خبر : الحل في الاعتدال ...رجب ابو سرية

الثلاثاء 25 ديسمبر 2012 10:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحل في الاعتدال ...رجب ابو سرية



أظهر فتح المجتمعات العربية أن ما بداخلها ليس أفضل حالاً مما يظهر على سطحها؛ لذا ما أن نجح الحراك الشعبي، وفق حالة الربيع العربي في إسقاط بعض الأنظمة، حتى جاءت انتخابات حرة ونزيهة، ومعبرة عن الواقع الاجتماعي، بقوى بدأت في إقامة أنظمة حكم، ليست أفضل حالاً، لا من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية، ولا من حيث الديمقراطية السياسية، ولا حتى فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب والقوى الإقليمية والكونية، التي تطمح إلى السيطرة على مقدرات الشعوب العربية، من أنظمة الحكم التي تم إسقاطها.وبعد نحو عشر سنوات من إسقاط نظام الحكم في بغداد، ما زالت العراق، لم تحقق استقرارها السياسي، ليس فقط، ولكن ما زالت تواجه خطر التفكك وبالكاد تحافظ على وحدة وطنية، بحدودها الدنيا، الأمر ذاته يواجه ليبيا، التي وبعد إجراء انتخابات برلمانية فيها، تشهد على الأرض، ظهوراً للكيانية الجهوية فيها، كذلك محاولات لإقامة "أنظمة" سياسية محلية في ولاياتها الرئيسة، وليس الحال أفضل في تونس، التي ما زالت تواجه عدم استقرار سياسي، كذلك الحال في اليمن، وفي مصر، حيث تمثل النموذج، كما كان حالها دوماً بحكم مركزيتها في المنطقة العربية، فإن المعركة التي تلت الإعلان الدستوري، الذي أصدره الرئيس محمد مرسي العياط، وفتح الباب للدخول على استفتاء دستوري، على عجل، ما زالت في أوجها، ولن تنتهي بإقرار الدستور الجديد.والمشكلة تكمن في الحقيقة، في كون المنطقة العربية، تعيش في منطقة متوسطة من العالم، ليست منطقة داخلية، يمكن لها أن توفر لها "عزلة" سياسية، خاصة في عصر بات الانفتاح أحد أهم معالمه وسماته، لذا من الصعب أن تستقر المجتمعات العربية، في ظل سيطرة قوى محافظة، أو متشددة، أو منغلقة، وفي الحقيقة، فإن فتح المجتمعات العربية، قد وضعها، في لحظة واحدة أمام جملة من الاستحقاقات المتعددة، وعلى كل المستويات، الواجب تحقيقها، بعد حجز لتطور هذه المجتمعات، استمر عقوداً طويلة من السنين.ومشكلة العرب لم تكن يوماً في حكم الأغلبية، فعلى كل حال، كانت أنظمة حكم الفرد، بهذا الشكل أو ذاك تحكم باسم الأغلبية دائماً، بل كانت دائماً، تتمثل في وجود أنظمة غير ديمقراطية، تقهر الأقليات العرقية والسياسية والطائفية، ولا تؤمن بالحقوق الشخصية، ولم تكن يوماً "الهندسة السياسية" حلاً، والمتمثلة، في وجود دستور وقضاء وتشريع وما إلى ذلك، ولا حتى في إجراء انتخابات عامة ورئاسية، بل في كيفية تحويل هذا النظام إلى نظام ديمقراطي حقيقي، ويقينا فإن إقرار دستور في تونس ومصر، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، لا يكفي لإقامة نظام حكم مستقر، ذلك أن الصورة التي لا يريد ذوو نزعة الحكم الديكتاتوري رؤيتها، هي أن الانتخابات قد أظهرت وبشكل طبيعي، وجود أغلبية وأقلية، وفوز الأغلبية بالحكم، لا يعني أن عهد الديمقراطية قد انتهى عند هذه الحدود، ذلك أن الحكم يجب أن يحفظ حق الأقلية التي وصلت إلى حدود 47% عند التصويت على الرئاسة وبحدود 40% عند التصويت على الدستور، كما في حالة مصر.