«العالم لا يستمع إلا إلى طرقات الأخف الثقيلة» مناحيم بيجن.. إذا لم نسمع ولم نستفد من الأعداء، فلن تستفيد من الأصدقاء، ونحن اليوم إذ نقع في محيط ملتهب بالضغائن والشحناء والبغضاء، يتوجب علينا أن نكون على مستوى المسؤولية، والالتزام القيمي والأخلاقي والديني تجاه بلد حقق ما لم يستطع تحقيقه غيره عبر قرون، وموقفنا الأساسي من هذا المنجز العظيم، يبدأ من المنهج العلمي في الإعلام، وصناعته التي أصبحت جوهر النجاح في أي مواجهة حضارية.. صحيح أن الانتشار الإعلامي التقليدي أو الإلكتروني قد وصل إلى أوجه، ولكن للأسف أن فوضاه لا تقل فظاعة عن فوضى المنهج العقدي المرتبك في العالم، لذلك لا بد من فلسفة جديدة تعيد النظر في المعطى الإعلامي، ولا بد من منهج يحدد مستوى العطاء، ويقيمه ويقومه، ويقيم له بيتاً من زخرف النجاح في المواجهة.في الإمارات اليوم، نحتاج إلى منطقة واضحة، وقاسم مشترك لكل هذه القنوات الإعلامية المتعددة، حتى لا تغرد الطيور خارج السرب، وحتى لا تجنح السفن بعيداً عن مراسي البعد الوطني، وحتى لا تنجرف الأصوات باتجاه رياح عاتية تضر ولا تسر. قد تكون بعض النوايا حسنة، ولكن الأمور لا تؤخذ بالنوايا، وإنما بالوعي بما نقدم، ولا نُقدم عليه حين أصبحت المواجهة حاسمة، وجازمة وصارمة، مع من يقفون عند الضفة الأخرى من النهر.. نحتاج اليوم إلى علم إعلامي وإلى صناعة مثقفة، لا تعطب ولا تقضب ولا تغضب، ولا تسغب، ولا تنكب، ولا تشرب من الماء المالح.مدينة الإمارات الرائعة والناصعة، تحتاج إلى إعلام يسطع بإعلام الحقيقة ليكشف زيف المهرجين، والمخربين والمجدفين والمجروفين كحثالة سائل تالف.الإمارات تستحق منا جميعاً أن نلف لفيفنا، ونتحزم برباط الجأش، ونمضي معاً باتجاه إعلام لا يقسم المعرفة إلى قسمين ولا يشطر الحقيقة إلى شطرين، ولا يحدق في المناطق الرمادية.. نحتاج إلى إعلام يسرج الجياد نحو الدفاع عن حق البلد في العيش آمناً مستقراً، بعيداً عن المنغصات، وبعيداً عن مخالب الثعالب، التي تجوس في الظلماء، بحثاً عن ثغور الكذب والافتراء والادعاء بكلام السهراء والثغاء والرغاء.الإمارات تستحق منا جميعاً أن نكون أقلام حق ضد أحلام باطل، الإمارات تستحق منا جميعاً أن نرعى الله في سلامة بلدنا من كل غث ورث وعبث، ولن نكون كذلك إلا إذا واكب الإعلام الموجات العالية، وعبر بالسفينة نحو شواطئ الأمان، ومواطئ الوضوح.. الإعلام لا يستطيع أن يفعل ذلك، إلا إذا تجمّعت عصيه حتى لا تتكسر آحاداً وأضداداً.. الإعلام يستطيع أن يفعل ذلك، بفعل الوعي بأهمية الوقوف كتفاً بكتف، وساعداً بساعد، بعيداً عن التزحلق على الرمال المتحركة. نقول الموجة عالية، والحاقدون كُثر، والإمارات تستحق من الحب بقدر ما تستحق من الإخلاص في مواجهة جراد التذمر والوجوه العابسة.