خبر : نبذة عن تاريخ "ماو تسي تونغ" ..بقلم : دياب اللوح

السبت 19 يناير 2013 04:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
نبذة عن تاريخ "ماو تسي تونغ" ..بقلم : دياب اللوح



  يعتقد الصينيون أن مَن يزور الصين , ولم يزُر سور الصين العظيم , أحد عجائب الدنيا السبع, فكأنه لم يزر الصين , ومَنٌ يزور بكين ولم يأكل من بط بكين فكأنه لم يزر بكين , ومن يكتب حول الصين ولا يكتب عن الزعيم الصيني الكبير (ماو تسي تونغ) فكأنه لم يكتب , ومن منطلق أهمية دور وعظمة هذه الشخصية في تاريخ وحياة ومسيرة الشعب الصيني , سوف أعمل على تخصيص هذه الورقة عن تاريخ وحياة الزعيم ( ماو تسي تونغ) وأفكاره وإبداعاته .-  ولد (ماو تسي تونغ) في (26) ديسمبر عام (1893م) في قرية (شاوشان) في إقليم (خونان) ,  لوالد فلاح اتسم بالصرامة وبنى نفسه بنفسه حتى أصبح (والده) تاجر حبوب , وحينما زرتُ الصين في مايو (2004م) على رأس الوفد الثاني لحركة فتح في ضيافة الحزب الشيوعي الصيني وأنهينا الزيارة في المركز بكين , وأردنا الانتقال إلى مقاطعة أخرى بالطائرة , والملفت للانتباه أنه حينما حلّقت الطائرة في أجواء قرية (شاوشان) , أبطأ الطيار حركة الطائرة وطار بها إلى مستوى منخفض , وبدأ المسؤول من دائرة غرب آسيا وشمال أفريقيا في دائرة العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني الرفيق (سالم) بالشرح وطلب منا أن ننظر من النوافذ , هذه يا رفاق بلدة الرفيق (ماو تسي تونغ) , وهي بلدة جميلة خضراء , بيوتها عريقة وقديمة ، وليست مرتفعة كثيراً مثل بنايات العاصمة بكين , وشعرتُ أنه يتحدث باستمتاع وبكل فخر واعتزاز , فقلت له يا رفيق , أعتقد أن كل مواطن صيني يشعر بالدين في عنقه للزعيم (ماو تسي تونغ) لأن له الفضل الأول والأكبر لما وصلت إليه الصين اليوم , فقال أوافقك الرأي يا رفيق , فلولا الرفيق (ماو) ورفاقه في الجيل الأول لبقيت الصين تحت حكم العائلات الكبيرة والإقطاع وهم الأسياد والشعب العبيد .-  كان (ماو) منذ صغره متمرداً على تقاليد والده الصارمة , ففي حين أراده والده فلاحاً بجانبه رغب (ماو) في مزيد من التعليم , وترك (ماو) البيت وهو في سن (13) ليذهب إلى مدرسة أولية في منطقة مجاورة , وفي عام (1911م) , وصل عاصمة الإقليم (تشانجشا) ليدخل مدرسة عليا , ومن ثمَّ ذهب إلى بكين , للدراسة في الجامعة عام (1918م) ولما لم يكن له ما يكفي من المال درس منتسباً وعمل في مكتبة الجامعة لمدة (6) أشهر , وعاد إلى ( تشانجشا) ليمتهن التدريس , وفي فترة دراسته الجامعية تعرف على عميد الكلية (تشن تو هسيد) وأمين المكتبة (لاي تاو تشاو) الذين شاركاه مسؤولية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني فيما بعد في مايو (1921م), وكانوا ثلاثتهم من الأثنى عشر الذين أسسوا الحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي عام(1921م), حيث كان (ماو) موفد إقليم (خونان) للاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي.-  تزوج (ماو) من (يانج كاي هوي) ابنة معلمه التي أعدمها الكومنتانج عام(1930م) لرفضها التخلي عن أفكارها الثورية , ومن ثمَّ تزوج من (هو تو تشن) التي أنجب منها خمسة أطفال وطلقها عام(1937م) , ومن ثمَّ تزوج من الممثلة (تشيانج تشينيغ) التي كان لها دور رئيسي في الثورة الثقافية فيما بعد وأحد عصابة الأربعة وهم (جيانغ تشينغ , تشون تشياو تشانغ, ون يوان ياو, هونغ ون وانغ) والتي حُكم عليها بالإعدام وتمَّ تخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة , والتي توفيت أو انتحرت في السجن عام (1992م) .- الفترة التي ولد فيها (ماو) وعاش فترة صباه وشبابه , كانت الصين تمثل مجتمعاً قاسياً بالنسبة للجماهير الشعبية ,  إذ كانت الصين في غالبيتها خاضعة للقوى الإمبريالية الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى , التي كانت تستغل الشعب الصيني , وتجني الأرباح من التجارة , وتحتل البلاد بجيوشها لتحمي بنوكها وشركاتها , وتعمل على تدجين الجماهير الصينية الفقيرة لتقبل بالأمر الواقع , فالبريطانيون خصوصاً, أغرقوا الصين بالأفيون وتحدوا الصينيين خلال حرب الأفيون (1840م -1842م) و(1856م-1860م) , حيث خضع الملايين من الصينيات والصينيين لتأثير هذا المخدر , الذي أغنت تجارته الرأسماليين البريطانيين والأمريكيين .    