خبر : القضاء على القضاء ...محمد عبيد

الثلاثاء 23 أبريل 2013 02:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
القضاء على القضاء ...محمد عبيد



المحاولات مستمرة في مصر لوضع نهاية لآخر مظاهر الفصل بين السلطات، من خلال القضاء على القضاء، وضمه إلى مجموعة السلطات “سبايا” جماعة الإخوان المسلمين، وما الأحداث التي اندلعت الجمعة إلا دليل على مضي هذه الجماعة قدماً في مساعيها المحمومة لوضع اليد على مختلف مفاصل الدولة، بعدما احتلت النظام السياسي بوصفات إقصائية وإعلانات دستورية لا رائحة لدستور أو قانون فيها .   يجتهد “الإخوان المسلمون” في مصر أكثر من أي وقت مضى، لإنهاء الأمر، وترجمة آخر تفاصيل مشروعهم غير المعلن إلى حقيقة واقعة، ومن ذاك الاجتهاد غير المحمود، تتالي هجماتهم المنظّمة على الإعلام والقضاء، ما يعني أن المتبقي هما السلطة القضائية، والسلطة الرمزية المتمثلة بالإعلام بوصفه رابع السلطات، وفي سبيل ذلك لا ممنوعات ولا محرّمات ولا رادع .   المشروع الذي تضمره الجماعة لمصر واضح وصريح، وإن ادعت العكس، نظام شمولي يتخذ من الدين الإسلامي سيفاً مسلّطاً على رقاب المعارضين، واصماً إياهم بالخيانة حيناً، ومكفّراً إياهم أحياناً، وفي النهاية المشهد الأخير لهذه المسرحية التراجيدية موضوع مسبقاً، يظهر فيه “فرعون” جديد متربعاً على السلطات جميعاً .   ومع توالي فصول هذه المسرحية السوداء، تخرج إعلانات من هنا وهناك، من رأس النظام ومن خلفه في الترتيب الهرمي، عن تعديل وتغيير وإحلال واستبدال، وتبدو الأمور في نهاية المطاف ماضية نحو مصيرها القاضي بالدوران في الحلقة المفرغة ذاتها التي وضع “الإخوان المسلمون” أنفسهم فيها من اللحظة الأولى لتسلم زمام الأمور، حينما عادوا عن كل شعارات المشاركة في الحكم إلى المغالبة والسيطرة على الدولة .   لا مؤشرات تثبت عكس هذا السيناريو، ولا بوادر “حسن نية” تذكر من الجماعة المسيطرة على مفاصل الحكم في مصر، والدلائل أكثر بكثير من مسألة محاولة الاستيلاء على السلطة القضائية، أو لجم الإعلام .   المثير للعجب فعلياً، الشعار الذي يروجه هؤلاء الساعون إلى اختطاف القضاء، إذ يرتكز على تطورات قضية قتل المتظاهرين في ثورة الخامس والعشرين من يناير ،2011 ويتهم القضاء بالارتهان لجهة ما، أو أنه من “مخلفات” النظام السابق، وفي هذا أكثر من مغالطة وتزوير ممنهج للوعي، فالقضاء حورب من النظام السابق، وحارب من أجل الحفاظ على استقلاليته، لذا فإن الاتهام الأول يذهب أدراج الرياح .   أما من ناحية حق ذوي شهداء الثورة في القصاص، فالجماعة آخر من لهم الحق في الحديث، لأنهم آخر من انضموا - إن صح أنهم فعلوا - إلى الثوار في ميدان التحرير، بل على العكس شاركوا النظام السابق في كيل الاتهامات لهم غداة التظاهرات المليونية الأولى، وإن أضفنا إلى ذلك أن النظام الحالي متهم بإراقة دماء وكرامة الكثير من المصريين، فإن الحق بالقصاص والعدالة ينتقل ليلاحقه إلى جانب سابقه، فكيف يمكن القبول بِحَكمٍ هو نفسه الخصم؟   إنها عملية اغتيال ممنهجة لكل مظاهر الدولة، بهدف تحويلها إلى مزرعة أو ملكية خاصة للجماعة، وهذا لن يكون يوماً، فالستار أميط، والأقنعة سقطت، والمصريون لن يسمحوا بمشروع “التدمير الذاتي” .