خبر : ما قبل استقالة فيّاض وما بعدها ...هاني المصري

الثلاثاء 16 أبريل 2013 10:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ما قبل استقالة فيّاض وما بعدها ...هاني المصري



أخيرًا استقال سلام فيّاض وقَبِلَ الرئيسُ الاستقالةَ، ولكنّ الحكاية لم تنته عند هذا الحد. الطلب من فيّاض أن تستمر حكومته في تسيير الأعمال، وفي ظل عدم التقدم على طريق تطبيق اتفاق المصالحة وحالة الانتظار لما يمكن أن يحققه كيري، يطرح احتمالاً بأن تبقى حكومة تسيير الأعمال لفترة قد تمتد لسبعة أسابيع، إذا تم الالتزام بالقانون الأساسي، وفترة أطول إذا وافق فيّاض على ذلك أو على إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة مرة أخرى، بالرغم من نفيه لهذا الاحتمال على أساس أنه لم يستقل حتى يعود خلال فترة قصيرة. لم يكن ممكنًا، بعد التدخل الأميركي المهين من أجل الإبقاء على فيّاض، سوى أن يصر فيّاض على الاستقالة. وأن يقبلها الرئيس، ولكن الأسئلة التي بحاجة إلى إجابة عنها: لماذا حدث ما حدث؟ وإلى أين سنسير بعد الاستقالة؟.إن الاستقالة وقبولها بعد سلسلة أزمات وخلافات كانت في البداية بين أوساط من «فتح» وفيّاض، وأصبحت بين «فتح» وفيّاض، لأن «فتح» تعتبر أن من حقها أن تحكم الضفة ما دامت «حماس» تحكم غزة، وإذا أراد فيّاض أن يكون رئيسًا للحكومة، فعليه أن يعرف أنه موظف عندها بدرجة رئيس حكومة.بعد وقوع الانقسام، كانت «فتح» تحت وقع صدمة خسرانها قطاع غزة، فوافقت بسهولة مع وجود أصوات معارضة على تولي فيّاض رئاسة الحكومة حتى ينهض بها، ولكن على أساس أن هذه الحكومة، حكومة طوارئ، تستمر لفترة قصيرة يتم بعدها تشكيل حكومة برئاسة «فتح» أو بقيادتها بوجود رئيس حكومة مستقل ولو كان «فيّاض» نفسه. لكن لم تجر الرياح بما تشتهي سفن أوساط في «فتح»، وذلك لأن الرئيس منح فيّاض كل ثقته، لأنه ينسجم مع التوجهات السياسيّة الرئاسيّة ورؤية آفاق واحتمالات الحل السياسي، يتمتع بدعم دولي عالٍ وبمهنيّة ممتازة، والأهم تمتعه بثقة لا محدودة من الأميركيين، بما يمكنه من الحصول على دعم مالي مستقر. ولكونه شخصيّة مستقلة يتيح هامشًا من المناورة للرئيس، لأن وجود مركز ثقل إلى جانب «فتح» والفصائل الأخرى المنضوية في إطار المنظمة و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» يمنح الرئيس هامشًا واسعًا للحركة. بدأ الرئيس بسحب الغطاء السياسي عن فيّاض عندما شعر أنه بات قويًا وطموحًا أكثر مما ينبغي، في ظل ضعف دور «فتح» والفصائل والمنظمة، وغياب المجلس التشريعي الذي منح الرئيس صلاحيات تشريعيّة إضافة إلى صلاحياته التنفيذيّة. وبعد أن أخذ يتصرف بصورة مستقلة ومتزايدة عن الرئيس، كما بدا في عدة محطات، أبرزها الخلاف على التوجه نحو الأمم المتحدة. وبعدما طرح خطة للمصالحة من دون تشاور مع الرئيس، وبعد أن شعر الرئيس أن فياض مفروض عليه وليس مستمرًا في منصبه باختياره، وخاصة عندما تدخلت الإدارة الأميركيّة في كل مرة يتم فيها توقيع اتفاق على المصالحة، للقول إنها متمسكة ببقاء فيّاض رئيسًا للحكومة، حتى في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق القاهرة، لدرجة أن وزيرة الخارجيّة الأميركيّة آنذاك، هيلاري كلينتون، اعترضت في مكالمة هاتفيّة مع الرئيس على استبعاد فيّاض في «إعلان الدوحة». في ظل ما سبق، بدأ أبو مازن بتجريد فيّاض من صلاحياته ومراكز قوته من خلال زيادة عدد الوزراء المحسوبين على الرئيس الذين لا يدينون بالولاء لفيّاض، ثم في استعادة السيطرة على أجهزة الأمن حتى التي ضمن صلاحيات الحكومة، ثم في تعيين وزير للماليّة رغمًا عن إرداة فيّاض. هذا الأمر أدى إلى تداعيات أبرزها استقالة نبيل قسيس، الذي