إن كل من بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسا العنصرية وألمانيا واليابان قد سيطرت الواحدة بعد الأخرى على الصين , ماسة بذلك مصالح الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الصيني , بحيث تحكمت القوى الاستعمارية في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلد , وقوّضت الثقافة الوطنية الصينية , واستغلت قوة عمل الملايين من الصينيين رجالاً ونساء , الذين نقلوا ليستغلوا بشدة في المناجم والمزارع الكبرى عبر العالم , ووقعت الحكومات الصينية الضعيفة في العديد من المرات معاهدات غير متكافئة تسلم من خلالها مواقع كاملة من التراب الوطني الصيني والتزمت بعدم المس بمصالح القوى الامبريالية عندما تسن قوانين لا تخدمها .   في نهاية القرن التاسع عشر كانت الصين في الواقع مجزأة إلى عدة قطع تخضع لمختلف القوى الأجنبية , وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عام (1899م) سياسة (الأبواب المفتوحة)  اعترفت من خلالها بوجود مناطق نفوذ مختلفة في الصين , والتي بموجبها منحت الفرص المتساوية لكل القوى الإمبريالية التي ترغب في السيطرة والاستحواذ على مناطق النفوذ , وقد استولى الجنود الأجانب بصورة خيالية على كل المدن الصينية الكبرى عندما كان (ماو) لا يزال طفلاً بما فيها مدينة (شانغشا) عاصمة إقليم (خونان), حيث سيطرت السفن الحربية البريطانية والأمريكية بالتدريج على الطرق الملاحية , وتحكمت القوى الأجنبية في المطارات , والنظام البريدي والملاحة والسكك الحديدية والتليغراف.  -  في العقود التي تلت ولادة (ماو) حصلت انتفاضات كبرى عدة ضد السيطرة الأجنبية  وقد درس (ماو) منذ بداية شبابه مسألة انتفاضة الفلاحين الذين شكلوا فيما بعد القاعدة الأساسية للتحرير , مثل حرب (التايبينغ) التي جرت بين (1850م و1864م) والتي تم قمعها بالتحالف بين إمبراطور السلالة الحاكمة لشينغ والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا , وخلفت أكثر من عشرين مليون قتيلاً من أبناء الشعب الصيني , وكذلك تعرف (ماو) على حركة ييهوتوان أو انتفاضة الملاكمين مع بداية القرن العشرين , التي انطلقت بمبادرة "جمعية القبضات الباسلة والمتناسقة" التي كانت تُعارض السيطرة الأجنبية على الصين وخصوصاً المبشرين المسيحيين الذين يلعبون دوراً مركزياً في تقوية سيطرة القوى الكبرى تحت حماية الحكومات الأجنبية والمعاهدات والامتيازات التي أُعطيت لهم , وتمّ القضاء على انتفاضة الملاكمين من طرف التحالف الإمبريالي المشكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا واليابان وإيطاليا وألمانيا , التي تدخلت لدعم السلطات الصينية .   إن الانتفاضات الفلاحية الكبرى والحروب التي شهدها تاريخ الصين كانت ذات نطاق واسع لا مثيل لها في تاريخ العالم , وكانت وحدها القوى المحركة لتطور التاريخ والمجتمع الصيني الإقطاعي , ولكن نظراً لانعدام قوى منتجة , وقوى طبقية جديدة, وحزب سياسي طليعي في تلك الأيام , وغياب القيادة الصحيحة , فلقد انتهت جميع الثورات الفلاحية آنذاك بالفشل , لذلك أدرك (ماو) منذ شبابه ونشأة حياته الثورية أنه لابد من وجود قيادة صحيحة التي تقدمها البروليتاريا والحزب الشيوعي الصيني اليوم , وتمرد (ماو) منذ صغره على التقاليد الصينية القديمة والممارسات الكونفوشيوسية التي تتيح للآباء أن يختاروا الأزواج لبناتهم ليتحولن إلى إماء لأزواجهن وآبائهن , ومنذ أن كان (ماو) لم يتجاوز بعد سن الـــ(13) , رتب له والده زواجاً بفتاة عمرها (19) عاماً لتعمل كخادمة له , لكن (ماو) رفض قرار والده نهائياً.   إن الفلاحين الصينيين يمتلكون إرثاً طويلاً من التمردات , وقد كبر (ماو) في سياق تتابعت فيه الانتفاضات الواحدة بعد الأخرى , فمن سنة (1901م) إلى سنة (1910م) اشتعلت في الصين بما يقارب ألف انتفاضة , استنهضت عشرات الملايين من الأشخاص , وفي سنة (1906م) تعرضت الصين بما فيها (خونان) للحرب والمجاعة والدم , ولم يكن (ماو) آنذاك سوى تلميذاً في المدرسة الابتدائية , وقد تأثر (ماو) بانتفاضة (خونان) أكثر من غيرها والتي قال عنها بأنها قد تركت أثراً على بقية حياته , هذه الانتفاضة التي انطلقت من مناجم الفحم في منطقة كانت المجاعة فيها أشد قسوة , حيث نظم الآلاف من المنجمين والفلاحين والجنود مسيرة حتى (تشانغشا) حيث استولوا على المستودعات التي يخزن فيها الملاكون العقاريون المحاصيل , وقد أرسلت الجيوش لقمع الانتفاضة وكانوا يقومون بقطع رؤوس الناس الذين يتغلبون عليهم ويعلقونهم على الأسوار في الأماكن العامة ليرى الكل ما سيحصل له إذا ما رغب في الالتحاق بالتمرد والانتفاضة , وكان (ماو) آنذاك (12)عاماً وسمع بهذه الانتفاضة وناقشها مع زملائه الطلاب , وتأثر بما شاهد وبما وقع .  -   مرت الصين في مطلع القرن التاسع عشر بفترة صاخبة من الانتفاضات في كل مكان  , ففي سنة (1905م) أسس (صان يات صين) "التانغ مينغ هاي" (العصبة الثورية) التي كانت تهدف إلى إنهاء السيطرة الأجنبية وبناء الجمهورية الديمقراطية البرجوازية , كما انتشرت حركة التحرر الوطني عبر ربوع الصين , مؤدية بذلك إلى تنامي الانتفاضة المسلحة , إلى أن أرغم (صان يات صين) على مغادرة البلاد سنة (1895م) , ولكنه واصل تنظيم الحركة الثورية انطلاقاً من الخارج, وفي سنة (1911م) اندلعت الثورة ضد سلالة مانشو , وقد وصل (ماو) إلى شانغشا في سبتمبر , أي قبل اندلاع الثورة بشهر , حيث التحق (ماو) بالجيش الجمهوري الجديد لفترة ستة أشهر قصد الإطاحة بحكومة مانشو , وقد انتخب (صان يات صين) رئيساً مؤقتاً للجمهورية الصينية الجديدة , لكنه سرعان ما أرغم على الاستقالة وترك الرئاسة إلى (يان شيه كاي) , أحد أمراء الحرب , وقد أسس (صان يات صين) (الكومنتانغ) لمعارضة (يان شيه كاي) وتراجع إلى (كانتون) , ولكن الدول الإمبريالية تحالفت مع (يان) حيث زودته بالمال والسلاح وقد تم دحر التمرد , وظلت الصين مقسمة إلى ممالك عديدة يحكمها أمراء الحرب وجيوشهم الخاصة طيلة العشرة سنوات المتتالية , حيث حاولت مختلف القوى الإمبريالية والاستعمارية أن تجعل منهم عملاء لها , بهدف بسط وتوطيد نفوذها في الصين.  -  التحق (ماو) لفترة قصيرة بصفوف حزب (الكومينتانغ) بزعامة (صان يات صين)  , وفي عام (1923م) طلبت الشيوعية الدولية (الكومنترن) من الشيوعيين الصينيين التحالف مع الحزب القومي الصيني (الكومنتانغ) بزعامة (صان يات صين) الذي كان يسعى للتخلص من ملاك الأراضي الكبار وتوحيد البلاد, وفي عام (1924م) انتقل (ماو) إلى شنغهاي كمسؤول للكومنتانغ , وبعد عام واحد عاد إلى (خونان) لينظم احتجاجات الفلاحين , ثم هرب إلى كانتون , مقر قيادة (صان يات صين) الذي توفى فجأة في مارس (1925م) وتولى (تشيانج كاي تشك) قيادة (الكومنتانج) من بعده , والذي أول ما فعله بعد تعزيز موقعه هو طرد الشيوعيين من القيادة ، وانفراط عقد التحالف بين القوميين والشيوعيين في عام (1927م) ، ليعود الشيوعيون إلى الريف حيث قاعدة واسعة من الفلاحين الذين يؤمنون بالثورة ويساندونها , ومن هنا بدأت أفكار (ماو) التي عُرِفت في الأدبيات الشيوعية فيما بعد بالماوية والتي ترى أن الثورة لا يمكن قصر القيام بها على الطبقة العاملة بل يمكن ذلك بالفلاحين , وهو ما حققه عملياً , وفي عام (1927م) قاد (ماو) مجموعة صغيرة من الفلاحين من إقليم (خونان) إلى إقليم (جيانجزي) الجبلي حيث كوّن هو وأعضاء آخرين من الحزب الشيوعي الصيني حكومة على النمط السوفيتي وبدؤوا في تكوين جيش فدائيين كان نواة الجيش الأحمر الذي هزم القوميين (الكومنتانغ) بعد (22) عاماً من الصراع , والذين هربوا بقيادة (تشيانج كاي تشك) إلى جزيرة تايوان .   منذ عام (1927م) الذي شهد انهيار الوحدة بين القوميين والشيوعيين , وبعد أن هزم (الكومنتانغ) ملاك الأراضي ووحدوا البلاد تحت سيطرتهم بدعم من الإمبريالية والاستعمار العالمي , تحولوا للقضاء على الشيوعيين , وبدأت الحرب الأهلية بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي الصيني , حيث هاجم (تشيانج كاي تشك) معقل الشيوعيين في (1924م) في (جيانجزي), فاضطروا للفرار لتبدأ المسيرة الكبرى الشهيرة , وعلى مدى ستة آلاف ميل من التراجع من (جيانجزي) إلى بلدة (يانان) في إقليم (شانزي) بأقصى الشمال , وخسر الحزب الشيوعي الصيني في هذه المعركة أكثر من سبعين ألفاً من جنوده ومقاتليه ومن الناس الذين كانوا يرافقونه من النساء والأطفال.  -  في عام (1937م) غزت اليابان الصين , مما اضطر الأخوة الأعداء , لتجديد التحالف فيما بينهم , بتشجيع من القوى الجمهورية في البلاد ومن الكومنترن , وفي تلك الفترة زادت قوات الجيش الأحمر لتصل إلى مليون جندي ومقاتل وبسط (ماو) سيطرة الحزب الشيوعي الصيني لتصل إلى حوالي (100) مليون صيني , وفي أوسع جبهة وطنية وجماهيرية صينية لمواجهة الغزو الياباني , وتولى (ماو) قيادة الحزب الشيوعي الصيني في هذه المرحلة .   وبعد عام واحد من هزيمة اليابان وانسحابها , دخل الحزب الشيوعي الصيني والكومنتانغ بقيادة (تشيانج كاي تشك) في حرب أهلية جديدة حُسِمت في عام (1949م) بهزيمة القوميين , وهروب (تشيانج كاي تشك) إلى تايوان , وأصبح (ماو تسي تونغ) رئيس الحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية الوليدة , ورئيس اللجنة العسكرية التي تقود جيش التحرير الشعبي .   