الايكونومست / وكالات / ما لم يوسّع الرئيس المصري، محمد مرسي، حكومته فمن المرجح ان يستمر الاقتصاد المصري في الهبوط المريع. وقد قال احد رحالة القرون الوسطى، الذي تعرض للاحتيال في إحدى أسواق القاهرة، إن بعض المصريين يتصرفون «كما لو أن يوم القيامة لن يأتي أبداً». وقد يكون لصندوق النقد الدولي، الذي يحاول تقديم حزمة سخية من المساعدات لمصر منذ اندلاع الثورة في البلاد قبل عامين، مبررات مقلقة مماثلة، فبسبب سياسات البلاد الاقتصادية المتعثرة صار الاقتصاد المصري اقرب ما يكون الى الإفلاس، الا ان الحكومات المتعاقبة تجاهلت تماماً الخطر الذي يلوح في الأفق. النظام الحالي، الذي تهيمن عليه «الإخوان المسلمون»، ليس استثناء، فعلى الرغم من اختياره رئيساً للبلاد منذ تسعة أشهر، فشل الرئيس، محمد مرسي، في وضع خطة اقتصادية معقولة بما يكفي لإقناع صندوق النقد الدولي، الذي قد يؤدي تقديمه قرضاً للبلاد بقيمة 4.8 مليارات دولار الإفراج لما يصل إلى 15 مليار دولار من المساعدات متعددة الأطراف، ومعظمها بشروط سخية ، قد يؤدي الى خفض تكاليف الاقتراض بشكل عام. في وقت سابق هذا الشهر رفضت حكومة مرسي اقتراحات باللجوء الى ودائعها الموجودة في الصندوق لتمويل الطوارئ، وخوفاً من فرض تقشف قبيل الانتخابات العامة في وقت لاحق من هذا العام، لجأت الحكومة المصرية الى الاقتراض من البنوك المحلية بأسعار فائدة عالية، وناشدت الحكومات الصديقة (معظمها من منطقة الخليج العربي) تقديم النقد والوقود، وهيأت نفسها للدفع قدماً بتشريع يسمح بإصدار سندات إسلامية. إلا أن ذلك لم يجدِ فتيلاً، حيث تدنت احتياطات مصر الرسمية الخارجية، التي كانت تبلغ نحو 36 مليار دولار، قبل ثورة يناير 2011، إلى نحو 13 مليار دولار، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات. ومع ذلك لا يمكن من الناحية النظرية المساس بالقدر الأكبر من ذلك المبلغ، لأنه يتكون من ودائع وردت في الآونة الأخيرة إلى البنك المركزي المصري من الدول الشقيقة مثل قطر (أربعة مليارات دولار) والمملكة العربية السعودية وتركيا (مليار دولار لكل منهما)، أما دول الخليج الغنية الأخرى فتقول انها ليست في مزاج يسمح لها بتقديم أكثر من ذلك، ولهذا تحولت حكومة مرسي إلى العراق، ويقال أيضاً الى ليبيا، لملء خزائن البنك المركزي. وحتى لو امتلأت الخزينة فإن ذلك سيعمل فقط على تحسين الأرقام، لكنه لن يغير من الواقع شيئاً. ومع تآكل قيمة العملة المصرية بنسبة 10٪ منذ ديسمبر الماضي، فرض البنك المركزي بشكل متزايد اجراءات مشددة على سعر صرف العملة. ومثل هذه العوامل تشكل بداية لخنق التجارة والاستثمار الأجنبي. فقد اختفت بعض الأدوية المستوردة، على سبيل المثال، من الصيدليات، ويحذر الوسطاء الآن عملاءهم الأجانب من المتاعب التي تعتري إعادة تصدير الأموال. وعلى كل حال، ستأتي كميات قليلة جديدة من المال. وفي الوقت الذي يتحدث فيه خبراء «الإخوان المسلمين» عن الاستثمار فإن السلطات المصرية تتحدث بلهجة عدائية لرأس المال الأجنبي، وتم اصدار سلسلة من الأحكام القضائية التي قضت بالتراجع عن صفقات خصخصة تم الاتفاق عليها منذ اكثر من عقد من الزمان، الأمر الذي جعل مصلحة الضرائب تفرض رسوماً كبيرة بأثر رجعي. دفعت أسعار العملة المتدنية التضخم ليزيد من معدله السنوي السابق المقدر بـ5٪ في ديسمبر إلى 8٪ في فبراير. ويعكس هذا صورة قاتمة لمصر، لاسيما بالنسبة للعدد المتزايد من العاطلين عن العمل. ذكرت تقارير إحدى مجموعات العمل عن إغلاق ما لا يقل عن 4500 مصنع منذ الثورة، وهو ما يفسر ارتفاع النسبة الرسمية للعاطلين عن العمل من 9٪ إلى 13٪. لكن يتم إعطاء التقديرات غير الرسمية قيمة أعلى بكثير من الصدقية الرسمية، على خلفية أدلة عن ازياد معدلات الجريمة، ووجود عدد كبير من الأسواق غير المرخص