حين دخل وزير الدفاع الجديد موشيه بوغي (يعلون) الى مكتبه أمس انتظره على الطاولة ملفان للعناية الفورية: الاول معقد والثاني مستحيل. المستحيل يُعنى بمسألة ميزانية الدفاع. المعقد هو زيارة اوباما.في الفصل الفلسطيني من الملف أطل أمام ناظر يعلون عائق يُعد من حيث وزير الدفاع حديث العهد على جثتي: المبادرة العربية (السعودية)، تلك التي عرفناها منذ العام 2002، تجتاز عملية شد وجه. وهي تهدد (أو تعِد، وهذا منوط بعيني الناظر) بالعودة الى هنا. ليس من الباب الخلفي عبر الاوروبيين أو الجامعة العربية – بل من الباب الأمامي. فهي تصل هنا مع الرئيس اوباما، أو للدقة، في جعبة وزير الخارجية المتحمس جون كيري.ضوء أخضر لكيريومع أن الادارة الامريكية تحاول تخفيض مستوى التوقعات في كل ما يتعلق باستئناف المفاوضات، ولكن زيارة اوباما ترمز بالذات الى العكس، وتجلب تحت جناحيها خطة أولية مُحدثة على أساس مبادرة الجامعة العربية.محظور الوقوع في الخطأ: الرئيس الامريكي يبقى متشائما بالنسبة لخيار اختراق دراماتيكي في الملعب الاسرائيلي – الفلسطيني في السنتين القادمتين. ولكن وزير الخارجية الجديد نجح في اقناعه باعطاء هذا فرصة. الزمن ضيق، قال كيري لاوباما، والحوار الاسرائيلي – الفلسطيني سيُحسن مكانة الولايات المتحدة في العالم الاسلامي ويفتح الطريق لاتخاذ قرارات في المسألة الايرانية وفي المسألة السورية على حد سواء. الرئيس اقتنع وأعطى الوزير المفعم بالحوافز ضوءا أخضر.وهكذا سيتم الامر: الرئيس الامريكي سيهبط هنا بصفته "مُليّن". فهو سيتحدث عن الامكانيات الرائعة الكامنة في المسيرة السلمية لكل شعوب المنطقة، فيما ان جون كيري سيضع الخطة على الطاولة. وكان كيري هبط أمس في البلاد كي يُعد زيارة الرئيس. في منتهى السبت، حين سيرفع الرئيس المرساة ويعود الى الديار، سيعود الى هنا كيري مرة اخرى كي يواصل تسويق الخطة. فقد أعطاه اوباما تفويضا باقناع الاوروبيين، دول المنطقة والشريكين – الاسرائيليين والفلسطينيين – للدخول الى المسيرة والبدء بتحقيقها. اذا ما وعندما يحصل هذا، سيضيف اوباما توقيعه الاعتباري على المسيرة ويجعلها "مبادرة رئاسية". الزمن زمنه.اعلان نوايامنذ قبل بضعة أسابيع انطلق كيري على الدرب وبدأ يتحدث عن المبادرة مع ممثلي الطرفين، الذين وصلوا اليه الى واشنطن في اطار الاعداد لزيارة الرئيس الى اسرائيل. لكيري أكثر من نصف سنة بقليل ليعرق في سبيل احياء المبادرة العربية. واذا كان هذا منوطا بيعلون، فخسارة على وقته. مبادرة الملك السعودي من العام 2002 ليست خطة مغلقة وجاهزة، بل هي اكثر من ذلك تصريح نوايا: كيف يمكن الوصول الى سلام شامل في رزمة واحدة. في السطر الاخير تقول هذه المبادرة لاسرائيل: سلموا المطالب الاقليمية التي للسوريين، للفلسطينيين وللبنانيين – وستكونون مرتبين معنا جميعا. ليس فقط مع دول الجامعة العربية بل مع كل الدول الاسلامية: 57 دولة، ناقص ايران. هذه الصيغة تشجع الدخول الى المفاوضات في مواضيع مثل العودة الى خطوط 67، ايجاد حل للاجئين على أساس قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة 194، مكانة القدس القديمة كعاصمة الدولة الفلسطينية ومسائل اخرى. وبالمقابل تتعهد كل الدول الاسلامية والدول العربية بالاعتراف باسرائيل. الفلسطينيون سيتعين