خبر : بين سجين ومعذب وقتيل .."الإتجار بالبشر" يتصاعد في شبه جزيرة سيناء

الأربعاء 10 أبريل 2013 10:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بين سجين ومعذب وقتيل .."الإتجار بالبشر" يتصاعد في شبه جزيرة سيناء



برلين - ديرشبيغل – خدمة نيويورك تايمز -  أصبحت شبه جزيرة سيناء سجناً ومقبرة لآلاف اللاجئين الأفارقة، الذين يتعرضون للخطف والسجن والتعذيب حتى الموت، ويحصل ذلك حتى بعد أن تدفع عائلاتهم فدية كبيرة. لكن ترفض مصر التحرك لمعالجة الوضع. هرب خمسة أشخاص ليلاً بمساعدة الرياح العاتية. هبّت رياح عنيفة واصطدمت بالكوخ الذي كانوا مكبّلين في داخله. بدا الحارس نائماً واشتدّ صوت العاصفة لدرجة أنهم تمكنوا من استعمال صخرة لكسر السلاسل من دون أن يوقظوه. زحفوا واحداً تلو الآخر على جنبهم وعبروا ممراً ضيقاً في الجدار وخرجوا إلى الحرية. يقول زي (27 عاماً) من إريتريا: "أردنا الهرب أو الموت". كان الأشخاص الخمسة حفاة وخرق بالية تغطي أجسامهم الهزيلة والمليئة بالحروق والندوب. يقول زي: "رأينا أضواء أمامنا". لكن كان رجلان منهم أضعف من أن يتابعا السير. فبقيا متأخرين عن البقية وتمددا هناك في الصحراء لأن الآخرين كانوا أضعف من أن يساعدوهما أيضاً. بالكاد كانوا يستطيعون أن يجروا أجسامهم لمتابعة السير. في النهاية، وصل شابان وفتاة إلى أول منزل شاهدوه. حين فتح رجل بدوي الباب، يقول زي: "ظننتُ أن التجربة نفسها ستبدأ مجدداً" (في إشارةٍ إلى الضرب والتعذيب والاغتصاب). أصبحت شبه جزيرة سيناء التي تربط بين مصر وإسرائيل مكاناً يشهد معاناة وموت آلاف اللاجئين من إفريقيا جنوب الصحراء، تحديداً من إريتريا أو الصومال أو السودان. يأتي هؤلاء بحثاً عن حياة أفضل في إسرائيل أو أوروبا ولكن يتم خطف الكثيرين منهم واعتقالهم وتعذيبهم. يطالب المجرمون المنتمون إلى البدو بفدية من عائلات الضحايا. غالباً ما يعذبون السجناء حتى الموت. في غضون ذلك، يبدو أن الحكومة في القاهرة تتجاهل هذه الجرائم الوحشية.  عالقون في أرض لا تعرف القانون منذ اندلاع الثورة التي أطاحت بأركان السلطة في مصر، أصبح الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء خارج سيطرة البلد السياسية. تحول المكان إلى منطقة خارجة عن القانون ومعقلاً للمجرمين والإرهابيين. تتجول مجموعات من الشبان الذين يحملون أسلحة كلاشنكوف (AK-47) في الشوارع. تشهد أعمال الاتجار بالبشر ازدهاراً متزايداً وقد ارتفع معدل القتل إلى مستويات قياسية. يقول الزعيم البدوي الشيخ محمد: "لا شرطة هنا". بل تخضع سيناء لسلطة عشائر عائلية تطبّق قوانينها الخاصة. الشيخ محمد أحد البدو الذين يرفضون الاتجار الوحشي باللاجئين. لكنه يوضح: "لا أستطيع تحريرهم. لا أحد يستطيع التدخل في شؤون عشيرة أخرى لأن ذلك سيشعل نزاعاً دموياً بين العشائر. أستطيع مساعدة الأفارقة بعد أن يهربوا بأنفسهم". في صباح اليوم التالي على عملية الهرب، وُجد الأشخاص الثلاثة من إريتريا في كوخ ضمن أملاك الشيخ محمد. في السادسة صباحاً، جلبهم البدوي الذي اقتربوا من منزله في البداية وقد حصلوا على سترات وبطانيات. راح الفحم يُصدر دخاناً كثيفاً وهو يشتعل في الرمال ووُضعت مقلاة من الرز والدجاج بالقرب منه.  