خبر : «بي بي سي» في دمشق تَستشّرف مستقبل سورية

الأحد 24 مارس 2013 11:51 م / بتوقيت القدس +2GMT
«بي بي سي» في دمشق تَستشّرف مستقبل سورية



أمستردام – محمد موسى- كيف دَخلت «بي بي سي» سورية وتَنَقلت من شمالها الى جنوبها، من مناطق الجيش الحرّ، الى ما تبقى من دولة الأسد؟ وكيف تمكنت «هيئة الإذاعة البريطانية» من مقابلة بثينة شعبان، المستشارة الإعلامية للرئيس السوري، والمبتعدة منذ زمن طويل عن شاشات التلفزيون؟ وكيف وجدت «بي بي سي» الطريق سالكاً إلى قواعد مقاتلي الجيش الحرّ؟ وكيف سُمِح للمؤسسة البريطانية بأن تكون هناك، في قرى الساحل السوري، لتشهد على دفن سوريين من الطائفة العلوية، من الذين يقتلون يومياً في العنف المتواصل منذ عامين في البلد المنكوب؟ هذه الأسئلة بدت أكثر إلحاحاً من تلك التي حاول الإجابة عنها الفيلم الوثائقي «تاريخ سورية مع دان سنوو»، والذي عرض أخيراً على شاشة «بي بي سي» الثانية ضمن البرنامج الوثائقي «هذا العالم». فسورية الرسمية كانت أغلقت حدودها في شكل شبه كامل بوجه التلفزيونات الأوروبية منذ عامين، كما ان وجود فرق تصوير أجنبية فيها، أضحى أمراً فيه مخاطرات جمّة، فما أكثر المتربصين بالإعلامي الأجنبي في هذا البلد العربي الذي تحول الى ساحة تصفية حسابات بين دول ومصالح. «لفهم ما يجري اليوم في سورية، علينا العودة الى الماضي، فالتاريخ يعيد نفسه في هذه البقعة من العالم»... هكذا يَفتتح المقدم البريطاني المهتم بالتاريخ الشاب دان سنوو تقريره التلفزيوني، والذي سيتنقل بمرونة لافتة في الأراضي السورية، المقسّمة الآن بفعل العنف المتصاعد. البرنامج سيزور لبنان أيضاً، لمقابلة اختصاصيين بالشأن السوري من أكاديميين لبنانيين، كما سيقابل لاجئين سوريين هناك، أبرزهم عائلة من مدينة حماة، استعادت أحداث حماة في ثمانينات القرن العشرين، بخاصة أن الزوجين كانا شاهدين على ما وقع وقتها من تدمير للمدينة، على أيدي الأسد الأب. «الدرس التاريخي» الذي يقدمه البرنامج البريطاني عن تاريخ سورية، وكيف تبادلت الطوائف والأثنيات التي تشكل المجتمع السوري السلطات والمظلوميات عبر التاريخ، هو درس قيّم للذين لا يعرفون الكثير عن تاريخ المنطقة، بخاصة للمشاهدين البريطانيين الذين يتوجه اليهم البرنامج بالأساس. لكن قيمة البرنامج الاخرى، هي كسره لحصار الصورة الذي تضربه السلطات السورية على البلد، فالمقدم يتنــقل في أحياء دمشق، وفي ريفها ومتاحفها، والأهم من ذلك يسجل شهادات لشخصيات سورية عن التاريخ السوري الحديث، ربما تكون الأولــى لــــهم. فبثينة شعبان تتحدث عن الرعـــــب الذي عاشته كطالبة جامعية في بدايـة عقد الثمانينات، عندما بدأ نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» بالتصاعد، وإبنة السلطان باشا الأطرش تحدثت عن والدها ودوره في تاريخ سورية الحديث، «البلد الذي يقترب رئيسه الشاب من تدميره»، وفق وصفها. دان سنوو سيكون شاهداً على مناسبة خاصة في الساحل السوري، عندما تـــودع عائلة سورية علوية فقيدها الجندي الذي قتل في ساحات القتال. الجنازات الشعبية تتكرر يومياً، كما يقول المقدم، وأبناء المنطقة في ذعر من أن يعودوا الى زمن كانوا فيه لاجئين في الجبال، خوفاً من السلطات التي حكمت سورية عبر العقود. أما اللاجئون السوريون، فسيكتفي البرنامج بعينة منهم، لكنّ شهاداتهم ستكون الأقوى تأثيراً في البرنامج كله، فعندما تتحدث السورية الآتية من حماة، عن شبابها، تتذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه القوات الأمنية حيّها. تذرف المرأة دموعاً على حياتها التي هَيمن عليها الخوف، إنها هنا في لبنان الآن، لأنها لم ترغب أن ترى إبنها الشاب يُقتل أمام عينيها، كما تَشرح لكاميرا البرنامج البريطاني. وإذا كانت العودة إلى تاريخ سورية مُهمة لِفهم ما يجري الآن من عنف واختلاف، إلا إن البِشارة التي انتهى بها البرنامج البريطاني تبدو مُبسطة ومتفائلة، فلا يمكن مع وجود نموذج الجار العراقي، المحاججة بأن التاريخ السوري قدم نموذجاً لتعايش بين الإثنيات، وإن هناك إمكانية لتكرار هذا النموذج، فهذه إدعاءات وأمنيات، حوّلتها سنوات العنف العراقي وعامان من الموت السوري إلى شعارات جوفاء بلا قيمة.