خبر : هل تتحول مصر إلى دولة مارقة؟ ...د. نورهان الشيخ

السبت 13 أبريل 2013 09:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل تتحول مصر إلى دولة مارقة؟  ...د. نورهان الشيخ



منذ التغييرات العميقة التي أحدثها الرئيس السادات في تحالفات مصر الدولية والإقليمية منتصف السبعينات بالاندفاع نحو الغرب, أصبح للولايات المتحدة دور محوري في السياسة الخارجية المصرية. وعلي مدي العقود الثلاثة التالية امتدت الشبكة العنكبوتية الأمريكية لتهيمن علي توجهات السياستين الداخلية والخارجية. وانهالت الانتقادات علي السياسة الخارجية المصرية لسنوات طويلة, حيث تم شخصنتها علي نحو واضح, وبدت بطيئة, واكتنفها الجمود, وأصابها الوهن علي الصعيدين الإقليمي والدولي, وتراجع الدور المصري في العديد من القضايا التي تمس صميم الأمن القومي المصري. ولم تستطع مواكبة التغيرات السريعة والمتلاحقة عربيا وأفريقيا ودوليا, والاستجابة بفاعلية لتلك المتغيرات علي النحو الذي يعظم المكاسب المصرية ويقلل التأثيرات السلبية الفعلية والمحتملة لها. وقد مثلت ثورة25 يناير فرصة حقيقية لإحداث تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية المصرية, وتدشين مرحلة جديدة تقطع الصلة بكل السلبيات والاشكاليات التي اكتنفت السياسة المصرية في فترة ما قبل الثورة, وتوظف ما لدي مصر من رصيد ضخم ودور تاريخي في الانطلاق برؤية وأدوات تحقق المصلحة الوطنية المصرية, وتصون الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل, وتكفل الاستقلالية للقرار والحركة المصرية. وعلي عكس ما كان متوقعا ومأمولا تراجعت مصر بشكل حاد, واتجهت السياسة المصرية علي مدي الشهور التسعة الأخيرة منذ وصول الإخوان المسلمين للسلطة إلي تبعية مطلقة للولايات المتحدة. إلا أن الأكثر مهانة هو تلك التبعية لأذرع واشنطن في المنطقة, وهو ما لم يحدث في ظل نظام مبارك. فمصر علي مر تاريخها كانت دولة قائدة في المنطقة العربية, ولم يحدث أبدا أن أصابها هذا الهوان والخنوع لدول أقل منها مكانة. وتشير التحركات المصرية الأخيرة إلي تغير حاد وسريع في السياسة المصرية, تضمن تراجعا في العلاقات الأمريكية ـ الأخوانية في ضوء الانتقادات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية للرئاسة المصرية نتيجة الانتهاكات المتواصلة لحقوق الانسان. ومن أبرز هذه الانتقادات ما جاء علي لسان فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية والتي اتهمت مصر بخنق حرية التعبير, معتبرة أن أوامر الاعتقال التي صدرت في الأونة الأخيرة بحق نشطاء سياسيين دليل علي اتجاه مقلق يشهد تزايدا في القيود علي حرية التعبير. وأنه لا يبدو أن هناك تطبيقا متساويا للعدالة حيث تلاحق السلطات المصرية قضائيا بشكل انتقائي من يتهمون بإهانة الحكومة وتحقق في هذه القضايا بينما تتباطأ أو لا تتحرك بشكل ملائم للتحقيق في هجمات علي متظاهرين أمام القصر الرئاسي في ديسمبر الماضي, وفي حالات أخري من الوحشية المفرطة من جانب الشرطة, ومنع الصحفيين بشكل غير قانوني من دخول أماكن معينة. وأن الولايات المتحدة ستواصل الضغط من أجل احترام حقوق الإنسان في مصر. يتزامن هذا مع اتجاه الرئاسة إلي تعزيز علاقاتها مع خصوم واشنطن في المنطقة, , خاصة بعد أن أدارت ظهرها للإخوان المسلمين. وإذا كان التحسن في العلاقات المصرية ـ السودانية قد بدأ منذ حقبة مبارك ويبدو طبيعيا في ضوء العلاقات التاريخية بين البلدين ووحدة الشعبين, والمصالح الاستراتيجية المتبادلة, فإن نقلة نوعية مثيرة للجدل قد شهدتها العلاقات المصرية الإيرانية ـ منذ زيارة أحمدي نجاد لمصر في فبراير الماضي. فرغم التوتر الذي بدأ بين البلدين في عقب قمة عدم الانحياز في أغسطس من العام الماضي والتوجهات المصرية المتناقضة تماما مع نظيرتها الإيرانية آنذاك ليس فقط حول الأزمة السورية, ولكن نتيجة المرجعية للأخوان المسلمين ومشروعهم الذي يتناقض جوهريا مع المشروع الإيراني, فإن الانهيار الاقتصادي الذي تشهده مصر ورغبة السلطة في توفير سيولة نقدية بأي ثمن أتاح الفرصة لطهران لرمي الطعم الذي ألتقطته الرئاسة والحكومة. ودون رؤية للمصالح الوطنية وأسس تحكم العلاقات اندفعت السلطة في مصر نحو طهران, ودخل نجاد منتصرا الأزهر الشريف ليعلن هزيمة مصر السياسية في حرب باردة استمرت لعقود بين البلدين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمثل ذلك بداية محور جديد في المنطقة يضم السودان ومصر وإيران, لتدخل مصر بذلك ضمن تصنيف الدول المارقة؟؟ من المبكر جدا الإجابة عن مثل هذا التساؤل, خاصة في ضوء التغييرات الداخلية الحادة والمتلاحقة التي تعتصر مصر والمصريين, والتي قد تسفر عن تغييرات عميقة في هيكل السلطة الحاكمة والأولويات التي تحكم حركتها الخارجية.