خبر : بين مرسي والعريان ووينشتاين ...فايز رشيد

الثلاثاء 23 أبريل 2013 02:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين مرسي والعريان ووينشتاين ...فايز رشيد



نعى الرئيس المصري وفي “سرّية بالغة” عبر بيان أصدره باللغة الإنجليزية “كارمن وينشتاين” رئيسة الطائفة اليهودية في مصر، التي توفيت منذ بضعة أيام . النعي لم يوّزع على وسائل الإعلام العربية وفقاً لصحيفة “مصر الجديدة”، بل قامت بكشفه ونشره صحيفة “نيويورك تايمز” التي تعدّ صاحبة السبق في كشف هذا الأمر، عندما أشارت إلى قيام مرسي بإصدار بيان قال فيه: “إنها (كارمن) كانت من المصريين المتفانين الذين عملوا بلا كلل للحفاظ على التراث اليهودي المصري، وقبل كل شيء عاشت وماتت في بلدها مصر” .   عصام العريان أحد قياديي الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) في مصر، كان قد اتهم الرئيس عبد الناصر بطرد اليهود من مصر، وطالب بعودتهم واستعادة ممتلكاتهم . بيان النعي الذي أصدره الرئيس المصري هو خير دليل على بطلان اتهامات العريان للرئيس الخالد عبد الناصر، فرئيسه الحالي يعترف بوجود جالية لليهود في مصر، وبزعامة لها . من قبل أرسل الرئيس المصري برقيةً حارّة إلى رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز خاطبه فيها ب “الصديق العزيز”، وكان ذلك بمناسبة ما يسمى “يوم الاستقلال الإسرائيلي” في العام الماضي 2012 (أي ذكرى اغتصاب فلسطين)، وتمنى فيها لدولته (الكيان الصهيوني)، المزيد من التقدم والنجاحات والازدهار! . .   بدايةً، نود توجيه سؤال إلى الرئيس المصري عمّا يقصد “بالتراث اليهودي المصري”، وهل لليهود في مصر تراث غير تراث الشعب المصري؟ لعلم الرئيس مرسي: اليهودية هي ديانة وليست قومية أو “أمة” مثلما تردد الحركة الصهيونية وصنيعتها “إسرائيل” عن هذه المسألة . نفهم لو أن مرسي قال عن زعيمة الطائفة اليهودية إنها حافظت على تراث الديانة اليهودية في مصر، لكان له ذلك، ولكن أن يدّعي وجود “تراث يهودي مصري” فهذا يعني اعترافاً منه بوجود “قومية يهودية”، وهذا يجافي الحقيقة، ويعني تلاقياً مباشراً أو بطريق غير مباشرة بالادّعاءات والأضاليل الصهيونية و”الإسرائيلية” .   السفيرة الأمريكية في مصر آن باترسون أصدرت بياناً عن كارمن، عزّت فيه الشعب المصري بوفاتها وقالت عنها: “إنها حافظت على الميراث اليهودي لمصلحة كل المصريين” . السفيرة أيضاً ربطت بين “الميراث اليهودي ومصلحة كل الشعب المصري”، فما هو هذا الميراث الذي كان في مصلحة كل المصريين؟ سؤال برسم إجابة السفيرة عليه .   المتوفاة هي يهودية صهيونية مخلصة تماماً ل”إسرائيل”، زارتها مرات عديدة، وهي وفقاً للكاتبة سمدار بيري محررة الشؤون العربية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي كتبت فيها بتاريخ 14 إبريل/ نيسان الحالي عن المتوفاة “إنها كانت تشارك في العمليات السرية لتهجير الجيل الشاب إلى “إسرائيل” وإنها طلبت إلي أن أعلمها صلاة الجنازة عندنا على ضحايا الجيش “الإسرائيلي” . واستطردت “كانت تأتي إلى القدس في أحيان كثيرة بحجة العلاج الطبي، وأنها كذلك طلبت تعليمها كيف تدعو الله من أجل سلامة دولة “إسرائيل” . هذه هي كارمن وينشتاين التي أصدر الرئيس مرسي نعياً لها، وكذلك السفيرة الأمريكية في مصر التي ربطت بين الميراث اليهودي ومصلحة كل الشعب المصري .   