لكن لا يستطيع اللاجئون أكل كميات كبيرة. فقد تعرضت أجسامهم لصدمات متكررة وغالباً ما يدفنون رؤوسهم بين سيقانهم الهزيلة ويبكون. دفع الفدية بدون تحرير يوضح مهرتاب (27 عاماً): "بالكاد كنا نحصل على ما نأكله أو نشربه. ولم يكن يُسمَح لنا بالنوم. إذا نمنا، كانوا يحرقوننا. كانوا يحرقون أيدينا أو ظهرنا بقطعة بلاستيكية مشتعلة أو كانوا يحرقوننا مباشرةً بالولاعات". يكشف عن ندبة طويلة في عنقه ويقول: "كانوا يعلّقوننا من أقدامنا ويضربوننا. وإذا بكينا، يتصلون بأفراد عائلاتنا وكنا نضطر إلى التوسل إليهم على الهاتف كي يدفعوا ثمن تحريرنا". احتُجز الإريتريون الثلاثة رغماً عنهم في سيناء لأكثر من سنة. يقولون إن تجّار البشر سجنوهم في البداية في غرفة تحت الأرض طوال أشهر، ثم نقلوهم إلى الكوخ في الصحراء. يقول زي: "كان عددنا 22 في البداية. لكن مات عشرة منا في القبو". يقولون إن عائلاتهم حوّلت أموال الفدية التي تصل إلى 30 ألف دولار (23 ألف يورو) تقريباً عن كل سجين. لكن بدل إطلاق سراح الرهائن، كان الخاطفون ينقلونهم إلى تجّار بشر آخرين. يوضح زي: "لا يملك أهلي أكثر من ذلك كي يقدمّوه. باعوا أرضهم وجميع حيواناتهم. كذلك جمعوا لي التبرعات في الكنيسة".  في الحقيقة، غالباً ما تعمد مجتمعات بكاملها إلى جمع الأموال لدفع فدية أحد اللاجئين. تعامل همجي تجلس ليمليم في إحدى الزاويا وهي ترتدي سترة فضفاضة جداً حصلت عليها عند وصولها. إنها شابة هزيلة تبلغ 15 عاماً وعيناها محتقنتان بالدم. يوضح زي أن ليمليم تعرضت للاغتصاب بشكل متكرر: "كانوا يأتون بكل بساطة ويأخذونها في أي وقت، كلما أرادوا ذلك". نادراً ما تتفوه ليمليم بكلمة. لكنها تكلمت مرة كي تسأل عما إذا كان المراسل يستطيع أن يجد لها ملابس داخلية. تشبه قصص اللاجئين الثلاثة قصص مئات الآخرين الذين رصدتهم منظمة "هيومن رايتس ووتش".  يظهر بعض التفاصيل المتشابهة بشكل متكرر في مختلف التقارير (صدمات كهربائية، اغتصاب، حرمان من النوم، تعذيب بقطعة بلاستيكية حارقة يتم دسها أحياناً في المهبل أو الشرج). تُظهر فيديوهات التقطها مصور محلي اللاجئين مع جروح جلدية عميقة وملتهبة تجذب الحشرات وأطراف متورمة بشكل مريع. تشير تقديرات صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن سبعة آلاف لاجئ واجهوا معاملة مماثلة خلال السنوات الأربع الأخيرة وقد قُتل أربعة آلاف منهم على الأرجح. سُحبت الأرقام من بيانات وفّرتها منظمات المساعدة في أوروبا والولايات المتحدة. غالباً ما يجد السكان المحليون جثث اللاجئين الأفارقة بعد رميها في الصحراء وقد تظهر أطرافهم من بين الرمال. في ظلمة ذلك المكان الواقع بين مدينة العريش وبلدة رفح الحدودية، يقع مبنى منخفض لا كهرباء فيه. توفر الشموع الضوء وتصطف السجادات في الغرفة. يجلس شاب ممتلئ ويرتدي سترة مبطّنة باللون الرمادي الفاتح في إحدى الزوايا. يعرّف عن نفسه باسم محمود. إنه تاجر بشر. يقول: "نحتجزهم إلى أن تدفع عائلاتهم الأموال". ويؤكد أنه أطلق سراح مجموعة أخرى من الأفارقة قبل ثلاثة أيام وسلّمهم إلى مهرّبين سيصطحبونهم عبر الحدود إلى إسرائيل. يقوم بهذه العمليات منذ عام 2009. لكن زادت صعوبات الحياة هنا بحسب رأيه. لا مجال للهروب في المساجد في سيناء، تدين الشخصيات المحلية المرموقة من أمثال الشيخ محمد سلوك المهرّبين مثل محمود، فتعتبر أن جرائمهم ضد المستضعفين تعكس سلوكاً غير إسلامي. لم يعد الناس يلقون التحية على محمود وهو بات يخاف على حياته. يسأل: "لكن ما الذي يُفترض أن أفعله عدا ذلك؟ لا فرص عمل هنا. لا سبيل لجني الأموال!"، وبعد ذلك ركع في احدى الزاويا ليبدأ صلاته. يمكن أن تصل فدية أي لاجئ إلى 50 ألف دولار. خلال الأشهر العشرين الماضية، تطورت نزعة جديدة ومقلقة: وصل لاجئون كثيرون في النهاية إلى إسرائيل مع أنهم لم يرغبوا في الذهاب إلى هناك. خطف البدو من قبيلة "الرشايدة" هؤلاء الناس في السودان، حتى إنهم كانوا يخطفونهم أحياناً من مخيمات اللاجئين ثم يسلمونهم إلى عشائر في سيناء. يؤكد اللاجئون على حصول هذه الممارسات بالتعاون مع الشرطة الحدودية السودانية. يقول محمد بكر، مدير منظمة غير حكومية محلية في شمال سيناء: "فور