تعيشُ بعض الدول العربية الشقيقة ما يُسمى بالربيع العربي, ولكل دولة من الدول العربية التي تمرُ بمرحلةِ التغيير في نظام الحكم خصوصية من حيث الواقع وشروطه ومتطلباته, وإن كانت تواجه إشكاليات حادة متشابهة والتي أثرت على تقدم ازدهار الربيع العربي بالشكل الذي كان مأمولاً, وفي بعض منها جاءت رياح التغيير بما لا تشتهي إرادة قبطان السفينة, وبرغم أن التغيير المرجو في هذا القطر العربي أو ذاك هو شأن داخلي يمثل إرادة جماهيرية فيه, إلا أن الحال المشترك للدول والشعوب العربية وسرعة الانتقال والتأثير المتبادل, جعل من مسألة التغيير في إطار ما يُسمى بالربيع العربي ليس شأناً داخلياً مغلقاً, وصار موضع اهتمام وخوف وقلق لدى الجماهير العربية من بعض الظواهر الخطيرة التي تهدد مصير ومستقبل التغيير والتي نسمع عنها ونشاهدها, والتي كنا نأمل ومن منطلق الحرص على شعوبنا العربية أن لا تكون, وأن لا تأخذ هذا المنحى, حتى تظلُ إرادة الشعوب في التغيير صائبة وفي الاتجاه السليم. ومن منطلق خصوصية الحال لكل قطر عربي, فإن الربيع الفلسطيني والواقع في فلسطين التي تواجه احتلالاً عسكرياً وبشرياً عنصرياً إسرائيلياً مختلف تماماً, فإرادة الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية المتمثلة في ثورته وانتفاضته ومقاومته وهباته الجماهيرية المتعاقبة, تسعى وراء تغيير يقف على رأس أولوياته دفع كل الجهود والطاقات نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بكافة أشكاله العسكرية والاستيطانية, وتحرير الأرض المحتلة, وبسط السيادة الوطنية الكاملة عليها, وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة ذات السيادة الكاملة, دولة نظيفة من جنود ومستوطني الاحتلال الإسرائيلي, لغرض تأمين انطلاق مسيرة البناء الوطني والمؤسساتي والديمقراطي والاجتماعي الشامل, وبناء اقتصاد وطني فلسطيني يوفر القدرة الوطنية الذاتية لبناء مؤسسات دولة المؤسسات والقانون, ويوفر فرص عمل متاحة لاستيعاب وتنمية الطاقات البشرية والشابة من الخريجين والخريجات, وتقليص اعتماد الاقتصاد الوطني على المعونات الخارجية، والتي هي التزامات واجبة تجاه الشعب الفلسطيني الذي يمثل رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني الإحتلالي التوسعي العنصري بالنيابة عن الأمة العربية والإسلامية, والذي يسدد فاتورة المؤامرات والتناقضات الدولية التي جعلت من أرض فلسطين بؤرة للصراع الدولي, وكبدت الشعب الفلسطيني خسائر فادحة وضياع أجزاء كبيرة من أرضه التاريخية وتشرده في شتى أصقاع الأرض والمعمورة. ونحن في فلسطين في شهر أبريل, شهر الشهداء، وعلى أبواب فصل الربيع, نتذكر الشهداء من المناضلين والمجاهدين والمقاومين والقادة العِظام الذين سقطوا في هذه الأيام ورووا بدمائهم الزكية الطاهرة تراب فلسطين, دفاعاً عن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية ودفاعاً عن الأرض, ومنعاً لتمدد وانتشار الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي رسم معالم مشروعه الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني من البحر إلى النهر. نتذكر في هذه الأيام المباركة من تاريخ الشعب الفلسطيني المناضل, قوافل الشهداء الأبطال الذين قضوا على مذبح الحرية والثورة والنضال الوطني العادل والمشروع, نتذكر الشهيد القائد عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل (7/4/1948م) دفاعاً عن القدس والمقدسات, ونتذكر الشهداء القادة, كمال ناصر, كمال عدوان, أبو يوسف النجار, الذين استشهدوا في بيروت على يد فرقة من القتلة من جيش الاحتلال الإسرائيلي يقودها القاتل أيهود باراك, ونتذكر أمير الشهداء القائد خليل الوزير (أبو جهاد) الذي استشهد في (16/4/1988م) في تونس على يد فرقة من قتلة جيش الاحتلال الإسرائيلي في ليلة كان يخطُ فيها رسالةً لقادة الانتفاضة الأولى المباركة, وجاء اغتياله لغرض إسكات صوت الانتفاضة الهادر الذي وصل إلى عمق الكيان الإسرائيلي المحتل. في هذا الشهر المبارك, ربيع الشهداء, نتذكر مقولة "دع كل الأزهار تتفتح في بستان الثورة", في دلالة على حاجة الشعب الفلسطيني لكل طاقاته وكادراته وتوحيدها في بوتقة النضال الوطني الفلسطيني العادل, والسير على خُطى الشهداء الأبطال والقادة العِظام, من حركة فتح ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري وقواتها الثورية, شهداء الحركة الوطنية الأسيرة, وشهداء الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية كافة, وشهداء الأمة العربية, ونحن نتذكر جميع الشهداء وفي مقدمتهم سيد الشهداء الرئيس الخالد ياسر عرفات أحوج ما نكون في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة من تاريخ شعبنا وأمتنا إلى العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني, وتحقيق المصالحة الوطنية والأهلية والمجتمعية العميقة والراسخة، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية لاستكمال وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني في الحرية والعودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.