خبر : مقاطعة الانتخابات وشرعنة النظام ...ناجي صادق شراب

الثلاثاء 23 أبريل 2013 02:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
مقاطعة الانتخابات وشرعنة النظام ...ناجي صادق شراب



من بديهيات العملية السياسية المشاركة في الانتخابات، على اعتبار أن الانتخابات تعدّ أعلى درجات المشاركة السياسية وترادف في معناها الواسع الحكم بالديمقراطية . وتعرّف الديمقراطية بأنها توسيع نطاق المشاركة السياسية في عملية صنع القرار والسياسة العامة، عبر الانتخابات التنافسية التي تسمح بتداول السلطة بين القوى السياسية الشرعية، وعلى أساس أن أحد أهم وظائف المعارضة السياسية هو الوصول إلى الحكم والسلطة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الممارسة الانتخابية التنافسية والنزيهة، وليس عبر المعارضة السلبية وغير السلمية . وحتى مع فرضية تزوير الانتخابات تصبح وظيفة المعارضة العمل للحصول على الضمانات السياسية والرقابية لانتخابات نزيهة، والعمل على توعية المواطن ورفع نضجه السياسي، وحثه على المشاركة، وكيفية إعطاء صوته الانتخابي .   ومن ثم فإن مقاطعة الانتخابات قد تعود بالضرر والخسارة على المعارضة السياسية أولاً، وعلى مجمل بنية النظام السياسي ثانياً، وعلى ترسيخ مبدأ المعارضة السياسية داخل قبة البرلمان .   ولعل من أهم وظائف المعارضة السياسية الديمقراطية مراقبة الحكم القائم، وتصحيح انحرافه، بل إن مبدأ المشاركة السياسية يستهدف كشف استبدادية الحكم القائم، ولا ديمقراطيته . كما أن المعارضة من خلال المشاركة السياسية تسبغ على نفسها صفة الشرعية، ولو بقيت خارجه ستتهم باللاشرعية، وأنها تمارس إرهاباً سياسياً وفكرياً .   المعضلة التي تواجه المعارضة ليست المشاركة في الانتخابات من عدمها، فالمشاركة محسومة، ولكن المشكلة تكمن في مدى توافر ضمانات حقيقية لانتخابات تكون معها النتيجة نزيهة وحقيقية، وأن تتم في ظل تنافس ورقابة قضائية ومجتمعية ودولية حقيقية، فالمعارضة تؤمن بأن القوى السياسية الإسلامية جميعها لن تستطيع حسم الانتخابات استناداً إلى الأرقام والإحصاءات المتوافرة، وأنها ستلجأ مثل النظم السابقة إلى كل أساليب الخداع والتحايل على المستويات كافة لضمان فوزها في الانتخابات، وتقوم هذه القناعة على أن هدف هذه الحركات هو الوصول إلى الحكم بكل الوسائل، ومن ثم إذا ما شاركت ستكون خسارتها مزدوجة . من ناحية هي تخسر الانتخابات ولن تحقق أغلبية تسمح لها بتشكيل أي حكومة، أو حتى أن تتحول إلى معارضة حقيقية داخل البرلمان، وعليه ستفقد دورها كمعارضة . ومن ناحية ثانية مشاركتها في الانتخابات من دون ضمانات، وهي تعرف مسبقاً نتيجة الانتخابات، تعني أن منح الشرعية الانتخابية في صندوق انتخابات لا يعبر عن إرادة الناخبين تعبيراً ديمقراطياً . وبفوزها أي القوى الإسلامية، ستدير ظهرها لكل ممارسة ديمقراطية، بل إن المعارضة مقتنعة بأنها بمشاركتها في مثل هذه الانتخابات تسهم في بناء استبدادية سياسية جديدة تحل محل القديمة .   وجهة النظر هذه قد تكون لها صدقيتها، لكن السؤال هل ستحقق هدفها بنزع الشرعية عن أي انتخابات ؟ لا يبدو أن هذا ممكن، أو قابل للتحقيق، من منطلق المضي في إجراء انتخابات بأي أغلبية أو مشاركة، واعتماد مبدأ الأغلبية على أساس المشاركة، ومن ناحية، فإن عدم مشاركة المعارضة سيمنح الفرصة الكبيرة لكل القوى السياسية الإسلامية للفوز بالانتخابات بأغلبية مريحة تسمح لها بتشكيل الحكومة، ومن ثم التحكم في سلطة سن القوانين وهو هدفها الرئيس . ومن ناحية ثالثة مقاطعة الانتخابات ستضع المعارضة في صفوف المعارضة غير الشرعية، ومن ثم تعرّض رموزها ونشاطها إلى المحاسبة والاعتقال والحظر الأمني . ومن ناحية أخرى لا يوجد ما يضمن أن نسباً كبيرة قد لا تشارك في الانتخابات، وخصوصاً الطبقات الفقيرة تحت وطأة صعوبة الحياة المعيشية، وتحت تأثير بعض المغريات المالية . فالمعارضة لا تضمن وجود معارضة كاملة وكبيرة تحول دون شرعية صندوق الانتخابات .   وقد يذهب البعض إلى القول إن الإخوان المسلمين ورغم معرفتهم، ومعهم المعارضة، بعدم جدوى الانتخابات السابقة في عهد النظام السابق، فإنهم شاركوا فيها على أمل التغيير من داخل النظام وليس من خارجه . ونجحوا في النهاية في الوصول إلى الحكم . وهو ما ينبغي ألا تقع فيه المعارضة بمقاطعتها الانتخابات . وعليه لا يبقى أمام المعارضة إلا إعادة ترتيب أوراقها، وتنظيم نفسها، والعمل على التغلغل في بنية المجتمع القاعدية، وأن تكون لديها سياسة واضحة قابلة للفهم على مستوى المواطن العادي . فالمقارنة فاشلة بين كل ما يمت بصلة إلى الدين، في مجتمع تسوده نسبة كبيرة من الأمية والبطالة .   المواطن يحتاج إلى برنامج عمل مفهوم، وقريب منه، وأخيراً المعارضة بين فكي كماشة، أي بين سلاح ذي حدين، حلوه أكثر مرارة من مُرّه . ومهما كان كأس الديمقراطية ثمنه غالياً، عليها أن تتجرعه، ولتتذكر كأس سقراط . الحرية والديمقراطية ثمنهما غالٍ . ولا خيار أمام المعارضة إلا الذهاب إلى المشاركة وعدم المقاطعة، هذا الخيار خسارته أقل من خيار عدم المشاركة .