جدران الجناح الغربي، جناح المكاتب في البيت الابيض، تغطيها صور الرئيس الحالي في مناسبات اجتماعية. ويلعب فيها أدوار النجوم كل أبناء عائلة اوباما: الرئيس، عقيلته ميشيل وكريمتاه. وخلف ابتساماتهم ينعكس عالم لامع ومتفائل. عالم عديم الحروب، عديم الأعداء، عالم كله خير. الأوراق على طاولات كبار رجالات مجلس الامن القومي تروي قصة اخرى. لقد دارت سياسة ادارة اوباما الخارجية في ولايته الاولى كالفيلم الذي يُبث من النهاية الى البداية: فقد حظي بجائزة نوبل للسلام قبل ان يتمكن حتى من تدفئة كرسيه. وبعد ذلك حاول تحطيم المسلمات التي رافقت سياسة الخارجية الامريكية على مدى القرن العشرين. فقد رأى في روسيا وفي الصين شريكين، ليس خصمين. سافر الى اسطنبول والى القاهرة ودعا من فوق رؤوس الحكام الى صفحة جديدة في العلاقات مع العالم الاسلامي وامريكا وقيمها ومع الغرب. وكانت النية طيبة. أما النتائج فأقل. في ولايته الثانية يعيد اوباما السياسة الخارجية الى أصولها. الرؤيا لا تزال هناك، ولكنها ترتدي أبعادا أكثر حذرا بكثير، أكثر وعيا بكثير، والمهمة الأكثر الحاحا هي التقليص الواسع في ميزانية الدفاع. وستكون لهذا آثار غير مريحة على مكانة امريكا في العالم، ولكن لا مفر أمام الادارة: الاحتياجات الداخلية أسبق. عندما زرت البيت الابيض يوم الخميس، كان هناك ايضا وزير الخارجية الاردني وفريقه ووزير الدفاع الاسرائيلي. وجاء باراك لاعداد الترتيبات الاخيرة في واشنطن، قبل ان يُنهي وزير الدفاع المنصرف، ليئون بانيتا مهام منصبه وقبل ان يعيد باراك المفاتيح. ويدور الحديث عن قائمة طويلة من العناصر الحيوية التي اتُفق عليها أو لم يُتفق في المحادثات المتواترة بين الرجلين – ابتداءا بتفاصيل الذخيرة وانتهاءا بالتفاهمات السرية الكبرى والصغرى. وتجسد زيارة باراك التعلق الهائل لاسرائيل بالادارة الامريكية وكذا المخاوف في اسرائيل من التغيير الوزاري في البنتاغون. فعلاقات الثقة بين باراك وبنيتا كانت الحلقة القوية في محور واشنطن – القدس. ما كان لن يكون. بن رودوس، نائب مستشار الامن القومي للاتصالات الاستراتيجية، ينسق الاستعدادات لزيارة الرئيس الى اسرائيل. وهو سيكتب، على نحو شبه مؤكد، مسودة الخطاب، او الخطابات، التي سيلقيها اوباما في البلاد. سألته ما الذي دفع الرئيس الى السفر الى اسرائيل في هذا الموعد، فور أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية في القدس وقبل أن يتصدى وزير الخارجية الجديد جون كيري لمشاكل المنطقة. فقال رودوس ان "زيارة الرئيس لا ترمي الى حل مسألة سياسية محددة. من ناحيته، هذه فرصة للبحث في جدول أعمال واسع والحديث مباشرة الى الشعب في اسرائيل". يخيل أن هذه الجملة تلخص جوهر الزيارة. فاذا كانت اوروبا، واليسار اليهودي الامريكي والاسرائيلي أيضا يتوقعون أن يملي الرئيس اوباما على نتنياهو موقفا في المسألة الايرانية، في مسألة البناء في المستوطنات و/أو مسألة المفاوضات، فان هذه التوقعات لن تتحقق. واذا كان اليمين في اسرائيل يخطط لمواجهة تاريخية، فان هذه أيضا لن تحصل. فقد اختار اوباما هذا التوقيت بالذات لانه اقل الزاما. ومثلما قال لي مصدر كبير في البيت الابيض، فان كل توقيت آخر كان سيلزم الرئيس بالتركيز على موضوع ملح واحد. وذكر الرجل زيارة نتنياهو الى واشنطن في اذار الماضي، الذي كرس برمته لايران. أما اوبما فيسعى الى التوسيع. وبالاساس يريد أن يتصل بالاسرائيليين. عندما زار القاهرة قبل أربع سنوات، اختار القفز عن