إن الطريق إلى جهنّم ملئ بالنوايا الطيبة»... هكذا يجري القول المأثور على الألسنة ويتداوله الرواة والنقلة، وفي الثالث من أبريل الجاري صرّح المرشد العام السابق لجماعة "الإخوان المسلمين" مهدي عاكف لجريدة "الجريدة" الكويتية بتصريحاتٍ مثيرةٍ كعادته وجاء فيها عن "برنامج المئة يوم" الذي كان يطرح على أنه جزء مهم من البرنامج الانتخابي للرئيس المصري قوله: "كل ما قيل عن مشروع المئة يوم الأولى، كان مجرد نيَّة للإصلاح".إن مثل هذه التصريحات لا يجب أن تمرّ مرور الكرام، وكأنها تصريحات عابرة غير ذات معنى، ولكنّها تصريحات بالغة الأهمية في الكشف عن المخبوء من الخطاب "الإخواني" ومن سياسات وتوجهات الجماعة في قيادة مصر وبعض دول الاحتجاجات العربية التي وصلت لسدة الحكم فيها، وهي توجب التوقف والقراءة والتحليل.إن الحاكمين الجدد من تيارات الإسلام السياسي تقدم للشعوب برامج غير واقعية وغير صحيحة، تصل حدّ الكذب كما هو تصريح المرشد أعلاه، وكما صرح من قبل رجل "الإخوان المسلمين" خيرت الشاطر نائب المرشد الحالي حين نفى وجود "مشروع النهضة"، الذي كان هو البرنامج الانتخابي المتكامل للرئيس الحالي، و"الإخوان المسلمون" يكتفون –دائماً- حين يفشلون وتكتشف أكاذيبهم بتقديم تبرير بأنّ هذه الأكذوبة، أو تلك، إنما كانت مجرد "نيةٍ" طيبةٍ.إنّ القول المأثور في صدر المقالة ينطبق على كثير مما يجري في المشهد في المنطقة والعالم العربي، فكثير من المواقف والقرارات الخاطئة يتمّ تبريرها والدفاع عنها تحت بند النوايا الطيبة والمشاعر الحارّة والعواطف الحسنة، والنوايا شيء لا يمكن محاكمته ولا مناقشته ولا نقده فهي جزء من الغيب، وذلك بعكس السياسات المعلنة والبرامج المعتمدة والتصريحات العلنية لهذه الدولة أو ذلك القائد، لهذه الجماعة أو ذلك الحزب.إن الاعتماد على صدق "النوايا" أو حرارة "المشاعر" أو حسن "العواطف في تمرير المواقف والقرارات السياسية هو جزء من عقل الخرافة المتفشي في العالم العربي، والذي يعرفه "الإخوان المسلمون" جيداً، فقد كانوا جزءاً مهماً من صناعته وتكوينه، وهم بالتالي يعرفون جيداً كيفية توظيفه والاستفادة منه، فكم هي كثيرة تلك العقول التي تقبل قراراً سياسياً بناءً على "رؤيا منامٍ" أو تكتفي عن التخطيط السليم والعمل المضني بـ"دعوةٍ صالحةٍ"، وليس في هذا تقليل من شأن الدعاء بحالٍ من الأحوال ففي الأثر "اعقلها وتوكّل".عوداً على بدءٍ، فقد انطلق مهدي عاكف على عادته بجرأة تظهر مكنون سياسات الجماعة في قيادة الدولة بمصر، ورؤيتها لمستقبلها والمخفي من خطابها وتوجهاتها، فقال: "الإعلام فاسد لا يريد لمصر نهضة، القضاء فاسد لا يريد لمصر نهضة"، وكان أكثر تحديداً في شأن القضاء حين قال: "سيتمّ عزل أكثر من ثلاثة آلاف قاضٍ وإحالتهم للمعاش"، وحدد ذلك بعد الانتخابات البرلمانية القادمة حيث توقع فوز الإخوان، وقد كان أكثر تحديداً في الإعلام حين قال: "الإعلام أصبح فاسداً ويركز على السلبيات ويضخّم كل شيءٍ ضد الإخوان"، وتحدث عن الإعلامي باسم يوسف الذي يقدم نقداً ساخراً لسلطة الإخوان عبر برنامجه ذائع الصيت، "برنامج البرنامج" بأنه "يتطاول على أسياده" الذين هم "الإخوان المسلمون" بطبيعة الحال!