خبر : عزلة قاتلة / بقلم: جدعون ليفي / هآرتس 17/2/2013

الأحد 17 فبراير 2013 03:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
عزلة قاتلة / بقلم: جدعون ليفي / هآرتس  17/2/2013



 وُضعت صينية الطعام ثلاث مرات كل يوم على الارض قرب الباب، وظهر العالم من النافذة فقط. وكان مباحا الحديث في الهاتف لكن لا أحد كان يجوز له ان يزور بل ان يلوح بيديه من الشارع فقط. عُزلت عدة مرات في حياتي، في مستشفى ايخيلوف في تل ابيب وفي أريسموس في روتردام. ولن أنسى أبدا هذه التجربة الصعبة وهي لا تقل صعوبة عن علاجات طبية مؤلمة مرهقة. إن العزلة هي عقوبة أصعب من ان تحتمل في عالم يعتبر فيه الانقطاع عن الهواتف المحمولة بضع ساعات ازمة وجودية.             كانت عزلتي في ظروف مُترفة. وامتدت في كل مرة بضعة ايام فقط، ولم يُقطع الاتصال الهاتفي وكانت الغرفة غرفة لا زنزانة. وفي حماسة النقاش العام في مصير بن زغيير، كأنما نُسي واحد من التفصيلات مصيري وهو انه وضع في عزلة شهورا طويلة وهي عزلة لا داعي اليها وآثمة. وكأنما نُسيت حقيقة ان سجن انسان في عزلة مدة طويلة هو تعذيب لا يحتمل يسبب أضرارا نفسية وجسمية لا شفاء منها. ويجب اخراج هذا التعذيب وسائر اعمال التعذيب خارج القانون.             اذا كان زغيير قد انتحر حقا فانه يجوز لنا ان نفترض ان انتحاره كان ذا صلة مباشرة بعزلته. كان زغيير في عزلة لكنه لم يكن وحده لأنه يوجد مثله في اسرائيل عشرات آخرون من السجناء والمعتقلين المسجونين الى الآن ايضا في عزلة في ظروف لا تطاق. وقد رأيت في سجن نفيه ترتسيه ذات مرة الزنزانة التي هي أكبر بقليل فقط من الجسم الصغير للسجينة التي استلقت على بلاطها وحدها على ظهرها معلقة نظرها الذاهل بالسقف فوقها والجدران التي تحيط بها من كل جانب. كان هذا من أصعب ما رأيت.             وصف تقرير للدفاع العام نشر في ايلول الاخير واحدة من الزنزانات بأنها "مخيفة" وكشف عن ان 121 سجينا ومعتقلا موجودون في فصل وعزلة في اسرائيل. أكثرهم وحيد و24 منهم في فصل زوجي. ومنهم 12 من الأحداث و3 نساء. ويوجد 36 منهم في عزل منذ أكثر من سنتين وفريق منهم منذ سنين طويلة. احتُجز يغئال عمير 17 سنة في عزل فاضح وكان مردخاي فعنونو 11 سنة في عزل تام وأمضى ماركوس كلينغبرغ جزءا كبيرا من سنيه الـ 16 في السجن وحده. كان وحده في زنزانة مساحتها بين 3 أمتار ونصف الى 9 أمتار ونصف مربعة، تخيلوا. ويوجد مثلهما بالطبع عشرات من السجناء الأمنيين الفلسطينيين، ليست لهم ايضا لا زيارات ولا مكالمات هاتفية ولا يهتم أحد في اسرائيل لمصيرهم.             قد كُتب ما لا يحصى من التقارير والابحاث عن أضرار العزل. وتُجيز أوامر قيادة مصلحة السجون عزلا شديدا سبعة ايام فقط. وقضت الهستدروت الطبية بأن العزل أو الفصل مدة طويلة قد يسببان أضرارا لا شفاء منها. وقضى بحث كتبته "عدالة" و"اطباء من اجل حقوق الانسان" ومركز الميزان بأن العزل اجراء عقابي قاسٍ غير انساني واعتداء على الميثاق الدولي لمنع التعذيب وميثاق الحقوق المدنية السياسية. وقضت بأمور مشابهة ايضا لجنة الامم المتحدة لمنع التعذيب.             أثبتت أبحاث ان العزل يسبب اضطرابات نفسية وحالات شعور بالمطاردة وهذيانات سمع وبصر، وعدم معرفة بالزمان والمكان وحالات بلبلة شديدة. لكن ليست النفس وحدها هي التي تتضرر بل الجسم ايضا: فقد وجد ان العزل الطويل يسبب اضطرابات عضوية شديدة في الجهاز الهضمي، وجهاز البول والجنس والأوعية الدموية والقلب. ونشر الباحث الرئيس من الامم المتحدة في شؤون التعذيب، جوان منديز، دعوة الى حكومات العالم لحظر العزل لمدة تزيد على 15 يوما. بل بدأت لجنة ثانوية من قبل مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة في الفترة الاخيرة تحقيقا في قانونية العزل في قوة من القوى العظمى يُحتجز فيها 25 ألف سجين في هذا الظرف.             ونقول باختصار ان الحديث عن تعذيب من أفظع نوع. اسألوا جنود الجيش الاسرائيلي الذين عادوا من الأسر وسيقولون لكم إن العزل قد فاق احيانا في شدته التعذيب الجسمي. وكما ان اعمال تعذيب "الشباك" قد أُعلن متأخرا أنها غير قانونية، فقد حان الوقت لرؤية هذه العقوبة كذلك ايضا التي لم توجد حتى في كتاب التوراة، أن يُعلن بأنها غير قانونية. ومهما تكن جريمة الانسان الخيانة أو التجسس أو القتل أو الاغتصاب – فان هذا العقاب غير الانساني لا يمكن ان يستمر بقاؤه في دولة تعتبر نفسها مستنيرة.