وبدأ (ماو) ورفاقه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية , مسيرة جديدة من الجهد والعطاء والعمل لإعادة بناء الصين , عبر خطط تنموية وانتشالها من الفقر والتخلف , ومخلفات الاستعمار والإقطاع والحكم العائلي والاستبداد , وأنجز (ماو) الإصلاح الزراعي والتعاونيات الزراعية , وبسط مظلة الخدمات الصحية وغيرها في عموم الصين , ولكن مبادرة تطوير الصناعة في الصين بالتوازي مع الزراعة , لم تُؤتِ أُكلها وفشلت في أوساط الستينات , حينئذ انسحب (ماو) من المواقع التنفيذية في الدولة , وظل رئيساً للحزب الشيوعي الصيني حتى وفاته في 9 سبتمبر عام(1976م) , إذ ظل يترأس الحزب الشيوعي الصيني منذ عام (1935م) – (1976م) .-  في عام (1966م) , أطلق (ماو) ما عُرِف باسم الثورة الثقافية الكبرى في الصين  , وكان (ماو) في السبعينات من عمره وقتها , فقام بإطلاق ملايين الطلبة من المدارس العليا والجامعات ليخدموا كحرس حمر (في الجيش الأحمر) لغرض مواجهة التحريفيين واسترداد الجزء الذي اغتصبته البرجوازية من السلطة , وممارسة ديكتاتورية كاملة للبروليتاريا في ميدان الفوقية , بما فيها كل ميادين الثقافة , وتوطيد وتقوية القاعدة الاقتصادية الاشتراكية , وتعتبر الثورة الثقافية الكبرى , الثورة الثقافية البروليتارية العظمى , هي ثورة سياسية كبيرة , إلا أنها أدت إلى اضطرابات اضطرته إلى الاستعانة بالجيش للقضاء على الحرس الحمر ونفيهم إلى الأرياف والجبال عام (1967م) , وكان حليفه وقتها قائد الجيش ووزير الدفاع الصيني (لين بياو) الذي قرر (ماو) ترشيحه خلفاً له عام (1969م) , لكن صعود (شو ان لاي) واتفاقه مع (ماو) على أن البعد عن الاتحاد السوفيتي يقتضي انفتاحاً على أمريكا لم يكن مقبولاً لدى (لين بياو) , الذي قُتل في تحطم طائرة عام (1971م) كان يستقلها في طريقه للهرب بها بعد اتهامه بمحاولة اغتيال (ماو) ، وتوفي (شو ان لاي)  في يناير (1976م) , وقد كان لنا فرصة في وفد حركة فتح الثاني لزيارة بيت الزعيم (شو ان لاي) الذي تحول إلى مزار للزوار الصينيين والأجانب على حد سواء , وهو بيت متوسط يقع على أرض ليست كبيرة , مكون من طابقين وعبارة عن غرف نوم ومكتب وصالات استقبال وغرفة طعام , ومكون من الخشب الطبيعي , ولا زال في البيت تُعرض المقتنيات الشخصية لـــ (شو ان لاي) والذي ذاع صيته ليتعدى الحدود الصينية ويسكن راسخاً في قلوب وشعوب العالم , خاصة الشعوب والقوى المحبة للعدل والسلام , والذي بعد وفاته اختار (ماو) شخصية وسطية لقيادة البلاد من بعده وهو (هوا جو بنج) , والذي قام وبعد وفاة (ماو) بشهر واحد باعتقال المتشددين وفي مقدمتهم من عرفوا بعصابة الأربعة والتي كانت من بينهم زوجة (ماو) الأخيرة (تشيانج تشينج) .    بعد وفاة (ماو تسي تونغ) تمّ تحنيط جثمانه , ووُضِع في قاعة تذكارية زجاجية وسط مبنى ضخم وجميل هندسياً وفنياً بجوار ساحة (تيان آمن) في بكين ومقابل المدينة المحرمة وقاعة الشعب الكبرى , حيث لازالت وحتى اليوم مزاراً لكل المواطنين الصينيين من مختلف المدن الصينية , والزوار الأجانب , حيث تجد طوابير الناس تصطف للدخول وإلقاء النظرة والتحية على هذا الزعيم الوطني الصيني والأممي الكبير , وكانت لنا فرصة بتنظيم من الحزب الشيوعي الصيني في وفد حركة فتح الثاني الذي يزور الصين في مايو (2004م) , لزيارة هذا المعلم التاريخي وإلقاء النظرة والتحية على هذا القائد الكبير المُسجى في مكانه والذي يبدو وكأنه حي من شدة إتقان وفن تحنيطه والحفاظ على شكله الخارجي , ولازالت في الصين وحتى هذا اليوم تُرفع صورة الرئيس (ماو) فقط , ولا ترفع أي صورة أخرى غيرها , وفقط شاهدت صورة رئيس مجلس الدولة الأسبق (شو ان لاي) في ميدان (تيان آمن) وسط بكين خلال الاحتفالات بالعيد الوطني الصيني وذكرى تأسيس جمهورية الصين الشعبية وذلك لعدة أيام فقط , ومن ثم يتم رفعها , وهذا تقدير من الشعب الصيني وقيادته وجماهيره وحزبه ودولته للزعيم (ماو تسي تونغ) .  