كعادته أيضاً نفى مهدي عاكف إدلاءه بهذه التصريحات، فأخرجت جريدة "الجريدة" التسجيل الصوتي ونشرته عبر موقع "يوتيوب"، وبرهنت على تعمده الكذب، وللتذكير فقط فهذه ليست المرة الأولى التي يفعل فيها عاكف هذا الأمر، فهو فعل الأمر ذاته من قبل، وذلك حين قال في عام 2006 في حوارٍ مع مجلة "روز اليوسف": "طز في مصر .. وأبو مصر .. واللي في مصر"، وهو نفى آنذاك تلك التصريحات، ما اضطر روز اليوسف حينها لنشر الحوار الصوتي في إحدى القنوات الفضائية وأثبتت موقفها، وما أشبه الليلة بالبارحة.في الحوار الكثير مما يوجب التعليق، ولكنّ الأمر المهم في هذا السياق هو أن جماعة "الإخوان المسلمين" كما يثبت تاريخها وتاريخ رموزها لا تتورع أبداً عن الكذب وعن تكراره، وعن اعتماده منهجاً وعن تقديم كافة التبريرات الدينية لتمرير ذلك الكذب، وهي هنا لا تعبث بخطاب حزبٍ سياسيٍ، فحسب، لكنّها تعبث بدينٍ سماويٍ هو الإسلام، حين تقول للناس إنها تتحدث باسمه وتمثله دون بقية أتباعه من المسلمين ثم تعتمد الكذب منهجاً.وفي نماذج معاصرةٍ على هذا الكذب المتعمد ونفيه، ثم الانفضاح بعد نشره يمكن استحضار تهجّم زعيم حركة "النهضة" الحاكمة في تونس "الإخواني" المعروف راشد الغنوشي على الدول الملكية في الخليج العربي ثم نفيه لذلك التهجم ثم نشر "معهد واشنطن" للتسجيل الصوتي الذي أثبت تصريحه وتعمده للكذب.إن جماعة "الإخوان المسلمين"، حين تتحدث عن النوايا الطيبة أو الحسنة إنما تتحدث عن نواياها تجاه نفسها وأتباعها والموالين لها، ولا علاقة لتلك النوايا بالشعب أو عامة الناس، فهي ترى في خديعتهم أو استغفالهم باسم الدين عملاً مشروعاً وبطولياً، وقد سبق لكاتب هذه السطور أن قال لمهدي عاكف إبان مرحلة إرشاده في لقاء مباشرٍ على قناة "العربية" إنّكم تكذبون على الناس، وأوضح مثالٍ على كذبكم من قبل، تجلى في رواياتكم عن حجم التعذيب والأهوال التي تعرّضتم لها.لقد عبّر "عاكف" عن كيفية تصوّر "الإخوان المسلمين" لفئات مهمة من الشعب المصري، فهو تحدث عن الإرهابيين في سيناء ووصفهم بـ"الجهاديين"، وتحدث عن عرب سيناء وصنفهم فئاتٍ كلها تحمل صفات سيئة بحسب سياقه فقال: "فئة تابعة لإسرائيل، وفئة تابعة للمخابرات، وفئة تابعة لأمن الدولة" هكذا قال، ونسي أن المخابرات وأمن الدولة بوصفها مؤسسات دولةٍ صارت تحت قيادة الإخوان، ثم استخدم مصطلح "النصارى" في وصف "الأقباط" بمصر.أخيراً، وبناء على هكذا تصوّر، ليس مستغرباً أن يخرج البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية معلقاً على الأحداث الطائفية المؤسفة التي جرت في بر مصر الأسبوع الماضي وراح ضحيتها بعض الأقباط ليقول بكل صراحة: إن "المشاعر الطيبة من قبل المسؤولين لن تكفي".