ظهر في واحدة من دعايات انتخابات حزب يوجد مستقبل صورة عضو الكنيست يئير لبيد قائما على رأسه وهو يعلن: كل شيء معكوس هنا. إن أحد الوعود باصلاح هذا الواقع المعكوس الذي سمعناه على لسان رئيس الحزب الثاني في كبره في الكنيست هو الحد من عدد وزراء الحكومة في المستقبل ليكونوا 18 فقط. إن هذا الحد منطقي وصحيح من جهة عامة وأدائية وهو في الأساس يعيد السلامة الى تصريف أمور الدولة. كان عدد الوزراء في حكومة بن غوريون الاولى 12 وزيرا ونائب وزير طوال مدة ولايتها. ومنذ ذلك الحين زاد عدد متولي المناصب الرفيعة على الدوام وبلغ الى 35 وزيرا ونائب وزير في يوم انشاء حكومة شارون الاولى. وكانت حكومة بنيامين نتنياهو الذاهبة صاحبة رقم قياسي لمتولي الوظائف الرفيعة في يوم فضها: 39 صاحب عمل. إن استعمال المنصب والمكتب الحكومي حجة سياسية انبعثت عنه آنذاك وتنبعث عنه اليوم رائحة سيئة وفيه أكثر من جانب من جوانب العيب. ومن المناسب ان نُبين ان زيادة عدد وزراء الحكومة لا يُخل بقواعد اللعب الديمقراطية لكن له ثلاثة تأثيرات شديدة وهي: شعور غضب عند الجمهور، وإضرار بأداء الحكومة لعملها وآخر لا يقل أهمية وهو الاضرار بعمل الكنيست بسبب تضاؤل عدد اعضاء الكنيست الذين يفترض ان يشغلوا أنفسهم باصلاح المفاسد وسن القوانين. هل يوجد تسويغ لتعيين وزراء لوزارات لا شأن لها؟ وهل يوجد تسويغ لتعيين نواب وزراء في مكاتب حكومية؟. في الكثرة الغالبة من الديمقراطيات في العالم يكون كبر الحكومات من تقدير رئيسها و/ أو الحكومة كلها. وليس تحديد عدد الوزراء شيئا راتبا لكن النظر في معطيات من دول يجري فيها هذا التحديد قد يعطينا مقياسا للحجم المناسب للحكومة. ويشير تقرير نشره المعهد الاسرائيلي للديمقراطية الى طرق مختلفة لتحديد كبر الحكومة ومنها: تحديد مدى (في ايرلندة مثلا – بين 7 وزراء الى 15)، وتحديد الحد الأدنى (3 وزراء في لوكسمبرغ) أو الحد الأعلى (15 وزيرا في بلجيكا، أو 15 في المائة من عدد اعضاء المجلس الأدنى في البرلمان الهندي). وتوجد طرق اخرى كتلك الموجودة في فنلندة وسلوفانيا، اللتين يوجب دستوراهما ان يكون حجم حكومة ما منصوصا عليه في القانون. وبرغم أنهما لا تحددان كبر الحكومة بصورة مباشرة فان هذا الطلب قد يجعل توسيع حكومة طوال مدة ولايتها أمرا صعبا. إن الحد الأعلى في دول العالم يبلغ الى 20 من أصحاب الوظائف. وكانت حكومة نتنياهو الاولى خاصة (1996 – 1999) خاضعة بفعل قانون الانتخاب المباشر لتحديد عدد الوزراء (18) ونواب الوزراء (6). وهذه هي الحكومة الاولى والاخيرة التي كانت خاضعة لهذا التحديد. بيّن الجمهور في الانتخابات الاخيرة انه يريد مجلس نواب شابا وطازجا مع عدد أقل من المشتغلين بالسياسة وعدد أكبر من القادة الذين يهتمون للشأن نفسه. ولهذا فان وعد لبيد قد سحر كثيرين ومن المنطق ان نفترض ان فريقا منهم انتخبوا "يوجد مستقبل". إن حكومة نحيفة هي الوعد الثاني لحزب يوجد مستقبل الذي سيُمتحن. أما الاول فهو الجلوس في الحكومة. بيد ان الوعد الثاني يمكن قياسه بعكس الوعد الاول الذي هو خطي فاما ان ينضموا وإما ان يبقوا في الخارج. ان حكومة يزيد عدد وزرائها على 18 وزيرا ستشير الى المستقبل المتوقع لحزب يوجد مستقبل والى ناخبيه والى اصلاح مفاسد الحكم والادارة في اسرائيل بقدر لا يستهان به. هل سنبدأ إحداث توازن أم يبقى ناخبو هذا الحزب وشعب اسرائيل في حال واقع معاكس إذ طلبوا حكومة نحيفة وسياسة جديدة وحصلوا على حكومة واسعة مع سياسة معروفة. إن حل المشكلة في يد رئيس الحكومة. والمسؤولية عن حل المشكلة ملقاة على عضو الكنيست لبيد. وسيظهر المستقبل سريعا مع انشاء الحكومة الجديدة في الاسابيع القادمة.