هجوم اسرائيل على ما قيل انه قافلة تقل سلاح سوري متطور الى لبنان، كشف عن عمق الأزمة التي وصل إليها الحال في سوريا خصوصا النظام، وساعد اسرائيل في جس نبض كل الأطراف، ومنها روسيا التي يعطي سكوتها مؤشراً للأسد وللأطراف الخارجية عن مدى استعداد الروس لاحتمال هجوم عسكري على سوريا. إن مرور هجوم كهذا بهذه السهولة سيغري اسرائيل بالتورط في الشأن السوري، وذلك بتكرار هجماتها كلما لاح لها هدف، وهو ما يشكل معضلة أمام الدول الغربية التي قد تجد نفسها مضطرة لمعالجة الموضوع بنفسها، والتدخل عسكرياً لمنع انتقال السلاح بين سوريا ولبنان خاصة السلاح الكيميائي، حيث سبق وأن أعلنت هذه الدول أن أي استخدام للسلاح الكيميائي سيواجه برد عسكري. هذا الهجوم أبطل تقديراً كان سائداً قبل عام بأن نظام الحكم في سوريا وحزب الله يمكن أن يفتحا جبهة في شمال "اسرائيل"، لصرف انتباه العالم ولإقحام كل القوى في معركة واحدة ضد عدو مشترك، سواء كانت مناوئة للنظام أو مؤيدة له، هذه المعركة سترفع نظام الأسد إلى عرش الشعبية في العالم العربي والاسلامي، وتنسي الناس مظالمه وجرائمه التي ارتكبها بحق الآلاف من شعبه، وقد راج هذا التقدير كأهم الأسباب التي منعت القوى الغربية من التدخل المباشر سوريا.اسرائيل أيضاً لها تقديراتها التي اعتادت أن تقرأ خياراتها وفقاً للموقف من جوانب متعددة والتبعات المترتبة؛ فتحليلات الخبراء الاسرائيليين تقول إن الأطراف الثلاث: حزب الله، سوريا، إيران لن ترد على هذا الهجوم وذلك لأسباب داخلية صرفة.وفقاً للتقدير الاسرائيلي؛ فإن الجيش السوري منهمك بأكمله في المعركة ضد المعارضة، وأن الأمور بين النظام ومعارضيه وصلت الى الحد الذي يمنع تحول انعطافه في نهج المعارضة ضد النظام ونقلها إلى المربع الاسرائيلي، كما كان بمقدور النظام أن يفعل في وقت مبكر من عمر الأزمة، فهناك في سوريا أكثر من 60 ألف قتيل و700 ألف لاجئ، حتى لو فكر الأسد أن يفعلها اليوم، فليس بمقدور الجيش السوري أن يحارب على جبهتين: جبهة ضد المعارضة وأخرى ضد اسرائيل. التقديرات الاسرائيلية تقول ان الأسد يمتلك في ترسانته العسكرية الشيء الكثير، لكنه يعي جيداً أن أي رد سوري سيستدعي رداً اسرائيلياً يسارع في انهيار حكمه، وهذا آخر ما يفكر فيه النظام الذي يصارع بصعوبة للاستمرار في السلطة. اسرائيل لديها تقديرات كافية بحلفاء سوريا الاستراتيجيين حزب الله وايران، تفيد بأنهما سيفضلان ضبط النفس، واحتواء الموقف لأسباب كثيرة في مقدمتها أن التقديرات لديهما أن نهاية الأسد قد حسمت، وبالتالي فان دعمهما الكبير له هو مسعى لإطالة عمره، كي يتمكنا من تحقيق أقصى استفادة ممكنه منه، توصلهما إلى الوضع الجديد الناشئ بعد زواله وهما أكثر استعداداً، بما في ذلك نقل السلاح المتطور والكيميائي وغيره من العتاد إلى خارج سوريا.إيران قبل العملية الاسرائيلية الأخيرة ورداً على تهديدات أطلقها نتنياهو بأن اسرائيل لن تسمح بتسرب سلاح يكسر التعادل القائم، ردت بتصريح ورد على لسان مرشد الجمهورية علي خامنئي بأن أي عملية عسكرية ضد سوريا هي عملية ضد إيران، لكن تقدير محللين في اسرائيل أنه من غير المجدي للإيرانيين الدخول في معركة بسبب قافلة شحنة أسلحة قبل أن يتموا مشروعهم النووي وامتلاك سلاح الردع النووي، وهو ما يعززه الضغط الإيراني على سوريا بالرد على الهجوم الإسرائيلي.فيما يتعلق بالساحة اللبنانية واحتمالات نشوب مواجهة عسكرية؛ هناك شعور عام في دولة الكيان بأن التسويات التي نشأت بعد حرب لبنان الثانية بين اسرائيل وحزب الله أخذت تتلاشى. وأن اسرائيل باتت أقرب الى مواجهة عسكرية في الجبهة الشمالية مما كانت في كل وقت منذ 2006. وجدير أن نذكر بتصريحات رئيس الأركان الاسرائيلي التي اعتبر فيها أن العام 2013 عام تغييرات داخلية عميقة في لبنان قد تفضي إلى حرب أهلية أو مواجهة مسلحة بين حزب الله واسرائيل او كلا الأمرين معاً.ومع هذا هناك توجه في دولة الكيان يرى أن حزب الله أخذ يضعف بسبب انهيار الأسد، فقد اعتبر وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك أن انهيار نظام الحكم في سوريا يشكل ضربة قوية لما أسماه "محور الشر" قاصداً حزب الله وايران، ولهذا يجب تركه يواجه مصيره بالتحطم عبر الصراعات الداخلية في لبنان وعدم منحه قوة وشرعية، واظهاره على انه "حامي لبنان" بواسطة هجوم اسرائيلي. ويضيف أصحاب هذا الرأي أن حزب الله تحول الى شريك فاعل في إدارة الدولة اللبنانية، وبالتالي فانه حريص كل الحرص على أن لا يلقي لبنان مرة أخرى في حرب يعرف نتائجها المدمرة، وأصحاب هذا الرأي يرون أن الهجوم على أي سلاح في الأراضي اللبنانية حتى لو كان قادماً من سوريا لن يخدم المصلحة الاسرائيلية. وتوجد أصوات أيضاً تزعم أن اسرائيل يجب ألا تُحدث مواجهة عسكرية مع حزب الله بسبب تسلحه بسلاح تقليدي، وهم يذكرون أن لحزب الله 60 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية، وطائرات بلا طيارين، وطائرات مسلحة تهدد أرض "اسرائيل" كلها، ومع هذا فان الحدود مع لبنان من أكثر حدود دولة الكيان هدوءاً واستقراراً، رغم كل التصريحات العدائية التي يطلقها زعيم الحزب حسن نصر الله ضد اسرائيل.وبحسب مصادر استخبارية فان السلاح الكيميائي السوري على وجه الخصوص يوجد تحت متابعة استثنائية من أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تتابعه عن كثب، وهناك مصادر صحفية ذكرت أن مباحثاتٍ سريةٍ تجريها دوائر غربية للوصول الى اتفاقات مع المعارضة لإخراج السلاح الكيميائي في حال السيطرة على مخازنه.