خبر : دونية "عربية" بين بوسطن وطهران! ..زحسن عصفور

الأربعاء 17 أبريل 2013 10:29 ص / بتوقيت القدس +2GMT
دونية "عربية" بين بوسطن وطهران! ..زحسن عصفور



 تأتي احيانا بعضا من الأحداث التي تكشف "خفايا سياسية" دون أن يكون ذلك مخططا، مصادفات تظهر ما لا يمكن أن تظهره مواقف تتكرر حول "مبادئ" و"قيم" وغيرها من العبارات التي يمكن للانسان أن يسمعها من هذا الحاكم او ذاك الفصيل في وقت "الراحة"، ويبدو أن يوم 16 ابريل – نيسان كان من بين تلك "الممصادفات السياسية القاسية"، حيث شهد انفجارا في مدينة بوسطن الأمريكية خلال مارثون رياضي، لم تنم وسائل الاعلام بكل أطيافها وهي تتابع ذلك "الحدث الخطير جدا"، اعلام تفرغ كثيرا لتغطية كل جوانب وتفاصيل خبر التفجير الذي أدى لمقتل 3 أفراد، ونجحت تلك الوسائل أن تجعلنا نعرف كل شي عما جرى هناك، بل وما يمكن أن يحدث ايضا لاحقا.. همسات أوباما وتصريحات مسؤولي الأمن، و"شهود عيان" رووا ما سمعوا او رأوا عن "التفجير" الذي لم يحدد بعد ما هي طبيعته..وكان يمكننا ايضا أن نعرف كل شيء عن تلك المدينة.. استنفار اعلامي لا مثيل له لمتابعة "الحدث الكبير".. وليكن ذلك "خبرا مدهشا ومثيرا" لوسائل الاعلام كون التفجير في امريكا ويرتبط دوما اي تفجير بما حدث في 11 سبتمبر عام 2001، ولكن المثير للغرابة والمأساة ايضا، تلك الحملة المتلاحقة من قادة وحكام وشخصيات وأحزاب عربية، وخاصة مصر لسرعة الادانة والاستنكار لـ"جريمة بوسطن"، وتسابق الجميع ليظهر كل "عواطفه الانسانية" للشعب الأمريكي وحكومته ورئيسه، مظهر يمثل صورة ناصعة للدونية السياسية التي بدأت تنتشر خلال الفترة الأخيرة نحو الولايات المتحدة، مسابقة "الاستنكار العربي" لجريمة بوسطن، قبل أن يتم معرفة طبيعتها أو من قام بها، وربما تكون عملا من أعمال الاجرام المافيوي التي تنتشر في تلك البلاد، لكن الصدفة ارادت أن تكشف "عورة" ساسة المشهد العربي الراهن، والذي لا يتصل ابدا بتلك الروح الثورية التي كانت تقف محركا قويا للشعوب للخلاص من الاستبداد والقهر والفساد المالي والسياسي.. فضيحة الاستنكار العربي تكشف أن "الثورة  السياسية" لم تخطو بعد سوى خطوتها الأولى،بكسر حاجز الخوف من أداة القهر والاستبداد، وما دونها لم يحدث ما يمكن اعتباره فعلا ثوريا، بل ربما كانت هناك مظاهر لـ"ردة سياسية" عن القضايا الجوهرية للأمة العربية، لصالح قوى غير عربية، فضيحة "الاستنكار الجماعي" لحادثة بوسطن ستمثل وصمة عار في جبين من لم ينم قبل أن يندد ويستنكر ويدين، حتى دون معرفة حقيقة الذي حدث، وكأنها جاءت حملة تبرئة ذمة من اي تهمة يمكن أن تكون.. رد فعل صبياني مخجل لكل منتم لهذه الأمة، وكأن المطلوب أن يثبت كل عربي أو مسلم أنه برئ قبل الاتهام من "الفاشية السياسية الجديدة" التي تمارسها الولايات المتحدة على من تريد.. والغرابة تتجسد في أن "عرب اليوم" لم ينتظروا حتى سماع بيان اجهزة الأمن الأمريكية لتعرف هل هو حادث "جنائي" أم عمل "ارهابي"، وهل من قام به أمريكي يهودي أو مسيحي أو مسلم، أو رجل فقد ظله فانتقم.. لم يكلف قادة الحكم وجماعات "الاسلام السياسي" في بلادنا الانتظار حتى بيان الخيط الأبيض من الأسود، لكنهم تسابقوا في إظهار "الدونية السياسية" للسيد الأكبر، قبل أن تبدأ رحلة "تصدير الاتهام"..ولنفترض أنه "عمل ارهابي" فمن هي الجهة التي يمكنها ان تقوم به اليوم، في ظل تحالف "واشنطن وقوى الاسلام السياسي، مع كل التنظيمات التي تطلق عليها انها منظمات "ارهابية"، تتحالف معها وتدعهما وتسلحها في لييبا وتفتح خزائن قطر وعرب آخرون لتقديم المال والسلاح والخبرة بكل اشكالها لتلك القوى في سوريا، وهي جزء رئيسي من القوة المسلحة في المعارضة السورية، حتى أن الاخوان المسلمين وبعض المعارضة المدنية اعتبرت "جبهة النصرة" – فرع القاعدة في سوريا بأنها أهم اجزاء "الثورة" واحتجوا على وصفها بـ"الارهابية".. التحالف القائم بين امريكا وعربها وقوى الاسلام السياسي مع القاعدة وفروعها، لا يسمح بتلك الادانة الفورية لجريمة بوسطن..ولكن كم كان مخجلا ومعيبا ومزريا أن لا نسمع حاكما عربيا أو قوة سياسية او شخصيات عامة تقف الى جانب ايران في مأساتها الانسانية بعد زلزال اعتبر هو الأعنف منذ 50 عاما، وترك قتلى وجرحى بالمئات، وشعرت به المنطقة حول ايران عربا وغير عرب.. كارثة انسانية لم نسمع كلمة مواسية واحدة من حكام كانوا حتى الأمس "يتسولون" رضا ايران وبشكل مهين، ومتجاهلين كل مواقفها السياسية الضارة، قوى كانت تسير في الركب الايراني وتراها "نموذجا للثورة"، لم تنطق بكلمة تعبر عن تضامن انساني مع شعوب ايران ودولتها، المفارقة ليست للدفاع عن ايران، بل لكشف عمق الفضيحة السياسية التي حدثت في مظهر "الدونية السياسية" التي باتت سمة لحكام وقوى قفزت للسلطة في "حلم غير متوقع".. فضيحة تاريخية سجلتها مفارقة "حادث بوسطن التفجيري" و"زلزال ايران التدميري" لتكشف بعضا من جوانب كراهية البعض وحقدهم الدفين على المشروع القومي التحرري الناصري.. الآن يمكن أن ندرك لماذا يكرهون الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.. فالكرامة والدونية لا يلتقيان!.