اسرائيل. وكان هذا خطأ، قلت لرجل البيت الابيض. فأجاب ان الرحلة الى القاهرة كانت تستهدف فتح صفحة جديدة في العلاقات مع العالم العربي. ولو سافر الى اسرائيل، لكان النزاع غطى على الرسالة. مهما يكن من أمر، ففي السنتين الاخيرتين اشارت محافل مختلفة على الرئيس السفر الى اسرائيل ولو من أجل ان يشطب عن جدول الاعمال السؤال لماذا لم يسافر الى اسرائيل – وأن يرفع شارة النصر ويسير الى الامام. داني أبرام، ملياردير يهودي أمريكي دعم اوباما، ورجاله ناشدوه. بيرس دعاه الى يوم ميلاده التسعين. وعندما فحصوا في البيت الابيض المواعيد توصلوا الى الاستنتاج بان الوقت المناسب هو الان. يوجد هدف سياسي لرغبة اوباما في الاتصال المباشر مع الشعب في اسرائيل. فثقة الاسرائيليين بالرئيس يفترض أن تزيد مجال مناورة نتنياهو والادارة على حد سواء. عندما لا يكون المؤمنون ملزمين بالرد على كل خطوة معادية لجهة عربية او اسلامية، فانه يمكن ضبط النفس. يمكن الامتصاص. اوباما لا يأتي لاثارة الغيظ، بل يأتي للتهدئة. السنوات القادمة، قال المصدر الكبير، بادرنا الى اختبارات ذات مغزى للطرفين. كانت وستكون أيضا خلافا، عن البناء في المستوطنات مثلا. ولكن الخلافات لن تؤثر على الدعم الامني لاسرائيل، بما في ذلك المساعدة الخاصة لتمويل القبة الحديدية والوقفة التي لا لبس فيها خلف اسرائيل في أثناء حملة عمود السحاب. عندما تنشب خلافات، فان وسائل الاعلام تضخمها الى حجوم الازمة. حان الوقت لتجاوز ذلك. تبعث الزيارات الرئاسية الى الشرق الاوسط توقعا للشروع في مبادرة جديدة. ليس هكذا تفسر هذه الزيارة في واشنطن. الفرضي العامة هي أن اوباما يريد ان يتحلل من وجع الرأس الشرق اوسطي وعدم الغرق فيه. وستكون الزيارة مثابة اداء واجب ليس بعدها تواصل. وجهته نحو آسيا، الدليل الخالد هو سلوك اوباما في مسألة سوريا. وزيراه الكبيران، هيلاري كلينتون وليئون بنيتا وكذا رئيس الاركان ورئيس الاستخبارات اوصوه بان يعلن بان الولايات المتحدة قررت تسليح الثوار السوريين. أما اوباما فرفض مشورتهم – وهو أمر غير بسيط عندما يدور الحديث عن عصبة عليا بهذا القدر. من معني بادخال امريكا من جديد الى التدخل النشط هو جون كيري. زيارة اوباما دحرته جانبا. والسؤال هو كيف سيتصرف اوباما لاحقا – هل سيسند مبادرة سياسية من كيري أم يفر منها. السؤال هو كيف سيتصرف كيري. فالى وزارة الخارجية يأتي هو من مجلس الشيوخ. منذ ثلاثين سنة لم يتلقَ أوامر من أحد، لم يخدم أحدا. والفرضية هي أن كيري سيجد صعوبة في التكيف في العمل في ظل رئيس مركزي، لم يدرج على منح الصلاحيات. الزيارة الى اسرائيل ستستغرق يومين، بما في ذلك بضع ساعات في رام الله (اوباما يجلب الى الفلسطينيين 200 مليون دولار اخرى من المساعدات). والدولة الاخرى الوحيدة ستكون الاردن. احدى المعاضل المثيرة للاهتمام هي هل اوباما سيخطب في الكنيست. السفير الاسرائيلي في واشنطن، مايكل اورن، اوصى بالايجاب. البيت الابيض يتردد: يخشون هناك من النواب من اليمين الذين سيقاطعون الرئيس بكلمات مهينة. "هو ملزم بالحديث في الكنيست"، قلت لرجال مجلس الامن القومي. "الكنيست هي المنصة الصحيحة، الرمز. الكنيست هي القدس". اما هم فسجلوا أمامهم. "لماذا لا تنضم ميشيل اوباما الى الزيارة"، سألت. "فهي كانت ستأسر الاسرائيليين بسهولة"، فاجابوني: "في عائلة اوباما توجد قاعدة. ميشيل تنضم الى زوجها في رحلاته فقط عندما تكون الابنتان في اجازة من المدرسة. ولما لا توجد اجازة، فلا توجد ميشيل".