بعد انتقادات شديدة وجهتها محافل في لبنان على تدخل حزب الله في الحرب في سوريا، ومحاولات لبنان إبعاد نفسه عمن كانت في السنوات الاخيرة الماضية الشقيقة الكبرى، سوريا، يبدو الآن أن لا سبيل لمنع الحرب الجارية في سوريا من الانتقال الى لبنان. تشكل الاحداث في طرابلس في شمال لبنان مثابة مقدمة للحرب الطائفية المتوقع وقوعها في سوريا في اليوم التالي للاسد. فالمدينة التي يسكن فيها علويون وسنة أصبحت مؤخرا بؤرة للعنف. وأحصي فيها عشرات القتلى منذ آب الماضي، خمسة منهم يوم الجمعة الاخير في أعقاب تبادل لاطلاق النار بين جبل محسن، الذي يعود للعلويين اللبنانيين الذين يؤيدون نظام الاسد وبين القوات السنية في المدينة، التي تتخذ من حي باب التبان معقلا له. وأدى تبادل اطلاق النار، الذي اصبح جزءا من الحياة اليومية منذ آب، الى انتشار كبير لقوات الامن والجيش اللبناني في المنطقة، ولكن هذه لا يمكنها أن توقف سفك الدماء. وكان الشيخ أسد عاصي، المفتي العلوي في لبنان، صرح الاسبوع الماضي بانه اذا ما تعرض العلويون للاعتداء فان بوسعهم أن يدافعوا عن أنفسهم بكل طريقة ممكنة. وذلك بعد صدامات شديدة بين العلويين، من مؤيدي نظام الاسد، وبين السنة المعارضين للاسد في شمال لبنان. وفي مؤتمر صحفي خاص عقده في أعقاب الصدامات في طرابلس توجه المفتي الى كبار رجالات الحكم في لبنان مطالبا بترتيب الوضع في المدينة وقال: "نحن العلويين لم نصل الى الدولة مؤخرا. نحن لنا جذور عميقة جدا في لبنان وفي سوريا ولن نسمح بالمس بأبناء الطائفة. واذا لم تعالج محافل الامن في لبنان الموضوع، فسنضطر الى أخذ الامور في أيدينا وندافع عن أبنائنا". منطقة البقاع اللبناني، التي تحد سوريا، أصبحت مكانا خطيرا لاحداث خطف. وأقام الجيش اللبناني في المنطقة حواجزم لوقف ارساليات غير مشروعة من السلاح والسولار من لبنان الى النظام السوري الذي يقاتل ضد الثوار، ولكن حتى هذه القوات لا تشكل عائقا حقيقيا. وتنشغل منظمة حزب الله، التي توجد قواتها عميقا في أحداث القتال في سوريا، في حماية مسارات التموين لنظام الاسد في لبنان. وتخلق هذه المسارات مثلث ذهبي قاعدته في بيروت، دمشق وحمص. ويستخدم المطار في العاصمة اللبنانية في الاشهر الاخيرة مطارا دوليا لسوريا في أعقاب تقدم الثوار السوريين نحو المطار في دمشق وتعطيل الرحلات الجوية المدنية فيه. وتفضل الطواقم الدبلوماسية السورية، بما في ذلك وزراء الحكومة ومستشارو الاسد السفر في معبر يحرسه حزب الله الى بيروت والطيران من لبنان. مسار تموين آخر وأساس من لبنان الى سوريا يمر عبر وادي جدول اورنتوس الذي يقع في المنطقة التي تسيطر عليها الطائفة العلوية السورية وتشكل منطقة فصل موالية للرئيس السوري. وادى تدخل حزب الله في الحرب في سوريا الى انتقاد شديد من جانب محافل لبنانية داخلية. فقد حذر زعيم الدروز وليد جنبلاط من أن هذا التدخل سيؤدي الى انتقال القتال الى داخل لبنان. وبالفعل، في الفترة الاخيرة اطلق الثوار السوريون المتواجدون في منطقة الحدود النار مرات عديدة في الفترة الاخيرة نحو أهداف في اعماق الدولة، ولا سيما تلك التي توجد في قرى شيعية في لبنان. وجاءت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في اعقاب رفض المجلس الوزاري تمديد ولاية قائد الامن الوطني الداخلي في لبنان لتعقد الامور. فقد أوصى ميقاتي الرئيس اللبناني ميشيل سليمان باقامة حكومة انقاذ وطني، ولكن يبدو ان سليمان هو الاخر الذي يعتبر جهة تجسر بين حزب الله والقوى الاخرى المتماثلة مع معارضي النظام في دمشق، لا يؤمن بان لبنان يمكنه أن يتفادى كونه "الساحة الخلفية" لبشار الاسد.