عليهم ان يكونوا مرنين هذه المبادرة ليست املاءً. عندما عرضها الملك السعودي في حينه تحدث عن أن كل شيء مفتوح للمفاوضات. وفي الاسابيع الاخيرة ايضا، عندما بدأ كيري يسوق المبادرة، عاد وأعلن بان الخطة ستجتاز تكييفات في ضوء التطورات في العالم العربي وعلى خلفية الواقع المتغير في المناطق. وأوضح الوزير للفلسطينيين انه خلافا للوثيقة الاصلية، التي تحدثت عن حدود 67 كاساس للمفاوضات، سيتعين عليهم ان يقبلوا مثلا مبدأ تبادل الاراضي – بمعنى، الاعتراف بالكتل الاستيطانية، وستكون حاجة الى البحث أيضا في حلول بديلة لمسألة اللاجئين، في موضوع السيطرة في القدس القديمة وفي مسائل عديدة اخرى.وتشير مصادر في وزارة الخارجية الامريكية الى أن نتنياهو أيضا لا يستبعد تماما بعض أجزاء الصيغة. وبزعمهم أعرب على مسمعهم غير مرة عن الرغبة في الوصول الى تفاهم مع السعودية ومع دول الخليج كعنصر في الترتيبات الامنية الاقليمية لاسرائيل. وحسب الفهم الامني لنتنياهو، فان دول الخليج هي الدائرة الثالثة في حزام الامان لاسرائيل حيال ايران. وعليه، على الاقل حسب الامريكيين، حين يدور الحديث عن المبادرة السعودية – فانه مرنا أكثر من وزير دفاعه. تنقيط العطايا مبادرة الجامعة العربية المتجددة تلقى سلطة فلسطينية ضعيفة مما كانت في الماضي وبحاجة الى دعم كامل من العالم العربي على كل خطوة وشبر. وفي الاسبوع الماضي زار جون كيري السعودية، التقى هناك ابو مازن وعرض عليه الخطة مع التعديلات التي ادخلت عليها حتى الان. ولكن أهم من ذلك: طلب من السعوديين جعل مبادرة السلام العربية خطة عمل. فقد ناشدهم بتعزيز السلطة وخلق ائتلاف عربي – مع المصريين والاردنيين – يعطيها الاسناد. وفقط مع مثل هذا الاسناد يمكن للفلسطينيين أن يقدموا تنازلات سواء في مسألة حق العودة أم في موضوع الكتل الاستيطانية أم في مسألة القدس. كما طلب كيري من السعوديين تمويل البنى التحتية للدولة الفلسطينية التي ستقوم، وذلك لان الولايات المتحدة ليست في وضع اقتصادي تسمح لها بعمل ذلك. وطلب واحد آخر يوجد لدى كيري: أن يساعده السعوديون في تسويق الخطة لاسرائيل. في نهاية المبادرة ينتظر اسرائيل، كما اسلفنا، اعترف من كل الدول الاسلامية، ولكن حتى ذلك الحين يطلب كيري من السعوديين ان تنقط عليها بالتدريج ببعض العطايا. فمثلا اذا وافقت اسرائيل على قبول المبادرة والدخول في المفاوضات – برعاية الملك الاردني أو برعاية اخرى – أن توافق الدول العربية على فتح السماء أمام الطيران التجاري لشركة ال عال. كما أنهم في وزارة الخارجية الامريكية لا يستبعدون دعوة الرئيس شمعون بيرس لالقاء خطاب امام الجامعة العربية أو ايماءة اخرى في الاسلوب. وأعرب بيرس عن تأييده للمبادرة في الخطاب الذي ألقاه في الامم المتحدة في 2007. والامريكيون على علم بان نتنياهو غير مستعد للحديث عن تسوية دائمة فورية. كما أنه غير قادر على قبول الخطة السعودية، حتى مع التعديلات، بكاملها. ولا يزال، في وزارة الخارجية الامريكية يؤمنون بانه يمكن ايجاد صيغة يمكن لنتنياهو أن يتعايش معها حتى دون أن يحطم الائتلاف الجديد الذي بناه. يوجد في هذه الخطة، يقولون هناك، ما يكفي من الافكار الهامة لامن اسرائيل – كي لا ترفضها رفضا باتا. وفضلا عن ذلك، فان الرئيس اوباما سيحاول تليين الاسرائيليين.