دفع الفدية عن شخص معين، يخطفون الرهينة التالية". يعتبر بكر أن الحل الوحيد إبلاغ الناس أثناء وجودهم في بلدهم الأم بمخاطر محاولة الهرب عبر سيناء. بعد خطفهم يجد اللاجئون أنفسهم في وضع يائس ومريع في آن واحد، حتى لو نجوا وأطلق سراحهم في نهاية المطاف، سيضطرون إلى التجول في أرض مجهولة بالقرب من الحدود الإسرائيلية. إذا عبروا الحدود، سيجازفون بالتعرض لإطلاق النار. وإذا وصلوا إلى إسرائيل، قد يتم اعتقالهم. وإذا قبضت عليهم الشرطة المصرية قبل أن يعبروا الحدود، سيتم احتجازهم في مراكز الشرطة في سيناء حيث سيواجهون ظروفاً مريعة قبل ترحيلهم إلى بلدهم. تجاهل القوانين الدولية ترفض الحكومة المصرية السماح للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة بزيارة تلك السجون. تزعم أن الناس المحتجزين فيها من اللاجئين الاقتصاديين، وبالتالي لا يملكون حق اللجوء السياسي لأنهم دخلوا إلى سيناء بطريقة غير شرعية. يقول محمد دايري من مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في القاهرة: "مصر تخرق القانون الدولي للاجئين". تُعتبر منظمته الهيئة التي تحدد وضع اللاجئين وهو يظن أن عدداً كبيراً من اللاجئين من إريتريا والصومال مؤهلون للاستفادة من حق اللجوء السياسي لأنهم مهددون بالاضطهاد والتعذيب في بلدانهم. من خلال تجاهل الجرائم ضد اللاجئين من إفريقيا جنوب الصحراء، تخرق مصر قوانينها الخاصة التي تمنع صراحةً الاتجار بالبشر. يتم اعتقال مهرّبي الطماطم أو البطاطا بشكل متكرر في مصر ولكن لم تتم محاكمة ولو تاجر بشر واحد. عمدت الحكومة في القاهرة إلى تبرير جمودها عبر التحدث عن المخاوف الأمنية. منذ أغسطس 2012، عمدت حكومة الرئيس محمد مرسي إلى توسيع وجودها العسكري في سيناء، لكنها فعلت ذلك لمحاربة الإرهابيين الإسلاميين بدل تحرير اللاجئين الأبرياء. تنتقد الصحافية المصرية لينا عطا الله من صحيفة "إيجيبت إندبندنت" (منشورة أسبوعية باللغة الإنكليزية) حكومتها بسبب فشلها في التحرك وسلوكها اللامبالي. كتبت في نوفمبر 2012: "يخبرنا بعض عناصر القبائل بأن قوى الأمن تفتقر إلى المعدات ويمكن أن يتغلب عليها المهربون بسهولة بفضل براعتهم العسكرية. لكن يعكس الوضع أيضاً واقعاً مؤسفاً من العنصرية المترسخة: لا أهمية للضحايا. هم أفارقة، لاجئون ومهاجرون". تشير أيضاً إلى غياب أي منظمة قوية تسعى إلى ضمان مصالح اللاجئين. مهرّبون يرشون الشرطة يشكك محمد بكر من المنظمة غير الحكومية في شمال سيناء بمدى استعداد حكومته للتدخل: "بكل بساطة، لا يريدون الاعتراف بهذه المشكلة". بكر على يقين بأن المهربين يرشون عناصر الشرطة الحدودية كي يسمحوا لهم بتهريب اللاجئين إلى سيناء. يظن أن الشرطة والجيش يعلمان جيداً هوية المهربين ومكان اختباء السجناء، "ولكنهما لا يحركان ساكناً مع أن المهمة تدخل في إطار واجباتهما". مع ذلك، تباطأ تدفق اللاجئين الذين يدخلون سيناء في الأشهر الأخيرة بسبب تعدد مراكز التفتيش الجديدة التي نشأت نتيجة توسّع الوجود العسكري. يقول دايري من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين: "لسوء الحظ، هذا التدبير لا يحل المشكلة. يجد المهربون بكل بساطة طرقاً مختلفة. نعلم بأمر اللاجئين المحتجزين الآن في أسوان" (مدينة في جنوب مصر). يُقال إن ألف لاجئ إفريقي تقريباً محتجز راهناً في سيناء. نجح زي وليمليم ومهرتاب في الهرب من معذبيهم ولكنهم لا يزالون ينتظرون في كوخ الشيخ محمد في سيناء ويبقى مستقبلهم مجهولاً. يأملون أن يساعدهم الشيخ على الهرب إلى القاهرة وأن يسلّمهم إلى إحدى منظمات المساعدة. يقول مهرتاب: "بعد ذلك، أريد الذهاب إلى أوروبا. أريد أن أجهد في العمل وأسدد جميع الأموال إلى عائلتي".