لها، التي تغرق المدن المصرية الآن. آلاف العمال في قطاع السياحة، التي أسهمت في الأوقات الطيبة بما معدله 12٪ من اجمالي الناتج المحلي، تعرضوا لضياع أعمالهم. وعلى الرغم من أن المنتجعات الشاطئية التي تجذب معظم السياح لاتزال تعمل من خلال خفض الأسعار، فإن أقدم المناطق السياحية مثل الأهرامات، ووادي الملوك، والرحلات النيلية، أصبحت فارغة بشكل مريع. وفي الوقت ذاته يبدو أن العجز في الميزانية الحكومية يقترب من 12٪ من اجمالي الناتج المحلي في نهاية السنة المالية في يونيو، متجاوزاً العجز المستهدف السابق المقدر بـ 9.5٪. وهناك فاتورة واحدة تبلغ قيمتها 20 مليار دولار، وهي فاتورة الدعم، تشكل الجزء الأكبر من هذا العجز. وتخشى الحكومات المتعاقبة منذ عقد من الزمان، اشتعال الاضطرابات الشعبية إن هي ألغت هذه الفاتورة، وتنأى بنفسها عن نظام يوفر للمستهلكين غير المقدرين للوضع، عناصر حيوية مثل الخبز بسعر يعادل أقل من سنت اميركي واحد، ووقود بأقل من 20 سنتاً للتر الواحد (عُشر سعر الوقود في مضخات أوروبا) وغاز طهي بسعر يصل الى 7٪ من كلفته الفعلية. ويشكل وقود الديزل وحده ما يقرب من نصف فاتورة الدعم، حيث يساعد هذا الوقود ليس فقط على تسيير اسطول البلاد من النقل التجاري، لكن أيضاً مضخات الري التي يستخدمها الملايين من المزارعين الفقراء، ومن دون ذلك الوقود ستذبل الأراضي الزراعية في مصر. ومع ذلك تضطر الحكومة إلى استيراد نسبة متزايدة من وقود الديزل بالأسعار العالمية، وذلك لأن الحكومة تلجأ الى تصدير نفطها الخام لسداد الديون الملحة. وعلاوة على ذلك فإن النقص المتزايد في وقود الديزل، الذي يتسبب فيه التهريب والتخزين، فضلاً عن عدم قدرة الحكومة على استيراد ما يكفي، أوجد طوابير من السيارات تمتد الى مسافات طويلة، يحدث بسببها الشجار واطلاق النار، ووصل سعر السوق السوداء الآن الى ضعف السعر الرسمي. لايزال الخبز المدعوم وفيراً، وهذا أمر جيد، منذ أن اكد البنك السويسري، كريدي سويس، ان الأسرة المتوسطة تستهلك ما يقرب من نصف دخلها على الغذاء. ومع ازدياد نسبة المصريين تحت خط الفقر الرسمي من 21٪ في عام 2009 إلى 25٪ العام الماضي، لاحظ خبراء التغذية بقلق أن المصريين ظلوا يعتمدون بشكل خطير على الخبز لإطعام أطفالهم. ويغطي حصاد القمح المحلي بالكاد نصف الاستهلاك المحلي، وهذا هو السبب في ان مصر تعد المستورد الأكبر في العالم للقمح. وعلى الرغم من تناقص المخزونات الحكومية من القمح إلى مستوى غير عادي، خفض مجلس استيراد السلع الأساسية واردات القمح، واصدر ما يطلق عليه بعض الخبراء التوقعات المتفائلة غير الحقيقية بالنسبة لربيع القمح المصري. ويقول احد التجار «إننا نتوقع أزمة اوائل الصيف». ولكي نكون منصفين لحكومة مرسي، فإنها لم تكن غافلة تماماً عن أزمة وشيكة، فقد رفعت قليلاً بعض الرسوم الجمركية والضرائب، ووضعت خططاً لترشيد بعض السلع التموينية المدعومة، ربما في وقت قريب في يونيو المقبل. الا ان الحكومة عجزت مع ذلك عن تلبية الطلب، الذي قدمه وفد صندوق النقد بشكل مهذب، في إحدى زياراته للقاهرة، لمرسي من اجل بناء «قاعدة تأييد واسعة النطاق» من اجل اصلاح اقتصادي بعيد المدى. ولم تفشل حكومته فقط في اقتراح خطة متماسكة للإصلاح أو اعداد الرأي العام لمثل هذا الفشل، وانما حاول مرسي و«الإخوان المسلمون» قمع المنتقدين، وذلك باستخدام الكثير من الأساليب التي لجأ اليها الديكتاتور حسني مبارك، الذي اطيح به في عام 2011 بعد 30 عاماً في السلطة. ولكن لم يعد المصريون يخافون بسهولة، لذلك كانت النتيجة شللاً سياسياً يرافقه مزيد من العنف. وأظهر مرسي رفضاً متزايداً لحدود سلطاته، ما يجعل المعارضين يعتقدون انه قد يحاول استخدام تكتيكات أشد قسوة للتعامل معهم، ويخشى كثير من المصريين الآن «اقتراب يوم القيامة».