.. وأخيراً، قرر المستشار القضائي لحكومة إسرائيل، يهودا فايلنشتاين السماح لكافة القوائم التي تقدمت للانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكرة الشهر القادم، بخوض الانتخابات، ذلك أن أطرافاً عديدة تقدمت إلى المستشار باعتراضات على خوض هذه القوائم الانتخابات تحت ذرائع ومبررات مختلفة، ومن بين هذه القوائم التجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة الموحدة، والعربية للتغيير، أما على الجانب الآخر، فكانت قوائم شاس، والعظمة لإسرائيل، وأغودات إسرائيل، والنائبة حنين زعبي.لم يجد المستشار القضائي الإسرائيلي، حسب بيانه، أدلة كافية تبرر منع القوائم العربية من خوض الانتخابات رغم ما توفر من مؤشرات ملموسة ومزعجة تقترب من الممنوع، أما فيما يتعلق بقائمة العظمة لإسرائيل اليمينية المتطرفة التي تحرض على العنصرية بشكل فاضح وموثق ضد العرب والتي تنادي علناً بإلغاء الديمقراطية في إسرائيل، فقد وجد المستشار القضائي أنه لم يجد أدلة قاطعة تدين هذه الجماعة.التماسات عديدة، تتقدم بها جماعات يمينية متطرفة، ويمينية دينية، في كل مرة تعقد في إسرائيل انتخابات تشريعية، ضد القوائم العربية لمنعها من خوض الانتخابات، ومع النظم والقوانين الإسرائيلية الجديدة الهادفة إلى حرمان المواطنين العرب الفلسطينيين من حقوقهم في ظل دولة الاحتلال، فإن التيارات والأحزاب الأكثر تطرفاً وعنصرية باتت لها الأغلبية في الشارع الإسرائيلي، الأمر الذي انطوى على مزيد من التهميش والحصار السياسي والاقتصادي على المواطن العربي الفلسطيني على خلفية عنصرية واضحة مدعومة من الدولة والرأي العام على حد سواء، باعتبار أن العرب في إسرائيل ما هم سوى طابور خامس يكن العداء "لدولته" وليس أكثر من قنبلة ديمغرافية موقوتة، ما يفرض وضع القوانين العنصرية الخاصة التي تمنع قبل فوات الأوان هذه القنبلة من الانفجار في المجتمع الإسرائيلي ودولته العبرية.ومع كل انتخابات تشريعية إسرائيلية، يطرح السؤال نفسه: لماذا لا ينعكس الحجم السكاني الجغرافي لعدد المواطنين العرب الفلسطينيين في الدولة العبرية على الخارطة السياسية الداخلية، خاصة من خلال التمثيل البرلماني في الكنيست الإسرائيلي، إذ إن عدد السكان العرب يبلغ قرابة 22 في المائة من مجموع سكان الدولة العبرية، بينما لا يحظى هؤلاء سوى على عشرة بالمئة تقريباً من التمثيل البرلماني، وإذا كان الخوف الديمغرافي يعتبر هاجساً دائماً لحكومات الدولة العبرية، لماذا لا يتحول هذا الهاجس، إلى قوة سياسية فاعلة تجبر دولة الاحتلال على التعاطي مع المسائل السياسية المرتبطة بهذه المجموعة السكانية بشكل أفضل سواء على صعيد الحقوق المطلبية والاجتماعية أو الحقوق السياسية.الجواب على هذا التساؤل من شقين أساسيين، الأول، يتعلق بالتجربة الإسرائيلية ذاتها، إذ إن القوائم العربية في الكنيست، لعبت دوراً أساسياً في منح حكومة رابين شبكة أمان، لتوقيع اتفاق أوسلو، ولم يكن لهذه الحكومة الحصول على موافقة الكنيست لولا هذه الشبكة التي مكنت رابين من الحصول على 56 صوتاً، عشرة أصوات منها من القوائم العربية، وهذه التجربة تشير على أن بوسع القوائم العربية أن تلعب دوراً سياسياً مؤثراً في حالة السلام، وهي الحالة التي بات المجتمع الإسرائيلي وأحزابه، يرفضها تماماً، وهو إذ يتحول أكثر نحو اليمين المتطرف العنصري، فإنه يعمل بلا كلل من خلال مختلف الإجراءات على منع العرب في إسرائيل من لعب هذا الدور.أما الشق الثاني، فيتعلق بالعرب أنفسهم، إذ إن هناك انقسامات مستمرة لدى الوسط العربي، حتى حول مدى "وطنية" المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية التي تفرض على النائب أن يقسم قسم الولاء للدولة الإسرائيلية، يضاف إلى ذلك أن جملة القوانين التي تحكم الدولة العبرية، لا تمنح النواب العرب حقوقاً مماثلة للنواب اليهود، كما حدث مع النائبة حنين الزعبي، عندما طالبت الأحزاب اليمينية رفع الحصانة عنها ومحاكمتها كونها وقفت مع شعبها المحاصر في قطاع غزة، وأدانت الهجوم على سفينة مرمرة التركية التي حاولت كسر الحصار عن القطاع. لكن هناك رأياً آخر، يشير إلى أن النضال البرلماني هو أحد أشكال المواجهة مع العنصرية الإسرائيلية، وطالما أن هذا الشكل متاح للمواطن العربي في إسرائيل، فعلى العرب استثماره لتعزيز موقعه في الخارطة السياسية، حتى يصبح قادراً على التأثير والتغيير، خاصة وأن الأحزاب العنصرية اليمينية الإسرائيلية هي التي تطالب بمنع العرب من الترشيح للكنيست وخوض الانتخابات التشريعية، فلماذا نمنح هذه القوى المتطرفة مآربها من خلال سلبيتنا وانكفائنا عن القيام بدورنا؟!إلاّ أن الخلاف لدى الدائرة العربية لا يقف عند هذا الحد، فهناك من العرب من يرى أن هناك إمكانية من خلال الانضمام إلى الأحزاب الإسرائيلية وليس القوائم العربية، لكي يكون للصوت العربي تأثير أكبر داخل هذه الأحزاب، وهناك أعداد من النواب العرب فعلاً نجحوا في قوائم الأحزاب الإسرائيلية إلاّ أن التجربة أكدت مراراً، على أن هذه الأحزاب هي التي تؤثر على الشخصيات النيابية العربية، وليس العكس، من دون أن تحدث هذه الشخصيات النيابية أي تأثير يذكر على سياسات هذه الأحزاب، على الصعيدين السياسي والاجتماعي الاقتصادي.وكما كل مرة تعقد فيها انتخابات تشريعية إسرائيلية، يطالب الجمهور العربي في إسرائيل وخارجها، أن تتجاوز مختلف القوى خلافاتها من أجل قائمة عربية موحدة تخوض الانتخابات وفقاً لأجندة تعكس الوزن الديمغرافي سياسياً وتفرض متغيراً حقيقياً على الدولة العبرية، عندما سيحصل العرب على ربع مقاعد الكنيست، ما سيترك آثاره الجوهرية على السياسة الإسرائيلية، فمتى تتحول هذه الأمنيات إلى حقائق؟!Hanihabib272@hotmail.comwww.hanihabib.net