في التسعينيات دخل الى المطبخ اصطلاح جديد – الطبخ الجزيئي. وهذا خليط من البحث العلمي في سلوك المواد الخام العادية في اثناء الطبخ وبين تحولها الى وجبات لذيذة، العلاقة بينها وبين الطعم الاصلي للمواد الخام توجد في الاسم اساسا. والنتائج يمكنها أن تعجب كل من يتناولها – البوظة كمقبلات مع بيضة، كأس شاي نصفه ساخن ونصفه بارد، معكرونة سائلة. في اسرائيل يشق هذا المطبخ خطواته الاولى ولكن كدولة تسبق العالم في التطويرات التكنولوجية، سارع رئيس الوزراء الى نسخ هذه النزعة في المطبخ السياسي. اذا نجح نتنياهو في تشكيل حكومة، وهو سينجح، فسيتبين لنا فجأة بان المواد الخام الاساسية، التي صوتنا لنا في الانتخابات، فقدت طعمها وطبيعتها. وبدلا منها سنحصل على خليط كتلي لا يمكن تشخيص عناصرها. لبيد بطعم بينيت. لفة لفني بنتنياهو. ظاهرا لكل اربعة اساسات حكومة نتنياهو، لبيد، بينيت، لفني سيكون قاسم مشترك اقتصادي واجتماعي. برامجهم (باستثناء الليكود الذي اعفى نفسه من عرض برنامج) تعد باماكن عمل، التعليم للجميع، وترميم الجنة على الارض، دون احتكارات، مع الاف وحدات السكن للازواج الشابة وبالطبع تخفيض الضرائب. على هذا الحلم المشترك يمكنهم ان يقيموا حكومة منذ الساعة الاولى ما بعد الانتخابات. المشكلة هي ان بين الحلم وتحققه يفصل التقليص الهائل المتوقع في الميزانية، ويتعاطى معه كل واحد من الشركاء وكأنه لم يكن. أي من اعضاء نادي مؤسسي الحكومة لا يشرح على من يفضل ايقاع البلطة والى أي جيوب ستدخل الحكومة يدها . هل سيكون هؤلاء هم فقراء المحيط؟ هل هم المستوطنون الذين يحتاجون دوما الى مزيد من وحدات السكن ومزيد من الطرق؟ وربما سلة الصحة ستدفع الثمن أم يوم التعليم الطويل؟ كالمعتاد، الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة ستدفع الثمن، ولكن من حقها أن تعرف منذ الان ما ينتظرها. اذا كان هكذا في الاقتصاد وفي المجتمع، فما بالك في الموضوع السياسي، ولكن هنا الامور أوضح بكثير. الفجوة العميقة بين الايديولوجيا الاستيطانية ورؤيا بلاد اسرائيل الكاملة الخاصة ببينيت، وبين التطلع الى السير في المفاوضات مع الفلسطينيين الخاص بلبيد وبلفني واضحة في برامجهم. هنا حتى الحلم ليس مشتركا. ولكن ماذا يهم هذا. المهم أن تكون حكومة. ماذا ستكون الخطوط الاساس؟ من سيدفع على ماذا؟ من سيتنازل عن ماذا؟ كل هذا سر. للجمهور ستقدم حكومة العلاقة بينها وبين ما اعتقد الناخب انه انتخب هي كالعلاقة بين البرنامج السياسي لبينيت والبرنامج السياسي للفني. يقولون لنا ان هكذا هو الحال في الديمقراطية. الجمهور يصوت بصيغة ما، واضحة وجلية، ولكن لا يحق له أن يؤثر على عملية انتاج المنتج النهائي. يمكنه أن يختار ممثليه ولكنه لا يمكنه أن يتحكم بما سيفعلوه باسمه. هذه حقيقة جزئية. في تشكيل الائتلاف لا مفر من التنازلات. ولكن لا يوجد ما يدعو الى اخفائها عن العين حتى في مرحلة المفاوضات. فالحكومة ليست خلطة وتشكيلها ليس صفقة بين بائعي جياد. إذ في عملية تشكيل الحكومة ينشأ ايضا الواقع الجديد الذي سيتعين على المواطنين ان يعيشوا فيه. ومن حقهم أن يعرفوا منذ الان ماذا حقق لهم ممثلوهم دون انتظار التعليلات والتبريرات التي ستطلق بعد نشر الخطوط الاساس للحكومة. مسموح للجمهور أن يعرف، مثلا، ماذا وكم سيدفع مقابل حلف "المساواة للعبء" لبينيت ولبيد. هل لبيد يتنازل عن مسيرة سياسية؟ هل نتنياهو يتراجع عن "دولتين للشعبين"؟ هل نتائج هذا الحزب يعرض للخطر أمن ومكانة اسرائيل الدولية مقابل صرف الاصوليين من الحكومة؟ الشفافية، حتى في اثناء المفاوضات هي جزء اساس في الديمقراطية لا يقل عن اجراء الانتخابات. إذ ان احدا لم يمنح ممثليه الحق في مفاجأته، فما بالك في تعريضه للخطر.