أفكار ماو تي تونغ : -  أخذ (ماو) على عاتقه تمدن الصين وتحويلها إلى أمة عصرية قوية , بدأ بالعناية بالتعليم , والتصنيع , والصحة , وحوّل النظام الاقتصادي من الرأسمالية والإقطاعية إلى الاشتراكية على النمط الصيني . -   حوّل (ماو) المجتمع الصيني من مجتمع يقدس الآباء والأجداد والعائلة والجمود الفكري, إلى مجتمع يقدس فيه الانتماء للوطن . -   بدأ (ماو) في أواخر الخمسينات بإطلاق مشروع يرتكز على الصناعات الصغيرة في الحقول والقرى في الريف , حيث انخرط الملايين من الفلاحين والعمال والمدنيين على العمل في هذا البرنامج الصناعي بمعدل سريع لتحقيق نتائج كبيرة . -   خالف (ماو) تعاليم وتقاليد (كارل ماركس) في مسألة أن أنصار الحزب يجب أن يكونوا من العمال في المدن , وبسبب ظروف الصين واتخاذه من الريف قاعدة للحزب الشيوعي الصيني وجنوده ومقاتليه وجماهيره , اعتمد (ماو) على الفلاحين , موجهاً جُلّ تركيزه إلى التنمية الزراعية , لرفع مستوى وقدرة الصين على إنتاج الحبوب , ووقف استيراد القمح من الدول الرأسمالية , وللخروج بالصين من الفقر المدقع والجوع الذي كانت تمر به في مرحلة مطلع الستينات , فالناس بلا طعام كافي وبملابس رثة تقليدية . -   في سنة (1917م) أسس (ماو) "الجمعية الجديدة للدراسات الشعبية"  وهي جماعة من الشباب تُعارض استهلاك الأفيون والقمار واستهلاك الكحول والدعارة والفساد , وعدم اضطهاد النساء , ورأى (ماو) بأن النساء ينبغي أن يُعتبرن ويعاملن كأشخاص مستقلين , واعتقد أن الرجال لم يتحرروا أبداً ما لم تتحرر النساء . -   في سنة (1919م) شكّل (ماو) جمعية للطلبة والطالبات في (خونان) , وهي حركة طلابية موجهة أساساً ضد الإمبريالية , وأدت إلى تسييس ملايين الأشخاص , وجاء تشكيل هذه الجمعية الطلابية بعد إمعان القوى الاستعمارية الغربية في احتلال واضطهاد الصين , فبعد الحرب العالمية الأولى وعندما اجتمعت القوى المنتصرة في هذه الحرب لإعادة اقتسام العالم في مؤتمر (فيرساي) , وتم تحويل الحقوق والامتيازات حول الأراضي الصينية التي كانت تتمتع بها ألمانيا إلى اليابان , فاندلعت التظاهرات في عموم البلاد , وتظاهر حوالي (3000) طالب في بكين في الرابع من مايو (1919م) احتجاجاً على هذا القرار , مما أدى إلى تشكيل جبهة موحدة ضد الإمبريالية , وضد أمراء الحرب الذين يخونون الشعب الصيني , وتم اعتقال العديد من الطلاب والمدرسين , وعلى أثر ذلك شكّل (ماو) جمعية للطلبة والطالبات في (خونان). -   في نهاية عام (1920م) شكّل (ماو) في (خونان) فرعاً لمركز الشبيبة الاشتراكية الذي أصبح بعد سنتين أكبر منظمة من هذا الصنف في الصين , حيث ضمت أكثر من (2000) عضو , وانتشرت المنظمة والصحافة الشيوعية بصورة مذهلة في جهات عديدة أخرى من الصين , فكان الشباب الشيوعيون ينظمون الدروس المسائية لتثقيف العمال والعاملات , ويساعدون على إنشاء النقابات والاتحادات في المدن الكبرى . -   على أثر كل هذه التطورات التي مرت بها الصين , بدأ (ماو) وبتكليف من (لي تا شاو) نظراً لإدراكه لكفاءته التنظيمية , والعمل على اختيار أعضاء أكفاء ومخلصين , من أجل بناء حزب شيوعي جديد , وخصص (ماو) مجمل وقته مع الناس لتنفيذ هذه المهمة , وفي العاشر من مايو عام (1921م) , غادر (ماو) بمعية صديق له متنكراً في هيئة تاجر , قاصداً شنغهاي لحضور المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني ( p c c) , وكان عدد أعضاء المؤتمر (57) عضواً , وكانت أكبر مجموعة تتشكل من (16) شخصاً قادماً من (خونان) , ومعظمهم من الشباب لا يتجاوز معدل أعمارهم (26) سنة , وانطلقت أعمال المؤتمر في (16) يوليو في مدرسة للفتيات , واستكمل أعماله على ظهر سفينة مستأجرة على بعد (130) كيلو متر من شنغهاي , بسبب مداهمة الشرطة للمدرسة المنعقد فيها المؤتمر , والذي تم إخلاؤه قبل وصول الشرطة للمكان , وبعد ذلك أصبح (ماو) رئيس فرع (خونان) للحزب الشيوعي الصيني . -   اهتم (ماو) بدور المثقفين , وأكد أن عليهم أن يصلحوا نظرتهم إلى العالم على نحو جاد , وذلك لغرض تعبئة نشاط المثقفين على نحو أفضل , وتهيئة الفرصة لمواجهتهم , ومساعدتهم على تقديم خدمة أفضل للاشتراكية , وقدّر (ماو) دور المثقفين في عملية البناء الاشتراكي . -   إن المبدأ الثابت في أفكار (ماو) , هو أن الشعب يُعتبر القوة التي تدفع التاريخ إلى الأمام , وذلك لغرض تعزيز العلاقة بين القيادة والجماهير . -   نظرية بناء الحزب التي تشكل ركناً من أفكار (ماو) , والذي عمل على تطوير نظرية (لينين) في بناء الحزب وتطويره أرقى وأكثر شمولية , فقد تشكلت نظرية بناء الحزب الشاملة على أساس الممارسة العملية , وقد طور نظرية متكاملة حول نوع الحزب المطلوب بنائه وأيديولوجيته المرشدة وأسلوبه في العمل , وبدأ عملية تثقيف واسعة النطاق في الحزب والجيش والناس , وتمكن مع رفاقه من بناء حزب قوي , لازال يقود جمهورية الصين الشعبية باقتدار , وأحدث نقلات نوعية في مجمل حياة ومجالات البلاد , وظل حزباً حيوياً وديناميكياً فتياً . -   لخص (ماو) أهداف نظريته في بناء وتطوير الحزب , في خلق وضع سياسي يجمع بين المركزية والديمقراطية , وبين الانضباط والحرية , وبين الإرادة الموحدة والرضا الشخصي والحيوية والنشاط , وذلك لخدمة الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي , والتغلب على الصعاب , وبناء صناعة حديثة , وزراعة حديثة على نحو أسرع لسد حاجة الشعب من الحبوب والمأكل والملبس والمشرب والمسكن , وزيادة قدرة الحزب والدولة على الصمود أمام العواصف والأخطار المتربصة بالبلاد من كل حدب وصوب. -   كان الحزب الذي بناه (ماو) قادراً على تنمية الديمقراطية على نطاق واسع وتشجيع العاملين في المستويات الدنيا على مراعاة الانضباط عن وعي وإدراك وإيمان ذاتي , وتشمل أفكار (ماو) , دمج درجة عالية من الديمقراطية في درجة عالية من المركزية , ومعالجة كافة التناقضات بصورة صحيحة , تطبق صيغة "الوحدة , النقد , الوحدة" , والاتعاظ بالأخطاء الماضية بهدف تفادي الأخطاء في المستقبل , ومعالجة الداء بهدف إنقاذ المريض. -   تبنى (ماو) مسألة " البحث عن الحقيقة من الوقائع"   ( وهي نظرية مادية صرفة ) , والأمانات الثلاث , أمانة في السلوك , أمانة في القول , أمانة في العمل , تتطابق مع مسألة البحث عن الحقيقة من الوقائع , (حسب اعتقاد ماو) , فلقد كان إنساناً مادياً خالصاً , فلقد كان يؤمن بالجماهير إيماناً تاماً ودائماً كان يعارض أي تصرف لا يحافظ على الثقة بالجماهير والاعتماد عليهم , وكان يصغي لما تقوله الجماهير , واعتبر أن شكاوى الجماهير عادلة وهي صوت الجماهير .   وأكد الزعيم (دنغ شياو بينغ) في إحدى خطاباته قائلاً : " إذا كنا نؤمن بالجماهير إيماناً كاملاً وبحثنا عن الحقيقة من الوقائع , وعملنا على تنمية الديمقراطية , وأكدنا على نظرية (ماو تسي تونغ) في بناء الحزب وعلى أسلوب عمل الحزب وطورناهما , أمكننا أن نخلق الوضع السياسي الذي ارتآه , فبهذا الوضع السياسي سنقدر على الصمود أمام كل عاصفة وخطر , كما سنقدر على رفع راية أفكار (ماو تسي تونغ) العظيمة عالياً" .  -   وجه (ماو) ثلاث توجيهات هامة :   1-   دراسة النظرية ومكافحة التحريفية وصدها . 2-   تحقيق الاستقرار والوحدة في الحزب والبلاد . 3-   دفع عملية بناء الاقتصاد الوطني إلى الأمام لرفع مستوى الاقتصاد والتنمية . -   طرح (ماو) ثلاث مهمات أساسية متعلقة بأسلوب عمل الحزب وهي : 1-   دمج النظرية بالممارسة . 2-   الحفاظ على علاقات حميمة مع الجماهير. 3-   ممارسة النقد الذاتي. -   وضع (ماو) مبادئ لتقويم العمل والأداء في الحزب منها : 1-   تقويم دراسة الأوضاع أولاً بأول , فالذي يصلح اليوم في هذه المرحلة , قد لا يصلح غداً في مرحلة أخرى . 2-   تقويم أسلوب العلاقات في داخل الحزب ومكافحة الانعزالية والشللية , وتعزيز روح الحزب . 3-   تقويم أسلوب الكتابة والابتعاد عن القوالب الجامدة . 4-   يجب على أعضاء الحزب أن يتصرفوا وفق دستور الحزب , وأن يراعوا الانضباط الحزبي , ولا يجوز لهم أن ينهمكوا في الانعزالية من "القلاع الجبلية" , أو أن يناصروا شلة على أخرى.   منذ أن شرع (ماو) في تأسيس الحزب الشيوعي الصيني , ثابر على القيام بالتحقيقات والدراسات للظروف الاجتماعية الموضوعية وحث الآخرين على القيام بذلك وناضل بكل ما أوتي من عزم ضد الاتجاه الخاطئ القاضي بعزل النظرية عن الممارسة والتصرف في كل شئ انطلاقاً من الرغبة الذاتية أو حسب الكتب والتعليمات الصادرة من أعلى بصرف النظر عن الظروف الواقعية , فلكل منطقة واقع مُغاير ومختلف عن الأخرى , وأعضاء الحزب كل بمنطقته أدرى بها من غيره .   وكتب (ماو) في سنة (1920م) مقالة بعنوان " ضد عبادة الكتب" , ضمنها المقولة العلمية "لا تحقيق , لا حق في الكلام"  , وقاوم (ماو) بشدة العقلية المضللة لأولئك الذين لا يفتحون أفواههم في المناقشات في داخل الحزب الشيوعي بدون الاستشهاد بكتاب , فكأنما كل ما ورد في الكتاب هو صحيح , وقال (ماو) , " إن تنفيذ التوجيهات الصادرة عن الهيئة العليا بصورة عمياء وبلا أدنى اختلاف في الرأي ظاهرياً ليس بتنفيذها حقيقياً , بل هو أكثر الطرق براعة في معارضتها أو في تنفيذها سلباً". -  أكد (ماو) المبادئ المرشدة لخوض حرب قائلاً: 1-   إن صحة تخطيطات القائد العسكري أساسها صحة تعميمه . 2-   إن صحة تعميمه منشؤها صحة أحكامه . 3-  إن صحة أحكامه مبنية على أساس الاستطلاع الدقيق اللازم وعلى أساس التفكير في مختلف المعلومات التي يحصل عليها أثناء الاستطلاع , وإمعان النظر فيما يربط بعضها ببعض .  -   الإخفاق في دراسة الوضع الذاتي ووضع العدو , والذي يعني الفشل في معرفة أنفسنا ومعرفة العدو  , معناه الفشل. -   قال (ماو) : " إن الهيئة القيادية المركزية مصنع يصنع أفكاراً باعتبارها من منتجاته, فإذا كانت تجهل ما يدور في المستويات الدنيا , ولم تحصل على مواد أولية ولا منتجات شبه جاهزة , فكيف يمكنها إذن أن تنتج المنتجات". -   أشار (ماو) في مقالته "  من أين تأتي الأفكار السديدة"  , التي نشرها عام (1963م) , إلى أن "الأفكار السديدة تأتي من الممارسة الاجتماعية وحدها"  , "لا يمكن إثبات صحة أفكار المرء أو عدم صحتها إلا بوضعها موضع الممارسة العملية الاجتماعية واختبارها عبر هذه الممارسة , وليست هناك طريقة غير هذه الطريقة لاختيار الحقيقة " , "وهذا يتطلب مناقشة القضايا في سياق الزمان والمكان والظروف". -   أطلق (ماو) العديد من الشعارات , شكلّت قواعد ثورية ذهبية في السلوك , تطورت مع تطور الزمن ومنها : 1-    قاعدة "لا تأخذوا شيئاً من العمال والفلاحين" , وتحول هذا الشعار إلى " لا تأخذوا من الجماهير ولو إبرة واحدة أو قطعة من خيط" . 2-   قاعدة " سلموا كل ما تأخذوه من العتاة المحليين إلى الهيئات العليا " , وتغيرت أولاً إلى "سلموا كل الأموال المجموعة إلى الهيئات العليا" وثانياً إلى " سلموا كل غنيمة للهيئات العليا". 3-   قاعدة " لا تستحموا على مرأى من النساء" , وأصبحت "لا تداعبوا النساء" .  4-   قاعدة" لا تفتشوا جيوب الأسرى" , إلى "لا تسيئوا معاملة الأسرى".  5-   قاعدة" لا تضربوا الناس ولا تشتموهم, لا تلحقوا الأضرار بالمزروعات"  6-   قاعدة القدوة الحسنة , هذه مسألة في غاية الأهمية ومن اللازم أن يكون الكوادر القياديون وبخاصة كبار الكوادر قدوة للآخرين , فالجماهير تنظر إلى الكوادر دائماً لمعرفة ما إذا كانت أفعالهم تطابق أقوالهم وعلى كوادر العمل السياسي بصورة خاصة أن يكونوا قدوة حسنة للآخرين , فلا يجوز لكادر عمل سياسي أن يتكلم بشكل ويتصرف بشكل آخر.   وقد أكد الزعيم :" دنغ شياو بينغ" في مؤلفاته قائلاً ," لقد ضرب لنا الرفيقان "ماو تسي تونغ" و"شو آن لاي" مثالاً في مسلكهما  , فقد عملا بجد وعاشا عيشة بسيطة لعقود من الزمن ملزمين نفسيهما بطلبات صارمة , ولقد جسدا التقاليد الحميدة وأسلوب العمل الرائع في حزبنا وجيشنا , فما أعظم أفعالهما الملهمة البعيدة التأثير على كل الحزب وكل الجيش وكل الشعب , ولم تؤثر فقط في جيلنا , بل ستظل تؤثر في الأجيال القادمة , ويجب على كوادرنا وعلى وجه الخصوص كوادرنا المتمرسين أن يتخذوا الرفيقين (ماو تسي تونغ) و(شو آن لاي) مثلاً لهم , وأن يؤدوا عملاً طيباً في توصيل تجاربهم للشباب والكهول وفي مساعدتهم وإرشادهم " .   ومن واقع تجربة حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح , والثورة الفلسطينية المعاصرة , فلقد كانت تدرس أفكار (ماو تسي تونغ) الثورية , وأساليب العمل الثورية , وقواعد السلوك , وترجمة ما يناسب منها الفدائيون في القواعد الثورية داخل الوطن أو خارجه وحتى في داخل المعتقلات الإسرائيلية , فلقد شكلت قواعد المسلكية الثورية لــــ (ماو) قواعد ذهبية في السلوك بين المناضلين من جهة , والمناضلين والجماهير من جهة أخرى , ودائماً طالما كنا نركز على قاعدة (القدوة الحسنة) في السلوك والاتصال مع الجماهير, فإن تجربة الثورة الصينية , تجربة غنية بالدروس والعبر , كانت مع تجربة الثورة البلشيفية , والثورة الجزائرية , وحركات تحرر عالمية كثيرة , موضع دراسة واهتمام في الخلايا الثورية للاستفادة منها في تصويب البنيان التنظيمي والثوري وتقويم السلوك , وتطابق القول مع العمل , والصدق مع الجماهير .  من مؤلفات (ماو تسي تونغ): -   تحليل طبقات المجتمع الصيني (1926م) . -   تقرير عن التحقيق الذي أُجري في خونان حول الحركة الفلاحية (1927م). -   القضايا الإستراتيجية للحرب الثورية في الصين (1936م). -   الديمقراطية الجديدة (1940م). -   مقدمة وملحق لتحقيقات في الريف (1941م) . -   مداخلات في ندوات حول الأدب والفن في (يينان) (1942م) . -   حول تقارير العشرة الكبرى (1956م) . -   في سبيل حل عادل للتناقضات في صفوف الشعب (1957م) . من أقوال (ماو) المأثورة :  -  الحرب الثورية هي حرب جماهيرية , لا يمكن خوض غمارها إلا بتعبئة الجماهير والاعتماد عليها.  -  الإمبريالية وجميع الرجعيين نمور من ورق: إن جميع الرجعيين نمور من ورق , يبدو منظرهم مخيفاً , لكنهم ليسوا في الحقيقة بتلك القوة الجبارة , وإذا نظرنا إلى الأمور من زاوية المستقبل , وجدنا أن القوة الجبارة حقاً ليست في يد الرجعيين بل في يد الشعوب . -   كونوا جريئين على الكفاح وعلى انتزاع النصر :   يا شعوب العالم قاطبة , اتحدي واهزمي المعتدين الأمريكيين , وجميع عملائهم , يا شعوب العالم قاطبة , تشجعي وكوني جريئة على الكفاح وتحدي الصعاب وتقدمي موجة بعد أخرى وعندئذ سيكون العالم كله , بالتأكيد ملكا ًللشعوب , وسيقضي على الغليان بجميع أنواعها . -   الاعتماد على النفس الطويل والنضال الشاق :  العمال والفلاحون والمثقفون العاملون هم الذين يخلقون ثروة المجتمع , وطالما أمسكوا زمام مصيرهم بأيديهم فلم تكون آنذاك في العالم صعوبة لا يمكنهم التغلب عليها .  الجزائر تكرم (ماو تسي تونغ) و(شو آن لاي)    وفي مبادرة نوعية فوق العادة نظمت سفارة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لدى جمهورية الصين الشعبية , حفل تكريم وعرفان لأصدقاء الثورة الجزائرية في (26/ ديسمبر/2012م) تخلله تكريم الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ) والزعيم الصيني (شو أن لاي) , تقديراً لجهودهما في مساندة الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر عام (1954م) ضد الاستعمار الفرنسي , وحضر هذا الحفل الذي تم برعاية كريمة من جمعية الصداقة للشعب الصيني مع البلدان الأجنبية , العديد من المسؤولين الصينيين من بينهم , نائب رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (عبد الواحد عبد الرشيد) , ونائب وزير الخارجية الصينية (جاي جون) , ونائب رئيس جمعية الصداقة للشعب الصيني مع البلدان الأجنبية (فونغ قوه كوه) والمعروف باسمه العربي (حكيم) , والمبعوث الصيني الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط (وو سي كه), والسلك الدبلوماسي العربي لدى الصين حيث أعرب (حسن رابحي) سفير الجزائر في بكين عن سعادته وتقديره للتعاون المتواصل والمستمر بين الصين والجزائر , ومساندة الصين لحركة التحرير الجزائرية , ومواقف الزعيم (ماو تسي تونغ) والزعيم (شو آن لاي ) المؤيدة للشعوب ضد الاستعمار , وأشار إلى أن الصين تعد الدولة الأولى التي اعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة معها في سبتمبر (1958م) .    وقال السفير (حسن رابحي) , أن الصين بقدر ما تحظى به من اهتمام العالم , فإنها كذلك مثال متألق يقتدي به العالم , هذا العالم الذي أنجب له هذا البلد الحضاري الكبير رجالات عظيمة أمثال (ماو تسي تونغ) و( شو آن لاي) , وقد حضرت الحفل ابنة الزعيم الراحل (ماو تسي تونغ) السيدة (لي ماو تسي تونغ) , وقدم لها السفير (حسن رابحي) ميدالية تقديرية .   حقاً إنها مبادرة كريمة مشكورة من السفير (حسن رابحي) تجاه تكريم زعيمان من أبرز الزعماء الصينيين في التاريخ المعاصر الذين ناصرا الحقوق العربية وخاصة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني , فلقد كانت الجزائر أول دولة عربية تحتضن حركة التحرير الوطني الفلسطيني , وكذلك كانت الصين أول دولة غير عربية .   موقف (ماو تسي تونغ) من الشعب الفلسطيني   لقد كانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية اعترافاً كاملاً , وجاء هذا الاعتراف في ظل عهد ومرحلة الرئيس "ماو تسي تونغ" الذي استقبل الرئيس " أحمد الشقيري" رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في (17/3/1965م) الذي كان يزور الصين على رأس وفد كبير بعد تأسيس منظمة التحرير عام (1964م) , والذي وافق على افتتاح مكتب للمنظمة في بكين , والذي تم افتتاحه في شهر مايو – أيار من نفس العام في بكين وقد كان أول رئيس مكتب للمنظمة هو السفير ( رشيد سعيد جربوع ) الذي عينه الأستاذ ( أحمد الشقيري) .   وجاء في البيان المشترك الذي صدر عقب الزيارة , " يكرر الجانب الصيني , بأن شعب الصين يؤيد بحزم الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه العادل ضد إسرائيل , وإدارة الولايات المتحدة الأمريكية العدوانية , كما يؤيد مطلبه بالعودة إلى وطنه واستعادة حقوقه كاملة في فلسطين".   ولا زال هذا الموقف المبدئي الثابت للصين في عهد الرئيس (ماو) يشكل أساس الموقف الصيني الثابت والراسخ لدعم الشعب الفلسطيني ونضاله العادل وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة , وتدعم الصين بثبات حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية حتى هذا اليوم. 19/1/2013م المراجــع : -   منشورات المركز العربي للمعلومات في بكين . -   منشورات الحزب الشيوعي الصيني . -   مؤلفات "دنغ شياو بينغ" .