لابد من قبول الآخر، حتى يمكن لمكونات المجتمعات العربية أن تتعايش، في ظل مجتمع مدني حديث، وحتى يمكنها أن تتفاعل، ويتحول التعدد العرقي / الطائفي والسياسي إلى قوة مجتمعية، بدل أن يتحول إلى مظهر ضعف، يؤدي إلى تفكك المجتمعات القائمة، وإقامة مجتمعات، دول، أو كيانات هزيلة على أساس طائفي أو عرقي، تسهّل السيطرة الخارجية، لابد من إقامة أنظمة حكم مدنية تكفل المساواة والعدالة على أساس من المواطنة، وليس على أي أساس آخر.كذلك لابد من أن تنتشر ظاهرة الاعتدال السياسي والمجتمعي، ولابد من محاربة كل ظواهر ومظاهر التطرف، التي استشرت بحكم تراكم القهر والفقر والجهل، في صفوف الناس، وفي تاريخ العرب الحديث، كثيراً ما امتطت حركات سياسية ظهور الشعوب، استناداً إلى شعارات تدغدغ مشاعر العامة من الناس، ولم تحقق لا التحرر أو الحرية ولا العدالة المنشودة، فضلاً عن أنها أدت إلى توتر العلاقات الاجتماعية الداخلية بين المواطنين، والعلاقات السياسية بين الشعوب العربية وكثير من دول العالم، ولم تفشل "الشعارات" التي لم تكن بلا أساس في تحرير المحتل من البلاد العربية، خاصة فلسطين، بل إنها لم تحافظ على ما تبقى من أراض ومن مقدرات وطنية وشعبية.وفي الحقيقة فقد كان للتطرف أسبابه، التي لابد من معالجتها، وفي سياق الصراع السياسي، لابد من إيلاء التنمية الاقتصادية، كل اهتمام ممكن وضروري، ولابد أن تكون الإجابة عن أسئلة العصر السياسية / الاقتصادية هي الفيصل وهي محل الخلاف والصراع، فإذا كان الفساد، قد أدى إلى تبديد الثروة الوطنية، وإلى غضب الناس، فإن مقارنة بين دول معتدلة وأخرى راديكالية، فيما مضى تظهر الفارق، بين دول عربية نفطية، مثل دول الخليج، بأنظمة حكم "معتدلة" حتى لو كانت غير ديمقراطية، وبين أنظمة حكم رفعت شعارات "ثورية" مثل ليبيا والعراق، لندرك أن المغامرة السياسية، لم تصل بالعرب إلا إلى الهلاك!على أن الاعتدال السياسي، وهو حالة يحرض أعداء العرب ضدها، لابد أن تستند إلى، توفير الحياة الكريمة للمواطنين، ولا يمكن أن تتحقق إلا في مجتمع نام، ومنفتح، وعصري، أي لابد من إطلاق التنمية على كافة المستويات، ومن فتح المجتمعات داخلياً وخارجياً، ولابد من وضع أسس نظام العدالة، على أساس المواطنة، وحين يصبح المواطن حراً في وطنه، يمكنه أن يواجه كل عدو خارجي، بالفعل وليس بالقول، وحقيقة وليس شعاراً، لذا فإن ما ينفع الناس يبقى في الأرض، وأما زبد التطرف فيذهب هباء، وربما رغم كل ما حصل، ورغم أن تجربة عامين على الربيع العربي ما زالت على المحك، بما يصحح من مسارها، وبما يدفعنا إلى القول إن المرحلة التالية ستكون أقل "صخباً"، إلا أن أحد نتائج هذا الربيع المهمة، تمثلت في زيادة الوعي المدني، والديمقراطي، وتعزيز الثقة الشعبية، بأهمية اللجوء إلى أدوات الاحتجاج السلمي، وفي انتصار الاعتدال السياسي عموماً على التطرف الذي كان قد اجتاح المنطقة قبل نحو عقد ونصف، من الآن.Rajab22@hotmail.com