، واختلال موازين الاستقرار والسكينة في المجتمعات. وعلى مدى العقد الماضي، ازداد عدد المواقع الإرهابية على شبكة الإنترنت من أقل من 100 إلى أكثر من 5000، ويجري استخدام هذه المواقع لنشر الخطب، والرسومات، والتخطيط للعمليات وجمع التبرعات وإدارة العمليات عن بعد، ووضع خطط وآليات التدريب، والشروحات والتفسيرات، ونشر الإشاعات المغرضة والتضليل الفكري والتجنيد الانتقائي وبث الحملات الدعائية المضادة والتكييف العقلي المتطرف للناشئة، كما تقدم تلك المواقع الدروس على صنع القنابل، وآليات التسلل للدول بصورة غير قانونية، وصناعة واستخدام العبوات الناسفة، وحتى بعض ألعاب الفيديو التي تستهدف الأطفال دون سن السابعة، التي تشجع الأطفال على الكراهية والقتل. الجماعات المتطرفة بارعة في استخدام الإنترنت لنشر المعلومات الخاطئة، وتمرير الفتاوى والأفكار الدينية والسياسية الداعمة للتغيير العنيف، فظهر مثلاً ما يعرف بشيوخ الدين الافتراضيين والفتاوى الإلكترونية. وإذا تحدثنا عن التطرف العنيف باسم الدين الإسلامي على سبيل المثال، وينطبق ذلك على بقية الديانات والمذاهب الفكرية في أمل الوصول إلى الشباب الساخطين، وإلى تجنيد المتعاطفين والداعمين الماليين، كما يتم الترويج بكثرة عبر غرف الدردشة ومواقع التسلية على شبكة الإنترنت خاصة المنتديات، بحيث يتم تحميل الأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية، وكتيبات التدريب والنشرات، ونسخ من الخطب وتعديلها لتناسب أفضل الأهداف. ومعظم الرسائل توجه إلى الأطفال والشباب دون سن 25 سنة من العمر وتستخدم مختلف اللغات. فمن خلال الإنترنت توسعت بشكل كبير قدرة الجماعات المتطرفة على التحفيز السلبي العنيف وتحريف وتزوير الحقائق، وجعلها تبدو واقعية. أحد أهداف المواقع الالكترونية المتطرفة التأثير على الرأي العام الدولي، فموقع حركة "توباك أمارو" الثورية على سبيل المثال يطرح مواضيعه باللغة اليابانية والإيطالية، بالإضافة إلى إصداراته باللغة الإنجليزية والإسبانية وموقع الحركة الإسلامية الأوزبكية، كمثال آخر يستخدم اللغة العربية واللغة الإنجليزية والروسية، وكل المواقع التي تصنف بأنها إرهابية تشن حرباً نفسية على الدولة المستهدفة عن طريق نشر معلومات مضللة ومهاجمة الرموز في كل دولة، وشن هجمات تشويه السمعة، وإضعاف المصداقية والشعبية وتضخيم التحديات التي تواجه تلك الدول، وجعلها مشاكل مستعصية يصعب حلها لزيادة القلق بين أفراد المجتمع، والتشكيك في مقدرة الحكومات في إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية، وتجمع المنظمات الإرهابية بين الدعاية بالوسائط المتعددة والتكنولوجيات المتقدمة للاتصالات لإنشاء نموذج متطور للغاية من الحرب النفسية، ما يساعد على توليد شعور واسع النطاق من الفزع وانعدام الأمن بين الجماهير في جميع أنحاء العالم. من جهة أخرى، فإن معظم المواقع الإرهابية لا تحتفل بأنشطتها العنيفة، أو تشير إليها بصورة مباشرة، ولكن بدلاً من ذلك، وبغض النظر عن أجنداتها الخاصة والدوافع، فإن معظم المواقع تؤكد على مسألتين، هما القيود المفروضة على حرية التعبير، ومحنة الرفاق القاطنين بالسجن، وهذه القضايا لها صدى قوي مع مؤيديهم وتعظم أيضاً لانتزاع التعاطف من الجمهور الغربي الذي يعتز بحرية التعبير. وتريد المجموعات الإرهابية إيصال رسالة أنها معارضة سياسية وليست عصابات مسلحة، لا تجد حرجاً حتى من زراعة المواد المخدرة لتمويل عملياتها والاعتماد على بنية تحتية خطابية عقائدية تعيد صياغة تفسير الدين أو الغاية السياسية أو الفكرية، وربطها بالإرادة الربانية لشرعنة استخدام العنف وشيطنة العدو، وجعله يظهر في صورة تجرده من إنسانيته وتحوله لمجرد هدف يقف في طريقها، وبأن العنف لديهم صغير، مقارنة بالعنف المستخدم ضدهم، وهنا يحاول الخطاب الإرهابي تحويل المسؤولية عن العنف الإرهابي للنظم الشرعية. الجماعات الإرهابية منغمسة في العالم الافتراضي بغية تطوير الأدوات والبرمجيات لإطلاق هجمات الكترونية، وخلق ونشر الفيروسات لتعطيل الدوائر الحكومية والمصالح التجارية الحيوية واستنباط حيل للقرصنة وتخريب الشبكات بما في ذلك أرقام الحسابات لجمع التبرعات، التي يمكن أن تودع من خلال مواقع الدردشة، وتكون الحسابات لشركات قانونية في مختلف دول العالم لتغطية عمليات التموين. إن التركيبة السكانية لمستخدمي الإنترنت تسمح للإرهابيين التعرف على المستخدمين، ومن المتعاطفين مع قضاياهم أو مسألة معينة، ويُطلب من هؤلاء الأفراد تقديم التبرعات، والتي تتم عادة من خلال رسائل البريد الإلكتروني المرسلة من قبل مجموعة إلكترونية داعمة للتنظيم سراً، وبالمقابل تعمل علناً وقانونيا وليس لها علاقات مباشرة بالتنظيم، كما أنه لا يتم استخدام شبكة الإنترنت فقط لجمع التبرعات من المتعاطفين، ولكن أيضاً لحشد المؤيدين للعب دور أكثر نشاطاً في دعم الأنشطة الإرهابية. المنظمات الإرهابية تلتقط المعلومات حول المستخدمين الذين يتصفحون مواقعها على شبكة الإنترنت، والمستخدمين الذين يبدون أكثر اهتماماً بقضايا المنظمة والمجندين بدورهم يستخدمون تكنولوجيا الإنترنت للتجول في غرف الدردشة ومقاهي الإنترنت بحثاً عن أعضاء جدد، خصوصاً الشباب وعادةً ما تقودك لوحات الإعلانات الإلكترونية في المواقع للوقوع في فخ تلك التنظيمات. وهنا رسالة لكل أسرة لمتابعة نشاط أولادهم الإلكتروني وتقنينه وإلى الدول لخلق برامج تمكن الأسر من متابعة نشاط أبنائهم الإلكتروني، ونشر ثقافة إدارة الأزمات الفكرية واستحداث دليل المجتمع للأمن الافتراضي الفكري.