عانى من التجاذب بين الرئيس ورئيس الحكومة، ومن اتخاذ قرارات لها أعباء ماليّة من دون علمه. المشكلة ليست في استقالة وزير الماليّة، ولكن في وجود سلطة مرتهنة للمساعدات وللاتفاقات والالتزامات المجحفة وفي بروز رأسين في السلطة، يساعد على بروزهما التدخلات الخارجيّة، ونابعة من النظام السياسي الفلسطيني المختلط (رئاسي برلماني)، الذي فرض بعد تدخلات خارجيّة استهدفت استحداث منصب رئيس الحكومة في سياق إضعاف الرئيس الراحل ياسر عرفات. كان على فيّاض الاستقالة منذ سنوات، عشيّة وغداة توقيع اتفاق المصالحة في الرابع من أيار 2011. كان عليه الاستقالة في اليوم نفسه الذي برز فيه أن الخلاف بين «فتح» و«حماس» حول أن يكون هو رئيس حكومة التوافق الوطني أم لا، وأن هذا الخلاف هو إحدى العقبات أمام المصالحة، ولكن جرى تصويره وكأنه العقبة الرئيسيّة، مع أن الحقيقة ليست كذلك. كان عليه أن يستقيل بعد توقيع اتفاق المصالحة وبشكل أكثر إلحاحاً بعد «إعلان الدوحة» في شباط 2012، عندما برز أن فيّاض لم يعد يحظى بالغطاء السياسي من «فتح» والرئيس، خصوصًا أنه لا يجب أن يقبل إصرار الإدارة الأميركيّة على تصويره بأنه مفروض على الفلسطينيين.كان على فيّاض الاستقالة عندما فشل برنامجه في إقامة المؤسسات وإثبات الجدارة لإنهاء الاحتلال عن طريق اضطلاع المجتمع الدولي وأميركا بالمسؤوليّة عن إجبار إسرائيل على تسوية. وعندما لم يتحقق برنامجه للاستغناء عن المساعدات الخارجيّة كليًا مع حلول العام 2013، وذهب من أجل تحقيق وعده إلى فرض ضرائب حملت المواطن أعباءً إضافيّة تزامنت مع العقوبات الأميركيّة والإسرائيليّة على خلفيّة الانضمام الفلسطيني إلى اليونيسكو والاعتراف الأممي بالدولة المراقبة، ما أدى إلى عجز مالي وديون متراكمة وعدم انتظام في دفع الرواتب. هل يتحمل فيّاض المسؤوليّة عما جرى من إنجازات وإخفاقات لوحده؟ بالتأكيد لا، بل يتحمل المسؤولية الرئيس والمنظمة و«فتح» كلٌ بحسب الصلاحيات والإمكانات والشرعيّة التي يتمتع بها، خاصة أن برنامج فيّاض السياسي، بشكل عام، ينسجم تمامًا مع برنامج الرئيس.المطلوب أن يكون رئيس الحكومة القادم لا يختلف من حيث التوجه السياسي عن فيّاض، لأنه يجب أن يكون مناسبًا للتعامل مع الإدارة الأميركيّة وملتزمًا بشروط اللجنة الرباعيّة واتفاق أوسلو.هل سنبقى بانتظار نجاح جهود كيري وتحقيق المصالحة أم يتم اعتماد إستراتيجيّة جديدة بديلة من الإستراتيجيات المعتمدة حتى الآن؟. على «حماس» أن تقبل بأن تكون جزءًا من الوطنيّة الفلسطينيّة والنظام السياسي من دون الرهان على التغييرات العربيّة والمرجعيات الأخرى. نظام تعددي ديموقراطي يؤمن بالمساواة بين المواطنين بغض النظر عن اللون والجنس والدين، يدافع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسيّة ويؤمن بالفصل بين الدين والمؤسسات المدنيّة والسياسيّة.يأتي ذلك في سياق الاتفاق على إعادة بناء المنظمة بوصفها المرجعيّة والإطار والكيان والممثل الشرعي والوحيد الذي يساعد الاتفاق عليها على حل كل الخلافات المتبقيّة. كما يمكن الاتفاق بعد ذلك على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تشارك فيها الفصائل والمستقلون، وليس حكومة مستقلين فقط تم الموافقة عليها رضوخًا للضغوط الخارجيّة، بحيث تقوم بتهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تجعل إمكانيّة تعطيل إجرائها ومصادرة نتائجها من الاحتلال في أضيق نطاق ممكن. لا يمكن عزل ما جرى بخصوص فياض عن المنافسة على وراثة القيادة الفلسطينية بعد «أبو مازن»، سواء داخل «فتح» أو بينها وبين «حماس». إن الأزمة أزمة فقدان الأفق السياسي وعدم وجود خيار جديد قادر على الانتصار.