فضحية لافون في العام 1954 (ما خطط له الموساد من أعمال تفجيرية في المصالح الأمريكية والبريطانية في القاهرة بهدف إساءة العلاقة بين مصر والدولتين)، كشفت بما لا يقبل مجالاً للشك، أن أغلبية من اعتمدت عليهم المخابرات الصهيونية في تنفيذ مخططاتها في مصر (للأسف) هم من اليهود المصريين الذين حرصت الموساد على تجنيد بعضهم . نقول ذلك فقط من أجل الحقيقة، ومن أجل تأكيد أن الدولة الصهيونية هي من حاولت الإساءة إلى اليهود المصريين وليس نظام الرئيس عبد الناصر، كما يدّعي العريان ! . . وأن الكيان هو من مارس الضغوط على اليهود للهجرة من مصر بالأشكال والأساليب والوسائل كافة، بما في ذلك إراقة الدم اليهودي نفسه، تماماً مثل الاتفاقيتين اللتين عقدتهما الحركة الصهيونية مع النازية في العامين 1933-1934 من أجل تأييد ألمانيا النازية لهجرة اليهود إلى “أرض الميعاد”، مقابل إعطاء الحركة الصهيونية للنازية، معلومات، عن التجمعات اليهودية في أوروبا، تماماً مثلما قامت الحركة الصهيونية بتفجير سفن مهاجرين يهود في عرض البحر بهدف إثارة التعاطف مع هجرة اليهود إلى فلسطين، والضغط على السلطات البريطانية من أجل السماح لعدد أكبر من اليهود بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية .   وبالعودة إلى بيان وسياسات الرئيس مرسي وحزبه تجاه الكيان الصهيوني، حرّي القول: إن الإخوان المسلمين قد غيّروا سياساتهم مئة وثمانين درجة، فبعد المناداة بإزالة الدولة الصهيونية، وبعد شعار “خيبر خيبر يا يهود . . جيش محمد سوف يعود”، الذي كان يُردّد في تظاهرات الشوارع في معظم العواصم العربية، أصبحوا ينادون “بالاعتراف بالوقائع” وبحقيقة وجود “إسرائيل”، ولا مانع من وجهة نظرهم في عقد الاتفاقيات معها و”عدم تجريم التطبيع” كما أفتى بذلك راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة (النسخة التونسية من الإخوان المسلمين)، وأهمية محافظة مصر على الاتفاقيات التي وقعتها مع جميع الدول (بالطبع بما في ذلك “إسرائيل”) . كان هذا ثمناً دفعه الإخوان المسلمون للرضى الأمريكي عن تسلّمهم الحكم في بلدان ما يسمى ب (الربيع العربي) . وبالفعل أصبح الإخوان المسلمون يمارسون نهجاً جديداً في ما يتعلق بالكيان الصهيوني، والولايات المتحدة والدول العربية عموماً . نهج يتساوق مع ما هو قائم في المنطقة بما في ذلك “الوجود الإسرائيلي” نفسه .   إن بيان النعي الذي أصدره الرئيس مرسي عن وفاة زعيمة الطائفة اليهودية في مصر هو: إثبات جديد (يضاف إلى إثباتات عديدة سابقة أخرى)، على حرص الرئيس المصري على إرسال رسائل عديدة إلى الكيان الصهيوني، والإدارة الأمريكية، وللغرب عموماً عن حسن نوايا الإخوان المسلمين في ما يتعلق بالموقف من “إسرائيل”، ولذلك حرص الرئيس المصري على سرية النعي، وعلى إصداره باللغة الإنجليزية وفي أضيق نقاط، ولكن في زمن المعرفة: لا شيء يخفى! . . هذا ما يتوجب معرفته .